خبر عضو بريطاني: مشهد غزة يُبصِره الأعمى

الساعة 03:13 م|17 يناير 2010

فلسطين اليوم: اسلام ان لاين

غزة- هذا بيت كان شامخا بطوابقه الأربـعة، لقـد صار كومة من الركام، وتحت أنقاضه ماتت الكثير من الأمنيات والأحـلام.. إنه صوت رجـل يبكي صغيرته: بـعد غـدٍ كان سيحتفل بشمعة ميلادها الأولى.

حـروف الوصف هذه لم يكن يحتاجها اللورد الكفيف "كولن لو" العضـو في مجلس اللوردات البريطاني، فمع كل خطـوةٍ في شـوارع غـزة كان اللورد الكفيف يصطدم بطرقاتٍ تداخلت حجارتها وتكومت.

وفي أكثـر من مرة كاد اللورد يسقـط أرضا، لا لأن ذاكرته لا تحفظ خارطة أزقة المدينة، بل لأن الخراب الهائل والدمار كان صادما لكل العيون حتى المفتوحة على آخرها.

"كفـى تعاميا"

اللورد "لو" جاء ضمن أكبـر وفد برلماني أوروبي في زيارة لغـزة لتفقد أحـوالها بعد عامٍ من حرب إسرائيلية شرسة حرقت يابس الأرض وأخضرها، وخلفت أكثر من 1400 شهيد وخمسة آلاف جريح، وتركت جراحا غائرة لم تندمل آثارها بـعد، كانت محـط أنظار الجميع واهتمام أعين الكاميرات والأقـلام.

فاللورد الذي أخذ ينظـر ببصيرته إلى ما سحقته جرافات ودبابات الاحتلال، وينصت بألم لأمنيات الصغار المبتورة، أكـد أنه جاء للقطـاع لا ليرى كيف يعيش أهـله، بل ليقف معهم في محنتهم.

ومن على أنقاضٍ منازل ظن أهلها أن عاما على الحرب كاف للملمة دمـوعهم الحارقة، قال اللورد الكفيف بأعلى درجات حنقـه وغضبه: "أقول للمجتمع الدولي.. كفى تعاميا فالمشـهد يُبصـره الأعمى".

وهنـاك في شمال غـزة انفجرت عدسات الكاميرات بالبكاء حين صافح اللورد لو الطفـل "لؤي صبـح" (12 عاما)، والذي فقد بصره وانطفأت عيونه بعد أن باغتتها قذائف الفسفور الأبيض الحارق خلال العدوان الإسرائيلي البشع.

وفي صورةٍ دامعة أمسك اللورد الكفيف بأنامل لؤي بقـوة وقال: "أنا وأنت فقدنا البصر، لكننا لم نفقد البصيرة، سنعمل معا لننهي حصار غـزة".

الطفل لؤي من جانبه أكـد أنه سيحارب إسرائيل بعـلمه، وأنه سيبقى يرى ببصيرته وبنور الحقيقة جرائم الاحتـلال.

ضمير الإنسانية

وخـلال تفقـده آثار الحرب ومصافحته المشردين النائمين في الخيام، أكد اللورد لو أنه من العار عدم إنهاء الوضع المأساوي الذي يعيشـه سكان القطاع قائلا: "من غير المعقول أن يستمر هذا الوضع ولو ليوم واحد".

"جمـال الخضري" رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار أكـد في تصريح صحفي أن زيارة النائب البريطاني الكفيف كولن إلى غزة تظهر أن ضمير الإنسانية لم يمت.

وأشاد الخضري بالتغيير الذي يشهده الشارع الأوروبي في تضامنه مع غزة المحاصرة، وانتقال ذلك إلى البرلمانات والجهات الرسمية.

وقال: إن "لهذا الوفد أهمية خاصة؛ لأنه يضم شخصيات سياسية وازنة في البرلمانات الأوروبية تعهدت بنقل معاناة غزة لوزراء خارجيتهم ورؤساء بلادهم وسيطالبونهم بإنقاذ المدينة الجريحة".

ويرأس كولن لو جمعية المكفوفين في أوروبا ويعد من أبرز النشطاء المدافعين عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم.

وتعهد اللورد قبل مغادرته بأن تكون معاناة غـزة وألم صغارها خاصة من تسببت الحرب في إعاقتهم على سـلم أولويات عمله، مشددا على أن زيارته هذه لن تكون الأخيرة للقطاع.

عار عالمي

وكان الوفد البرلماني الأوروبي والذي ضم 56 نائبا قد غادر مساء السبت عبر معبر رفح البري بعد جولته في عدة مواقع استهدفها العدوان الإسرائيلي الأخير وقاموا بتفقد آثار الحرب التدميرية.

وفي لقائه مع رئيس الحكومة الفلسطينية بغزة "إسماعيل هنية " أكـد رئيس الوفد البرلماني الأوروبي "جيرالد كوفمان" أن ما رأته أعينهم يبعث على الألم والحزن وأضاف بألم: "غزة الآن محاطة بالعار العالمي".

وفي كـل زاوية وركن كان الوفد يتصفحه كان أعضاؤه يعبرون عن صدمتهم بحجم الكارثة، وأمام مقر المجلس التشريعي المدمر قالت عضوة البرلمان الألماني ألكساندرا شورت: "يؤسفني أن تصبح الديمقراطية كومةً من الحجارة بفعل الحرب".

وشدد الوفد الأوروبي الزائر على أنه لن يكتفِ بزيارته للاطلاع على الدمار، وأنه قد سجل الكثير منهم ملاحظته لبدء التحرك وتفعيل إعادة بناء وإعمار القطاع وأنهم "لم يأتوا لذرف الدموع فقط".

وقدّمت حكومة غـزة شرحا وافيا لأعضاء الوفد الأوروبي حول تأثير الحصار المفروض على غزة قبل الحرب وفي أعقابها، والعراقيل المفروضة من قبل إسرائيل على سكان قطاع.

ووصفت الحكومة في بيانٍ لها زيارة العشرات من النواب الأوروبيين إلى غزة بـ"السابقة في تاريخ حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني".