خبر تفادياً لحالات « الوفاة المفاجئة » .. دعي رضيعك ينام على ظهره

الساعة 08:11 ص|18 يناير 2010

فلسطين اليوم : غزة

حصلت حالات عديدة لفظ فيها أطفال رُضَّع (في سن أقل من 6 شهور، وعلى الأكثر أقل من 4 أشهر) أنفاسهم الأخيرة، أثناء النوم، من دون سبب معقول. تبين، من خلال الملاحظة، وأيضاً دراسات متعددة، أن تنويمهم على البطن مردّ معظم تلك الفواجع.

لم يجد الأطباء والعلماء تفسيراً منطقياً دامغاً لحقيقة أن الطفل الرضيع، في سن 6 شهور فمادون (وعلى الأكثر أقل من 4 أشهر)، يواجه خطر ما يسمى «متلازمة الموت المفاجئ» في حال ترْكه ينام على بطنه، فاكتفوا بتفسير محتمل: إنه، في تلك الحال، يستنشق زفيره نفسه، المشبع بغاز ثاني أكسيد الكربون، ما يؤدي إلى اختناقه، ثم وفاته.

فقبل ذلك، ولعقود، كان أطباء كثيرون ينصحون بتنويم الرضيع على بطنه، متذرعين بأن التنويم على البطن يعين على تفادي «صعود» غذاء الطفل (بعبارة أخرى الحليب) نحو القصبات الهوائية، ما قد يؤدي إلى مضاعفات رئوية وتنفسية خطيرة. في الواقع، حتى وإن حصلت مثل تلك المضاعفات، على ندرتها النادرة، فإنها تظل أهون من فاجعة «الوفاة المفاجئة»، التي أثبتت الدراسات، بما لا يقبل الشك، أن النوم على البطن أول مسؤول عنها.

الخاصرة أيضاً

فقد لوحظ أن تلك الحالات، النادرة لحسن الحظ، أصابت، في جل الأوقات، رضعاً امتثلت أمهاتهم لتلك النصيحة المغلوطة. والمحير: لم يكن هؤلاء الرضع يعانون أي مرض أو وهن، إنما كانوا في أتمِّ صحة وعافية. هكذا، انتبه المتخصصون، ومعهم الآباء والأمهات، إلى حقيقة مرة: حالات «الموت المفاجئ» تلك، الغامضة وغير المفسرة، تنجم كثيراً عن تنويم الطفل على بطنه. وهذه حقيقة أكدتها الدراسات كافة، التي أجريت في بلدان مختلفة، منها فرنسا. في هذا الشأن ، يؤكد البروفيسور بيرنار لوشوڤالييه: «مع الأسف، لم ينتبه بعض المتخصصين في طب الأطفال إلى خطئهم السابق سوى بعد العديد من المآسي». ويستطرد لوشوڤالييه، وهو رئيس قسم طوارئ الأطفال في المدينة الطبية «شارل نيكول» (في مدينة روان، في مقاطعة نورماندي، شمال غرب فرنسا)، بالقول إن «أطباء الأطفال المتهورين، الذين نصحوا الأمهات لسنوات بتنويم رُضَّعهن على بطونهم، يتحملون مسؤولية كبرى في تلك المآسي العائلية، التي أغرقت العديد من الأسر في بحر الحزن والغم، فما أفجع أن تصحو أم صباحاً، فتجد فلذة كبدها، البشوش السليم المعافى، وقد فارق هذه الحياة، والأنكى من دون سبب ظاهر». يضيف أن «مستشفى «شارل نيكول» خصص خلية دعم نفسي لذوي الأسر المفجوعة، والأمهات الثكالى، بينما كان من الأسهل التحقق لإيجاد سبب تلك الوفيات».

والسبب، مثلما أكدته الدراسات بالإجماع، يتمثل في تنويم الرضيع على البطن، وهو شيء مخالف للطبيعة أصلاً. فمن الطبيعي للإنسان عموماً، والطفل خصوصاً، أن ينام على الظهر. لذا، عُدَّت تلك النصيحة المسمومة، التي التزم بها أطباء أطفال كثيرون طوال عقود، مجرد «بدعة» وتنظير خاطئ، لا يقوم على أساس صحيح. وشملت النصيحة الخاطئة أيضاً تنويم الطفل على إحدى خاصرتيه. وهذه أيضاً، كتنويمه على بطنه، وضعية غير سليمة بتاتاً لنوم الطفل. وأدت، مثل سابقتها، إلى كوارث. والسبب ليس في كون الوضعية، في حد ذاتها، خطيرة. لكن، لا يندر للرضيع المنوم بتلك الطريقة أن ينقلب على بطنه أثناء النوم. وهنا، يمكن أن تحل مأساة. طبعاً، هذا لا يعني أن كل رضيع نوِّم على بطنه تعرض لتلك «الوفاة المفاجئة»، ولحسن الحظ. إذ لا يندر أن تعمد أمهات غير واعيات بحقيقة الأمر إلى تنويم أطفالهن على ذلك النحو، من دون أن يحصل أي مكروه. لكن، وهذا ما ثبت من خلال الدراسات، فإن الأطفال الرضع المنومين على بطونهم مرشحون أكثر من غيرهم لذلك النوع من الوفاة المفجعة، غير المفسرة. وهذه لا تحصل في كل مرة ينام فيها رضيع على بطنه، إنما ثمة احتمال واحد من عشرة آلاف. لكن، حتى هذه النسبة، الواحد من عشرة آلاف، عالية، وينبغي تجنب حلول ذلك الاحتمال الضئيل تجنباً كاملاً.

مساحيق لتسميك الحليب

لذلك، بعد انتباه المتخصصين إلى ذلك الخطأ الفادح، بالأحرى الخطأين الفادحين (تنويم الرضيع على بطنه أو إحدى خاصرتيه)، نظمت وزارات الصحة في معظم الدول حملات توعية، تحذر الأمهات من مغبة تنويم الرضع على البطن أو إحدى الخاصرتين. وأكثرت وسائل الإعلام الحديث عن تلك المشكلة. وجاءت النتائج مذهلة، إذ قلت الوفيات المفاجئة بنسبة 70 في المئة، بشكل عام، وأحياناً أكثر، بحسب البلدان (في فرنسا، بنسبة 87 في المئة، وفي بلجيكا 92 في المئة، وبريطانيا 86 في المئة، وما إلى ذلك). إلا أنه، على الرغم من حملات التوعية المكثفة تلك، ظلت بعض الأمهات غير مدركات خطورة تنويم الطفل على البطن أو إحدى الخاصرتين، وعلاقة تلك الوضعيات بحالات الوفاة المفاجئة أثناء النوم. وهذا ما يفسر أن هذه المآسي لاتزال تحصل أحياناً، ليومنا هذا، على الرغم من اضمحلالها بنسبة كبيرة. لكن، من الأحرى التذكير والتكرار، فذلك إن لم ينفع، فلا يضر.

وفي معظم البلدان الأوروبية، ينادي المتخصصون في طب الأطفال بضرورة إعلام كل أم نفساء (ولدت لتوها)، بشكل واضح وصريح بأهمية الموضوع، والإعادة والتكرار، حتى وإن أبدت الأم تفهماً منذ المرة الأولى. ويطالبون بتعويد الممرضات في عيادات التوليد، والمربيات في دور الحضانة على الحرص على أن يكون كل وليد جديد، وكل رضيع، نائماً على ظهره، دوماً ومن دون أي استثناء. وينصح المتخصصون أيضاً بتعليق ملصقات على جدران تلك العيادات ودور الحضانة، لتذكير المعنيات (من أمهات وممرضات ومربيات) بأهمية الأمر، وضرورة حمله محمل الجد، لأنه قد يشكل مسألة حياة أو موت، والأهم حياة أو موت أطفال في أقل من عمر الزهور.

كما يشدد المتخصصون على أن الرُّضَّع المعرضين لاحتمال ارتداد الغذاء (الحليب) نحو الأعلى، مع ما يمثله ذلك من احتمال إصابة الممرات التنفسية، هم أيضاً يجب تنويمهم على الظهور، وليس إطلاقاً على البطن أو إحدى الخاصرتين. وهذا ما أثبتته دراسات عديدة، تبين من خلالها أن الخطر، في التنويم على الظهر، أقل بكثير في الأحوال كلها من التنويم على البطن، حتى في ما يخص تلك الفئة من الأطفال الرضع. وفي صدد هؤلاء، بات المتخصصون ينصحون، بدلاً من التنويم على البطن كحل، اعتماد حل آخر: «تثخين» الحليب (جعله أكثر كثافة وسمكاً) من خلال إضافة مسحوق خاص، يباع في الصيدليات لتلك الغاية.

نصائح أُخرى

إلى ذلك، ثمة نصائح أخرى، يشير إليها المتخصصون، لتفادي حالات «الوفاة المفاجئة» للطفل الرضيع. وأهمها:

• عدم التدخين بتاتاً قرب الرضيع، وعدم تعريضه لجو مغلق مشبع بدخان السجائر. فهنا أيضاً، مثلما أثبتت الدراسات، يشكل تنشق الرضيع دخان التبغ أحد العوامل المؤدية إلى موته المفاجىء، طبعاً لاسيما إذا اقترن مع نوم الطفل على البطن.

• حاولي، قدر الإمكان، الإبقاء على درجة حرارة غرفة الرضيع في حدود 18 درجة مئوية، ليس أكثر. فما أكثر الأمهات ممن يعتقدن أن من الأفضل رفع درجة حرارة الحجرة إلى 25 مئوية، وأحياناً أكثر. في الواقع، مثلما يشدد عليه المتخصصون، تظل درجة حرارة 18 مئوية الأنسب، ودرجات الحرارة المرتفعة أحد العوامل المساعدة لـ«الوفاة المفاجئة».

• تجنبي تغطية الطفل أكثر من اللزوم. في هذا الباب، أظهرت دراسة لجامعة دبلن، في أيرلندا، أن 68 من الأطفال الرضع ينامون تحت ثقل أغطية زائدة على اللزوم. وهذه أيضاً من العوامل التي قد تساعد على حالات «الموت المفاجئ».

• في فراش الرضيع، لا تستخدمي وسادات وفُرشاً ناعمة، أو رخوة. على العكس، من الأفضل كثيراً أن تكون متوسطة الصلادة. وذلك أفضل لظهره أيضاً، وليس فقط لتفادي «الوفاة المفاجئة».

بطبيعة الحال، اتّباع النصائح أعلاه لن يعني شيئاً في غياب اتخاذ الاحتياط الحاسم: عدم تنويم الطفل على بطنه أو إحدى خاصرتيه بتاتاً، حتى وإن كان من المعرضين لارتداد الغذاء نحو أعلى.

وأخيراً، ينبغي أن يعي الجميع حقيقة إحصائية بالغة الأهمية: النوم مع طفل رضيع، سواء على السرير أم الصوفا، يرفع احتمال وفاته المفاجئة بمقدار 50 ضعفاً. أجل، 50 ضعفاً، مثلما تشير إليه دراسات متعددة. فاحتمال أن يغفو الشخص البالغ (الأب أو الأم أو أيٍّ كان من الأقارب) مرتفع للغاية. واحتمال أن ينقلب أثناء غفوته، من دون شعور، على الرضيع، فيخنقه بثقله، احتمال وارد أيضاً.

ولم يندر أن حصلت مآسٍ من هذا النوع: يريد البالغ تهدئة رضيع يبكي من دون سبب معروف، فيختار الحل الأسهل بأن يحمله بين ذراعيه، ويذهب به إلى غرفة نومه، أو صالون البيت. وهناك، ينتابه الملل، فيقرر أن يتمدد قليلاً، مع الاحتفاظ بالرضيع لكي لا يعاود هذا البكاء مجدداً. يتمدد البالغ فعلاً، فتنتابه حالة نعاس لا يقاوم، فيغفو ولو لدقائق معدودات. وحين يصحو، يكون الأوان قد فات، والكارثة حلت: أثناء غفوته، «مَرَد» الطفل بثقله، فخنقه وقضى على حياته. لذا، يجب إطلاقاً عدم التمدد على سرير أو صوفا، أو فراش على الأرض، وطفل رضيع بين ذراعيك، سواء أكان طفلك أم طفل أختك، أم أي طفل كان.