خبر هؤلاء الغربيون المقاومون .. من أين يستقون تفاؤلهم؟ .. جنان جمعاوي

الساعة 08:25 ص|18 يناير 2010

بقلم: جنان جمعاوي

ليس واضحاً تماماً من أين يستقون تفاؤلهم... لكنهم يُحسدون عليه. يمنحون الدولة العبرية 50 عاماً فقط.. لتخضع. يستغربون عندما يسألهم أحدهم عن السبب الذي يحدوهم لا للتعاطف مع القضايا العربية فقط، وإنما دعمها بكل الوسائل المتاحة. فالجواب بسيط: «كل من لديه حس إنساني لا بدّ أن يفعل». يطرقون مفكرين عندما يُسألون عن الأثمان التي دفعوها بسبب «مقاومتهم»، وكأنهم يستعرضون شرائط حيواتهم، ليخلصوا بأنهم «كسبوا أكثر مما خسروا».

من الولايات المتحدة، وإيطاليا، وإسبانيا وفرنسا وايرلندا وغيرها، قدموا من أجل الوقوف «مع المقاومة» في مؤتمرها الذي اختتم أعماله أمس في بيروت.. يتحدثون بحماسة. يصغون بصبر. والأهم أنهم يؤمنون بالقضية التي ينشطون لأجلها. فهل هم طوباويون؟ كلا، «نحن على حق»، هكذا يضعها الناشط الأميركي ايان طومسبون، العضو في «تحالف آنسر» (أو الجواب).

طومبسون حديث العهد بـ«المقاومة»، فهو لا يزال فتياً في الرابعة والثلاثين من عمره. تسأله متى بدأت مشوارك في العمل من أجل دعم القضايا العربية؟ يجيب انه متزوج من فلسطينية، قبل أن يستدرك أن هذه المعلومة ليست سوى تأكيد على انتمائه، الذي لا يعرف متى نشأ تماماً في قلبه. هل هو الظلم الذي أحاق بالعراق، بعد الحرب الخليجية الأولى (1991) وسنوات الحصار القاتل؟ أم بعد أحداث 11 أيلول 2001 التي كانت بمثابة «المنبّه» الذي أيقظ الأميركيين؟ أم بعد غزو العراق «الجائر» في 2003. ليس مهماً متى بدأ، فالمهم بالنسبة لإيان، هو أن يتكاثر عدد الذين «ينتفضون» من الداخل الأميركي ضد النظام.

فهل هم يتكاثرون فعلاً؟ يجيب طومبسون، وهو محام وناشط في «حركة ضد الحرب» التي تشكلت عقب احتلال العراق، «عندما بدأنا عملنا في لوس انجلس كنا سبعة فقط، وبشكل مفاجئ بات عددنا بالمئات، الكثير منهم من الشباب وفي العشرينيات». ما الذي يحرّك هؤلاء تحديداًً؟ الأزمة الاقتصادية (!) التي فضحت النظام الأميركي الذي «ينفق المليارات من أجل قتل الناس في بلدان أخرى، فيما يفتك الجوع والبطالة والفقر المتنامي بشباب أميركا».

ثم جاء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، في نهاية 2008، الذي كان بمثابة «المنعطف»، الذي «فضح الدولة (العبرية) الإجرامية»، وكسب للقضية الفلسطينية المزيد من الداعمين الأميركيين.

وإلى ماذا سيألو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي برأيه؟ إلى «قيام دولة واحدة لمصلحة الفلسطينيين»، لأن «إسرائيل لا يمكن أن تبقى على قيد الحياة» في ظل الضغط والعزلة المتناميَين.

ثمة حراك إذاً في الولايات المتحدة، بدأ ربما بعد الانتفاضة الثانية في العام 2000، أو بعد مقتل الناشطة راشيل كوري في 16 آذار 2003، تحت عجلات جرافة إسرائيلية أبت إلا أن تقتلع منزلاً فلسطينياً مع كل من وقف في دربها. لا يعرف أستاذ علوم اللغة الأميركي بول لارودي، المسؤول في حركة «فلسطين حرة»، متى استيقظ الأميركيون فعلاً، لكنه أكيد انه «قبل ست سنوات، لم يكن بإمكانك أن تقرأ في الصحف الأميركية التقليدية مقالاً متعاطفاً مع الفلسطينيين» كما هو الحال الآن.

يقول لارودي (65 عاماً) إن الظروف في العالم العربي وفلسطين «سيئة جداً»، لكن الظروف المتعلقة بالقضية خارج فلسطين «باتت أفضل بكثير» عما كانت عليه سابقاً. وهذا ما يجعل الأستاذ الجامعي «متفائلاً»، مؤكداً أن «فلسطين والعرب لا يمكن أن يقوموا بالمهمة (المقاومة) وحدهم».

تعاطف لارودي مع القضايا العربية كان جزءاً من التربية التي نشأ عليها، فهو مولود في مدينة همدان الإيرانية، ووالده يعمل في العاصمة الأردنية. قصّته في «النضال الناشط»، بدأت عندما زار عمان للمرة الأولى وكان في العشرينيات من عمره، عندما التقى بفلسطينيين واكتشف «الظلم» الذي يتعرّضون له. واكتشف الأكاذيب التي تُنفث في عقول الأميركيين في المدارس وعبر وسائل الإعلام. يستغرب كيف هناك من لا يناصر القضية الفلسطينية «فالإنسان مفطور على العدالة».

يُسأل عن الأثمان التي دفعها في بلاده، بسبب مواقفه. يقول إن العثرات وضعت أمام تطوّره المهني، فعمد إلى إطلاق عمله الخاص كخبير بيانو. مواقفه «أفقدته زبائن، وأكسبته زبائن غيرهم». فهل خسر شيئاً؟ «حتماً لا»، يجيب، ثم يخرج من جيب قميصه جواز سفر أحمر، «حصلت عليه من «رئيس الحكومة المقالة اسماعيل) هنية في 2008». ويبتسم بفخر.

ستانلي كوهين (نعم هو يهودي) يلقّب بأنه «أكثر المحامين المكروهين في نيويورك»، بسبب مواقفه المؤيدة «لأقدم مقاومة في التاريخ» فلسطين، هو أيضاً، كسب «أكثر مما أُرغم على خسارته. كسبت الكثير، كسبت أصدقاء. وتعلّمت الكثير»، والأهم هو انه «عندما أموت، سأموت مبتسماً».

كوهين (59 عاماً) «الذي بدأ نضاله الفلسطيني منذ أن وُلد»، كما يقول، نشأ في عائلة فقيرة في نيويورك، «أفرادها يقرأون بنهم، ويكتبون ويجادلون»، من هنا «تعلّمت أن أتبنّى نظرة خاصة حيال العالم». وعندما بدأ عمله في المحاماة كان دوماً إلى جانب الحق. أكان لمصلحة رئيس الجناح السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، الذي دافع عنه عندما اعتقل في الولايات المتحدة في أوائل التسعينيات، أو لمصلحة مشايخ وأئمة حوكموا في بلاده.

يبدي تفاؤلاً كبيراً بأن «المقاومة ستمنح الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم»، معتبراً أن الفضل الأكبر في تحوّل الرأي العالم العالمي لمصلحة الفلسطينيين يعود إلى «الإعلام الالكتروني، إذ لم تعد بحاجة لأن تقرأ ما تقوله الصحف التقليدية (التي يديرها أغنياء ونافذون) ولم يعد المقاومون يجدون صعوبة في إيصال صوتهم».

أما الأمين العام للحزب الشيوعي الإيطالي موريتزيو موسولينو (45 عاماً)، الذي يؤثر كل عام أن يزور لبنان في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا (بين 16 و18 أيلول 1982)، فيبدي أسفه لأن «الانقسام الفلسطيني (بين حماس وفتح) يعيق قدرة الآخرين على التعاطف مع القضية»، وإن استدرك بالقول إن «المشكلة في الأصل هي الاحتلال».

يروي موسولينو أنه كان في السادسة عشرة من عمره أو ربما في السابعة عشرة عندما كان في الثانوية وسمع عن المجزرة. لم يكن ليسمع عنها، بسبب التعتيم الإعلامي، لولا أنها وقعت في لبنان، حيث كانت هناك قوات إيطالية. أحس بـ«الخيانة». كان شاباً يصدّق أن القبعات الزرق مهمتهم حفظ الأمن والأرواح. لم يحتمل فكرة أن يغادر الإيطاليون المنطقة، قبل المجزرة، وألا يقوموا بشيء لمنعها. هنا كان «الحنق.. وبداية المشوار» النضالي. كان سهلاً بالنسبة إليه أن يتعلّم أكثر عن القضية «فقد كانت إيطاليا تؤوي العديد من الفلسطينيين»، قبل أن ينضم إلى الحزب الشيوعي.

شخصياً، لم تكلّفه مواقفه شيئاً، لولا اتهامات معاداة السامية التي توجّه إليه وإلى حزبه «كلما خرجنا في تظاهرة أو دعونا إلى حوار» مع حزب الله، الذي قال إنهم لا يؤيدونه في الإيديولوجيا لكنهم يتشاطرون معه «الحب للحرية والاستقلال».

القضية التي تشغل الأسباني كارلوس فارييا هي العراق. لأجله يدير حملة «التضامن مع العراق»، التي انطلقت عقب الحرب الخليجية الثانية على شكل حملة مناهضة للعقوبات التي فرضت على بغداد، عملت على إرسال فرق من عشرات الناشطين، يحملون للعراقيين المساعدات الطبية والغذائية، إلى جانب فرق مهمتها توثيق الجرائم الغربية بحق العراقيين، تم توثيق 30 منها بعد 2003.

قصة فارييا لم تبدأ مع بغداد، وإنما مع بيروت في العام 1982، حيث كانت «صدمته الأولى وحزنه الأكبر». كان في الخامسة والعشرين عندما أطلق «الحملة الإسبانية لمناهضة الاحتلال»، نصرةً «لبيروت التي كانت بالنسبة إليه «نموذجاً عن إمكانات العالم العربي»، حيث التقاليد والتاريخ والانفتاح.

ثم تطورت الحملة في العام 1985 لتصبح «اللجنة الاسبانية للتضامن مع القضية العربية»، التي انضمّ إليها الأسباني بيدرو روخوبيريث، وهو مترجم يتقن اللغة العربية، في العام 1995، من بوابة مجلة «الوطن العربي» التي كان يديرها فارييا.

روخوبيريث، الذي يقيم في عمان، لم يواجه أي عقبات في عمله. فالاسبان في المجمل قريبون من العرب، ولا علاقة للأندلس بالأمر. هو شعور فطري. كما أن الحكومات المتعاقبة سهّلت عملهم، بما في ذلك حكومة خوسيه ماريا أثنار اليمينية، التي كانت تتوق للعودة إلى العراق وأسواق نفطه، في حين أن الحكومة الحالية، كما كل سابقاتها، «تستفيد من علاقاتنا مع العراقيين».

قد لا يكون مستغرباً لروخوبيريث، الذي درس اللغة العربية والإسلام، والذي يقيم في عمان ان يتعاطف مع العرب. ولكن ما الذي يجعل عالماً، «يدرّس العلوم الطبيعية في الجامعة» مثل فارييا أن يتعاطف مع العرب؟ يستهجن السؤال إذ «لا داعي لأن تكون عالماً أو غير عالم، لكي تتمتع بالحس العام والعدالة».