خبر الاستغلال الأمريكي لأزمة « هايتي »

الساعة 09:19 ص|18 يناير 2010

فلسطين اليوم : غزة

ما تزال فرق الإنقاذ تعمل بجهود جبارة لانتشال أحياء من تحت الأنقاض في عاصمة هايتي التي ضربها زلزال مدمر بقوة سبع درجات على مقياس ريختر الثلاثاء الماضي، خلف حتى الآن حوالي خمسين ألف قتيل/ وسط عجز المستشفيات عن استيعاب المزيد من الجرحى البالغ عددهم 250 ألف/ وانتشار آلاف المشردين في شوارع العاصمة "برانس".

وعلى صعيد أعمال الإغاثة/ تمكنت فرق إنقاذ تركية وأميركية ودانمركية وتونسية من انتشال بعض الناجين وعشرات الآلاف من الجثث/ وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لدى وصوله إلى مطار "برانس" إن أولى أولويات المنظمة الأممية، هي إنقاذ أكبر عدد من الناس وزيادة المساعدات الإنسانية وضمان توزيع الكمية الضخمة من المساعدات التي وصلت هايتي/ وأن القوات الأميركية ستعمل على الاهتمام بأمن عمليات الإغاثة مع قوة الأمم المتحدة والشرطة المحلية.

إلى هنا يبدو المشهد عادياً/ دولة منكوبة يسارع الجميع إلى مساعدتها بسبب دافع إنساني/ إلا أن أهدافاً خفية بدأت تظهر مع استمرار إرسال القوات الدولية لإنقاذ سكان هايتي/ فبمجرد ظهور المعلومات الأولية عن وقوع الزلزال, سارعت الولايات المتحدة الأميركية إلى إرسال بعض القطع العسكرية بما أتاح للقوات الأميركية تحقيق السيطرة العسكرية البحرية الكاملة في المناطق المحيطة بالجزيرة, بالإضافة إلى سيطرة جوية كاملة على المكان/ وإذا استعرضنا القوات الأمريكية التي تم نشرها في هاييتي بعد وقوع الزلزال, نجد أنها شملت/ سفينة هجوم بحري، وسفينة إنزال بحري، وسفينة عناية طبية، والعديد من القطع البحرية التابعة لقوات خفر السواحل الأميركية، والعديد من طائرات الهيلوكبتر، وحاملتي صواريخ/ أما القوات البشرية فبلغت 4000 آلاف جندي تابع لوحدات التدخل السريع، ومثلهم تابع للقيادة العسكرية الجنوبية الأميركية المسئولة عن أميركا الجنوبية، بالإضافة إلى 6000 آلاف آخرين متوقع وصولهم خلال أيام.

الإدارة الأميركية تقول أن عملية الانتشار العسكري الواسعة هذه، تهدف بشكل أساسي إلى حماية الجزيرة وسكانها, من انتشار حالات الفوضى والاضطرابات, والتي يمكن أن تؤدي إلى تهديد أمن واستقرار منطقة الكاريبي والولايات المتحدة, إضافة إلى احتمالات أن تغري حالة الفوضى كل من كوبا وفنزويلا وغيرها من دول محور الشر حسب وصفها بأن تتدخل لجهة تصعيد التهديدات ضد أميركا.

لكن حقيقة النوايا الأميركية إزاء أزمة زلزال هاييتي بدأت تنكشف أكثر فأكثر, عندما منعت الطائرات وسفن المساعدات الأوروبية, وخاصة فرنسا من الوصول/ مقابل سماحها فوراً للطائرات الصهيونية والتي وصلت على عجل وهي محملة بـ"القليل" من الفرق الطبية والمساعدات, و"الكثير" من العتاد غير المعروف/ وتشترط أمريكا الإشراف على كل المساعدات التي تصل إلى هاييتي/ الأمر الذي أثار انزعاج المنظمات الدولية والأوروبية.

جزيرة هاييتي المنكوبة تقع في منطقة الكاريبي, تأسست عام 1697م تحت اسم جزيرة سانت دومينك, وظلت تخضع للنفوذ الاستعماري الفرنسي, ثم نالت الجزيرة استقلالها في عام 1804 من فرنسا بعد ثورة مسلحة/ يبلغ عدد سكانها حوالي 10 مليون نسمة, أما الناتج المحلي الإجمالي للجزيرة فهو 11,5 مليار دولار سنويا. فما الذي يهم أميركا في هاييتي؟

باختصار/ إذا سيطرت أمريكا على هذه الجزيرة فهذا يعني أنها تحرم كوبا وفنزويلا وبقية خصوم أميركا الحاليين والمحتملين في أمريكا الجنوبية من الحصول على موطن قدم في هاييتي/ وبناء شبكة تحالفات أميركية-كاريبية واسعة النطاق تضم هاييتي والدومنيكان وغيرها بما يجعل من البحر الكاريبي بحيرة أميركية خالصة/ وهذا يفسر التزام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتقديم 100 مليون دولار كدعم لصندوق مساعدة هاييتي، وتعيين الرئيس السابق بيل كلينتون كمبعوث أميركي خاص لجزيرة هاييتي، وتعيين الرئيس السابق جورج دبليو بوش كمشرف على حملة جمع التبرعات من القطاع الخاص والمنشآت الأميركية.

ومن أبرز الشركات التي تسعى إلى جني ثمار كارثة الزلزال, نجد: الشركات الطبية الأميركية/ شركات النقل الأميركية/ شركات الأغذية/ شركات البناء والإنشاءات/ وشركات الخدمات الأمنية. كما أن الشركات تحت مسمى "إسرائيلية" تنخرط حاليا في وضع المخططات ودراسات الجدوى الاقتصادية والتجارية, التي تتيح لها الحصول على موطئ قدم في هاييتي, والاستفادة من فرص السيطرة العسكرية الأميركية على الجزيرة/ وتقول المعلومات بأن كارثة زلزال هاييتي سوف تتيح للشركات ودوائر الأعمال الصهيونية توفير المزيد من فرص العمل المريحة للصهاينة, إضافة إلى الحصول على أرباح سريعة قد لا تقع عن 20 او 30 مليار دولار في فترة وجيزة, وأضافت المعلومات, بان المنشآت والشركات الصهيونية لن تكون وحدها في الساحة, وإنما سوف تكون إلى جانبها شركات جماعات المافيا الروسية-الصهيونية المتمركزة في مناطق شرق أوروبا, وشركات اللوبي الصهيوني المتمركزة في العديد من أنحاء العالم.

أما المفاجأة التي تقطع الشك باليقين في النوايا الأمريكية/ هو تقرير حذر الإدارة الأمريكية من مخاطر زلزال متوقع يصيب هاييتي في عهد الرئيس بوش عام 2008/ ولكن إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد آثرت التكتم على التقرير, وبدلا من بذل الجهود الوقائية لدرء أضرار الكارثة قبل وقوعها, فقد سعت هذه الدوائر إلى إعداد خطة تتيح لأميركا استغلال كارثة الزلزال بما يتيح لواشنطن فرض سيطرتها النهائية على الجزيرة لحظة وقوع الزلزال.

وإليكم مسيرة التدخل الأميركي المعاصرة في جزيرة هاييتي:

1991: تم تنفيذ انقلاب عسكري في جزيرة هاييتي تبين انه كان من وضع وتنفيذ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للإطاحة بالنظام الديمقراطي الذي كان محاربا لأميركا, وأعقب حدوث هذا الانقلاب نشاط متزايد لفرق الموت التي نجحت آنذاك في اغتيال وتصفية الزعماء السياسيين وقادة الرأي المعادين لأميركا.

1994: تزايد المعارضة الشعبية للنظام الديكتاتوري العسكري الموالي لأميركا, وبسبب المواجهات, حدثت حالة من الفوضى وعدم الاستقرار, وعندها قامت واشنطن بإرسال 20 ألف جندي أميركي تحت ذريعة المساعدة في عمليات حفظ الاستقرار وحماية المدنيين, ثم تبين أن هذه القوات قامت بدعم استمرار وبقاء النظام الديكتاتوري الحاكم والموالي لأميركا, عن طريق انخراط الجنود الأميركيين في قمع الاحتجاجات الشعبية.

1999: قامت واشنطن بالاتفاق مع النظام الحاكم في الجزيرة, بإصدار قرار تم بموجبه تسريح قوات الجيش في هاييتي, وتم استبدال الجيش بشركة داينكورب للخدمات الأمنية والتي كانت بمثابة شركة واجهة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.