خبر زيت الزيتون .. للوقاية من سرطان القولون

الساعة 08:08 ص|18 يناير 2010

فلسطين اليوم : غزة

تشير الإحصاءات إلى أن سرطان القولون والمستقيم، في بلدان الغرب عموماً، يشكل 15 في المئة من مجموع حالات السرطان هناك. وتبين من دراسات حديثة أن زيت الزيتون أفضل وقاية ضده. في المقابل، يبدو أن دوره الوقائي ضد أمراض القلب والشرايين أقل أهمية مما يُشاع.

تُعتبر نسبة 15 في المئة التي تشكلها حالات سرطان القولون والمستقيم، من مجموع حالات السرطان، نسبة عالية. إذ يعني ذلك أن بقية أنواع السرطان كلها، وما أكثرها، تؤلف 85 في المئة من حالات السرطان. وهذه الأرقام تنطبق على أوروبا وأميركا الشمالية، حيث سعت جهات ومؤسسات علمية وجامعية عديدة، منذ عقود، إلى معرفة الأسباب. لكن لم تتوصل إلى نتائج مقنعة.

على الرغم من ذلك، لاحظت تلك الدراسات وقائع ملموسة، تخص العادات الغذائية: سكان حوض البحر الأبيض المتوسط، بمن فيهم رعايا البلدان أو الأقاليم الأوروبية المطلة عليه، أقل تعرضاً لذلك النوع من السرطان بنسب تصل إلى 90 في المئة. وذلك يشمل حتى أبناء البلد الواحد. مثلاً، سكان جنوب فرنسا أقل تعرضاً لسرطان القولون والمستقيم بكثير من سكان شمالها (بنسبة 87 في المئة). وطبعاً، وهذا معروف من عقود، هم أيضاً أقل إصابة بكثير بأمراض القلب والشرايين.

دراسة لأكثر من 25 عاماً

وجد الباحثون أن العامل المشترك يتمثل في طبيعة الغذاء، لاسيما زيت الزيتون، الذي يُكثر من تناوله سكان البحر الأبيض المتوسط. كما استنتجوا أن السبيل الوحيد للوقاية من سرطان القولون والمستقيم ينصب على حمية غذائية، تخفض استهلاك اللحوم مع الإكثار من تناول الأغذية التي تحتوي على نسبة عالية من الألياف، ومنها الخبز بأنواعه (لاسيما بالدقيق الكامل، أي مع النخالة وغير مغربل، ما يُبقي على كمية أكبر من الألياف)، والمكسرات (خصوصاً الجوز واللوز)، وطبعاً الفواكه (لاسيما التفاح والمشمش والبرقوق) والخضار (خصوصاً الخس)، والبقليات (لاسيما الفاصولياء بأنواعها، والعدس والحمص). وينصح المتخصصون بخفض استهلاك اللحوم، وحتى إلغائها إن كان ذلك ممكناً، مع تناول الأسماك بشكل معتدل، مرة أو مرتين في الأسبوع. إلى ذلك، يشكل زيت الزيتون (الحقيقي، لا المغشوش) أحد أهم مضادات تكوّن سرطان القولون والمستقيم. وهذه حقيقة يؤكد المتخصصون أنها مؤكدة في صدد سرطان القولون والمستقيم، بعكس الجدل القائم في شأن فضائل زيت الزيتون ضد أمراض القلب والشرايين.

 

ففي ما يخص أمراض القلب والشرايين، ساد عقوداً ظنٌّ مفاده أن تناول زيت الزيتون يخفض الإصابة بها. لكن، قام بروفيسور فرنسي، يدعى جان ميشيل رولان، بدراسة جادة، مع طلابه، وبالتعاون مع جامعة بوردو والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي. استمرت الدراسة أكثر من 25 عاماً، بين سنوات 1970 وبداية القرن الحالي. إذ أراد البروفيسور رولان، المتخصص في أمراض القلب، أن يعرف حق المعرفة لماذا يصاب سكان شمال بلاده بأمراض القلب والشرايين، أكثر بكثير من مواطنيهم في جنوبها، والسعي إلى إيجاد إجابة مقنعة عن تساؤل قديم: هل يعود الفضل إلى استخدام زيت الزيتون، أم لا؟

حمية البحر الأبيض المتوسط

فجاءت استنتاجات الدراسة مغايرة نوعاً ما لِـمَا كان متوقعاً: زيت الزيتون له فضائل كبيرة وكثيرة، وهذا شيء ثابت مسبقاً، وأكدته الدراسة، التي برهنت على أنه يعين على تفادي الكثير من الأمراض. لكنه ليس المسؤول عن خفض أمراض القلب والشرايين في جنوب فرنسا. فسبب هذه، مثلما تبيَّن من الدراسة، هو أن سكان شمال فرنسا، على عكس أهل الجنوب، يُفرطون في تناول الألبان ومشتقات الحليب، لاسيّما الزبدة والقشطة وأنواع الأجبان الدسمة، وكلها عوامل محفزة لأمراض القلب إذا تم تناولها بإسراف (وهذا ما لا ينطبق على اللبن الرائب، لاسيّما خالي الدسم). بعبارة أخرى: تكمن العلة في تناول مشتقات الحليب بشكل زائد على اللزوم، وما لزيت الزيتون علاقة بالأمر، مع أن له فضائله الغذائية في المجالات الأخرى.

على الرغم من تلك الاستنتاجات، لايزال شائعاً في أوروبا، وبلدان عديدة أخرى، أن زيت الزيتون يقي أمراض القلب والشرايين. ولو صحت استنتاجات البروفيسور رولان، فهذا اعتقاد خاطئ. لكن، ينبغي التذكير بأن الدراسة نفسها أكدت فضائل زيت الزيتون على الصحة في جوانب أخرى عديدة، غير أمراض القلب والشرايين. في أي حال، ثمة أفكار شائعة لا تزعزعها أي دراسة. لذا، من أكثر «الموضات» الغذائية شيوعاً في أوروبا، منذ سنوات، هناك ما يسمى «حمية البحر الأبيض المتوسط»، التي لا يكاد يمر يوم من دون أن يُجرى الحديث عنها في وسائل الإعلام والمطبوعات المتخصصة.

لعقود، سُميت تلك الحمية أيضاً، على خطأ، «حمية كريت» (نسبة إلى جزيرة كريت الإغريقية). فهي ليست «حمية»، إنما نظام غذائي يومي اعتيادي، لا يفرضه صاحبه على نفسه فرضاً، إنما يتّبعه بعفوية، وتمليه بيئته الجغرافية. كما أنها ليست حكراً على جزيرة كريت، بل تشمل معظم الأمصار المطلة على البحر الأبيض المتوسط. ومرد ربط ذلك النظام الغذائي بجزيرة كريت: انتبه العلماء، في ستينات القرن الماضي، إلى أن سكان كريت أقل سكان أوروبا إصابة بأمراض القلب والشرايين. فاستنتجوا أن غذاءهم، ربما، هو السبب في اضمحلال نسبة إصابتهم بتلك الأمراض. هكذا، غالباً ما ينصح المتخصصون في القلب باتّباع ما يدعونه «حمية كريت»، أو «حمية البحر الأبيض المتوسط» الغذائية.

تعجيل الهضم وإبطاؤه

في الواقع، يأكل سكان البحر الأبيض المتوسط ما ينتجونه، وما هو متوافر عندهم: الفواكه والخضار والخبز والمكسرات، وبشكل خاص زيت الزيتون الحقيقي، المعصور على البارد من دون أي وسائل صناعية حديثة، الذي يستخدمونه في كل شيء، وبكثرة. وبما أن العديد من جزر البحر الأبيض المتوسط تفتقر إلى مَراعٍ، بالتالي إلى مَواشٍ وأغنام وأبقار (ومنها كريت، وجزر «سيكلاديس» اليونانية عموماً)، يعدُّ خفض اللحوم هناك نتيجة طبيعية، لكونها مستوردة بحراً، بالتالي غالية. هكذا، أصبح الزهد في استهلاك اللحوم، هناك، تقليداً غذائياً، له مسببات اقتصادية أكثر منها «حميوية». في المقابل، الأسماك متوافرة عندهم، ورخيصة. لذا، لا يحرم سكان تلك الجزر أنفسهم منها. ومع ذلك، في ما يخص أهل كريت مثلاً، يحرص معظمهم على عدم تناول الأسماك أكثر من مرتين أو ثلاث في الأسبوع. وهنا أيضاً، يلعب العامل الاقتصادي دوراً مهماً: فنسبة كبيرة من السكان صيادون، يفضلون بيع أسماكهم بدلاً من أكلها، بهدف كسب رزقهم.

يظل العامل الغذائي الأهم، والقاسم المشترك بين سكان البحر الأبيض المتوسط كلهم: تناول زيت الزيتون بانتظام. فإذا كانت الدراسات الأخيرة أثبتت فاعليته في مقاومة سرطان القولون والمستقيم، كانت دراسات عديدة أخرى برهنت على دوره الحميد في الوقاية من أمراض أخرى، على الرغم من أن بعض تلك الدراسات (كتلك التي أنجزها البروفيسور رولان) قللت من شأنه كمضاد لأمراض القلب والشرايين.

كما أعطت تلك الدراسات تفسيراً لكون طبيعة المواد الغذائية، حسب نوعيتها، تسهم إما في تعجيل الإصابة بسرطان القولون (كاللحوم والدهون)، وإما على العكس في الوقاية منه (كزيت الزيتون والأغذية المشار إليها). وآلية ذلك الدور تنصب على الآتي: يفرز الكبد عصارات هضمية، تنتشر في الأمعاء، بغية تسهيل الهضم. هكذا، تشكل المدة الزمنية لمرور الأغذية في الأمعاء عاملاً مهماً في بقاء تلك الأحماض، أو تلاشيها. فالألياف وزيت الزيتون تساعد على تعجيل مرور الأغذية، بينما تتباطأ العملية مع وجود اللحوم والدهون. وهذا التباطؤ يؤدي إلى إبقاء العصارات الهضمية مدة أطول، ما يؤدي إلى إتلاف أنسجة الأمعاء. وفي بعض الحالات، يتحول الإتلاف إلى أورام غير خبيثة، تتردى نسبة منها لكي تصبح خبيثة، مفضية إلى سرطان القولون والمستقيم.