خبر نعم.. نحن هنا، نقاوم.. وسنبقى..علي عقلة عرسان

الساعة 06:00 ص|18 يناير 2010

نعم.. نحن هنا، نقاوم.. وسنبقى..علي عقلة عرسان

 

ينعقد في بيروت مؤتمر شعبي لدعم المقاومة العربية ضد الاحتلال الصهيوني، والأميركي ـ البريطاني، لأقطار ومساحات جغرافية وأخرى بشرية من الوطن العربي، وللإرادة السياسية المستلَبَة بصورة تكاد تكون شاملة. ويأتي هذا الانعقاد في الوقت ذاته الذي تجيِّش فيه الولايات المتحدة الأميركية قوى أنظمة عربية وإسلامية، و"تستأجرها"، تحت غطاء تحالفات واتفاقيات، لمحاربة ما تسميه "الإرهاب"، من أجل القضاء على المقاومة العربية والإسلامية، وتفتيت الأمتين، وتصفية القضايا التي قامت من أجلها المقاومة، وشل إرادة الشعب العربي وتمزيق صفوفه، وإحكام التدخل في الشؤون الداخلية لبعض البلدان.. وتساهم تلك الإمبراطورية، المترعة بالعداء للعروبة والإسلام، على الرغم من نوايا الرئيس أوباما، تساهم مع الكيان الصهيوني والمتحالفين معهما من عرب ومسلمين.. في حشد طاقات وإمكانيات كبيرة لخنق المقاومة ولا سيما في غزة، والقضاء على مقاومتها وصمودها، ومحاصرة المقاومة أينما وجدت، في فلسطين ولبنان والعراق.. إلخ، وملاحقة كل من يفكر بالخروج على إرادة المحتل والقوى العمياء التي تسانده. وما يجري في غزة ويدبر لها مثال صارخ على خنق المقاومة ومحاولات قتل الإرادة الشعبية، وما يجري في العراق وغيره يكمل الصورة بما لا يبقى لانعدام الرؤية ووضوح استهداف المقاومة والإرادة الشعبية للأمة العربية مكاناً.

فكيف يمكن والحال هذا.. دعم المقاومة في محيط رسمي لا يحتضنها، بل يحاصرها ويعاديها ويتآمر عليها ويقاتلها في بعض المواقع.. ومحيط شعبي يُعزل عنها؟، ومن أين يأتي البديل لتحقيق الأهداف التي تتبناها المقاومة في بلدان تحارب أنظمتُها شرائحَ واسعة من أبنائها، وترهن إرادتها وقرارها لقوى تناصر عدوها، وتتعاون مع المحتل بما يعزز احتلاله، وتقبل هيمنة صهيوـ أميركية وتدخلاً مكشوفاً في شؤونها الداخلية، وتخوض حروباً بالوكالة، رغم إرادة شعبها وضد مصالحه التي لم تعد تراها مصالح الوطن من وجهة نظرها، لأن مصالحها الخاصة تماهت مع المصالح الوطنية والقومية وطغت عليها وقررتها وفق رؤاها.. وهي تقوم بكل ذلك إخفاء للعجز المزمن، ورغبة في البقاء في الحكم.. وفي مقابل دولارات واستثمارات، وبقاء على رقاب الناس؟!

ما من شك في أن هذا التناقض الفاضح الذي تقدمه خريطة الوضع العربي الراهن يتبدَّى بجلاء أمام المجتمعين في بيروت من أجل دعم المقاومة، كما يتبدَّى بصورة أوضح وأشمل وأدق أمام المقاومة التي ترفض الاستكانة، وتسعى إلى مزيد من الصمود والإعداد والاستعداد للدفاع عن نفسها، وتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها. أما الأنظمة التي اختارت خيارات مغايرة فليست على استعداد لرؤية إلا ما يريها إياه من أصبح بصرها وبصيرتها ومرجعها وملاذها. 

والسؤال الأهم أمام المقاومة ومن يدعمها ويحرص على بقائها وفعاليتها، هو: كيف تبقى قوية وتنتشر في ظل الحصار والملاحقة، من دون أن تفقد رصيدها الشعبي.. وكيف تحد من قوة تحالف الأنظمة مع المحتل ضدها، ومن أبعاد ذلك التحالف ومخاطره عليها، لكي تنمو نمواً طبيعياً في بيئتها؟.. أي كيف ندعم المقاومة ونرسِّخها على الأرض وفي الوجدان الجمعي للشعب، وكيف نعزز الاستقرار والثقة اللذين تتذرع بهما الأنظمة في آن معاً لمعاداتها؟، وكيف نقنع الأنظمة التي دخلت تحت العباءة الصهيو ـ أميركية بأنها تقامر بمستقبلها ومستقبل الوطن حين تعادي من يرفع رايته ويضحي من أجل سيادته واستقلاله وحقوقه ومصالحه ومصيره المرتبط بمصير أمته، وأنه من الأسلم لها أن تكون مع شعبها وقواه الحية وقضاياه، في أطر وطنية وقومية مدروسة جيداً، ومع قوة تحمي الاستقلال وتفرض الهيبة وتستعيد الحق.. لأن هذا، بتقديري، من أهم مداخل تعزيز مواقع المقاومة على المدى البعيد، وإيصال الدعم إليها على المدى القريب، وجعلها من ثم خياراً شعبياً راسخاً، وقوة وطنية وقومية لا جدال حولها.؟!

ولا أشك في أن الاختراقات المطلوب تحقيقها في مجالات رؤية بعض الأنظمة العربية التي أعطت ظهرها للمقاومة وللقضايا المصيرية للأمة، وفي جوهر خياراتها واستراتيجياتها، تحتاج إلى البعد الفكري والثقافي الذي يجسده بقوة توافق مبادئي بين مثقفين مناضلين يشكلون جبهة قومية متينة، ويرتفعون فوق الانتماء القطري والرؤى الضيقة والمواقف الآنية، وخلافات الأنظمة والحكام ليحققون أهدافهم بالحوار والاستقطاب الجماهيري وسد الذرائع أمام مفتعليها، وكشف التواطؤ بجرأة وشجاعة.. ووحدة كلمة أهل الرأي وموقفهم. وهذا يحتاج إلى ثقة متبادلة واعتماد متبادل، وإلى إتباع سبل متعددة في التواصل والتوصيل تكون فاعلة وقادرة على إحداث التغيير المرجو، وإلى صبر ومثابرة.. وعمل وفق خطط وبرامج لا يعتريها الغموض، ولا تتضارب وتتآكل من الداخل بفعل عناصر محسوبة على الثقافة الوطنية والقومية وهي أقرب إلى قوارض الأفكار والمبادئ والقيم والمواقف، لأن ما يهمها هو أن تأكل حتى لو أدى ذلك إلى التخرب والتدمير.. وهي لا تعرف ولا تلتزم، أو أنها لا يمكن أن تعرف أو لا تريد.. أما لماذا تفعل ذلك، لأنها اعتادت على أن تفعل ما يصُور لها على أنه نضال وأنه دور " طليعي" يليق بها، وأنه دورها الأمثل وغريزتها الأقوى، وعلى أن تنفذ.. ولذا تقوم بذلك تلقائياً وبما يشبه الشرط "البافلوفي". 

سوف تصدر عن مؤتمر دعم المقاومة في بيروت بيانات وتوصيات وربما قرارات، كما صدر ويصدر في العادة عن مثل هذه المؤتمرات، هو أمر مفيد وضروري، وله مكان ودور في ساحات العمل.. ويساهم في إيصال الصوت.. وسوف يُصدر كل من يناصر المقاومة الكثير من التصريحات والصيحات، ويلقى الكلمات النارية، وقد يتعذب ويتعرض للإهانات من أجل إيصال الصوت وبعض المساعدات المادية.. وكل ذلك فعل مقدَّر ويشكر عليه بحرارة كل من يقوم به.. ولكن المقاومة تحتاج إلى ما هو أكثر وأكبر وأعمق وأبعد من ذلك بكثير، وها نحن نراها أمامنا في مواقع الحصار والمكابدة.. وفي مقدمة ما تحتاج إليه: القوة بكل أسبابها ومقوماتها، والشعب الذي يحتضنها وتجتمع كلمته على تأييدها ـ أو إلى شرائح كبرى منه على الأقل تلتف حولها وحول خيارها التفاف السوار على المعصم ـ  لكي تصبح خياره الرئيس، ويساعدها على فتح أأبواب التحرك والعمل.. كما أنها تحتاج إلى أن يتماسك الوطن والأمة حول كونها مدخله إلى تحقيق أهداف مشروعة في مقدمتها الدفاع عن النفس والقضايا المصيرية، والحقوق والمصالح والمقدسات.. في وقت لا تستطيع فيه الجيوش المواجهة لأسباب موضوعية وأخرى خفية.

إن الوضع العربي الراهن لا ينحو هذا المنحى، فكثير من الأنظمة العربية، إن لم يكن الأنظمة العربية كلها، أعطت ظهرها للمقاومة المسلحة وحتى لغير المسلحة، وللالتزام بقضايا عربية مصيرية على رأسها قضية فلسطين.. ومعظم الأنظمة، إن لم يكن كلها، " دجَّنت" معظم فئات الشعب فيها، وأفسدت المناخ الوطني والقومي، ومناخ الحرية الذي "بكل يد مضرَّجة يدقّ"، كما أفسدت المعايير والقيم حتى نخر الفساد النفوس وأفسد العقول والضمائر والخيارات، وجعلت الشخص يقدم المصالح الفردية على الجمعية، ويرفع القطرية الضيقة فوق المصالح والقضايا المصيرية والقومية ـ وعلى رأسها قضية فلسطين ـ وضخََّّمت لدى كثيرين، بوسائل شتى ولذرائع متنوعة، الأنا "القطري القزم" على حساب الأنا "القومي العملاق"، وحاسبت، وهي على استعداد لأن تحاسب بقسوة، من يخرج على هذا الذي أصبح عرفاً وتقليداً وقاعدة وقانوناً، يَحكم العقلَ والوجدان عند كثير من الناس، ويحاكِم من يخرج عليه منهم إلى أفق أوسع وأسمى وأسلم وأقوم، يُحاكَم بموجب نصوص وقيم ومعايير مخالفة لكل الاعتبارات والمعايير والقيم والنصوص العربية والإسلامية، التي أسهمت في صنع تاريخ الأمة ومجدها.       

ومن الأهمية بمكان أن يتوجه جهد فكري وثقافي وإبداعي عربي نوعي، نحو استعادة الوعي والشخصية القومية والهوية والانتماء والالتزام بالقيم والمعايير القومية، وبالقضايا المصيرية والمصالح العليا للأمة.. لأن في ذلك مصلحة الأفراد والمجتمع والأقطار والأنظمة ضمناً، وفيه حماية للأمة وحقوقها ومصالحها وكرامة مواطنيها وهويتها وشخصيتها الحضارية.

أدركُ كم هذا صعب في هذه الظروف، وفي ظل " تثقيف قطري رسمي وغير رسمي، ضيق الأفق إلى درجة "المقت"، لا يعطي حتى للغة العربية، لغة الأمة، وعماد الهوية، وأداة التفكير ووسيلة التعبير.. قيمةً وأهمية تذكر، حيال ما تلاقيه من إهمال وبرامج استبدال، وتحديات كبرى تواجهها يوميا وتفرض عليها الانكفاء في بعض المواقعً.. وفي ظل أعلام يساهم ـ عن وعي منه وتقصّد، أو عن غير وعي وغير تقصّد ـ في التمزيق والتفريق والتقزيم، وإضفاء صفات الجمال على القبيح، والجودة على السوء، ويجر الناس إلى متاهات.. مصدرها الجهل المتباهي بغرور، وقصر النظر المتعالي في " قدرته على الاستشراف"، وضيق الأفق الذي لا يرى مدارات أعلى من الذات المتورمة، وتصفية الحسابات مع الحقائق وأهلها.. وفرق " المتعيِّشَة" هنا وهناك.. على حساب المعرفة والحقيقة والوجدان والأمة.

ولكن على الرغم من هذا الذي يجْبَه التفاؤل والأمل ويمد في فضاء النفوس سجفاً من الهم والغم ثقالاً.. علينا أن نعمل ونتفاءل.. علينا أن نسبح في الماء الذي ألقينا فيه وإلا غرقنا، وعلينا أن نتحرك بالمقدار الذي يُبقي علينا قادرين على الارتباط بمعاني الحياة ودلالاتها، وعلى تعزيز حضورها وفعاليتها فينا وحضورنا وفعاليتنا فيها.. وأن نعطي الإشارة تلو الإشارة على أننا هنا، نقاوم.. وسنبقى ما بقيت حياة على وجه الأرض.

.. نعم علينا أن نتحرك حتى لا نصاب بإحباط يفضي إلى اليأس، وبيأس يفضي إلى الموت.

والله من وراء القصد