خبر جدار له دولة.. يديعوت

الساعة 09:34 ص|17 يناير 2010

بقلم: أليكس فيشمان

في يوم صافٍ، قليل الفعل، همس احيتوبل في اذن رئيس الوزراء: الشعب غير راض. يجب عمل شيء مع اللاجئين السود من افريقيا ممن يغمرون مدن الجنوب. رؤساء البلديات يركلون، وزير الداخلية يتذمر، يوجد حل – نعلن عن جدار ضد اللاجئين على الحدود المصرية. فهذا الشعب يحب الجدران. اعطه جدارا فتجده هادئا.

الجيش يدخل فورا في عملية التخطيط، يرسم الخرائط – وبين قوسين فقط نشير الى أنه في واقع الامر أخرج من المخزن بضع خرائط قديمة رسمت منذ زمن بعيد وغطاها الغبار – وعرض بفخار خطة كبرى: 1.4 مليار شيكل. رقم قوي. رئيس الوزراء يصادق فورا. مع شارة ثمن كهذه سيقتنع الشعب بان الامر هذه المرة جدي. في المرة السابقة التي جرى فيها الحديث عن جدار على الحدود المصرية قبل بضع سنوات، اتفق فقط على 200 مليون شيكل، انفقت على وسائل الكترونية وعلاوات في القوى البشرية والوسائل. هذا لم يقنع حقا: لا اللاجئين ولا الجمهور. الجدار يرى، اما الالكترونيات فلا ترى.

مشكلة صغيرة. عندما عرض الجيش الخطة، تبين أنه شد اللحاف في اتجاهه. اللاجئون من افريقيا لا يهمونه حقا،  إذن فقد رسم جدارا ينزل من قطاع غزة على طول 70كم وجدارا يبنى من ايلات شمالا على طول 30 – 40كم. ويدور الحديث عن جدار فصل وعائق مشابه لذاك الذي يبنى في الضفة. غير أن معظم اللاجئين لا يتسللون من هناك. فهم يأتون من وسط سيناء ويقطعون الطريق الى مركز النقب – وهناك بالذات لا يخطط لاقامة جدار.

حين سألوا رؤساء الجيش ماذا ينبغي لهذا أن يكون، فكر الجيش، فكر وفكر وفي النهاية اجاب: هذا ليس موضوعا جغرافيا – استراتيجيا. حين يقول جنرال ما لسياسي ما "جيو استراتيجي" بالنبرة الصحيحة ذات الصلاحية، فان المواطن يفهم بانه جدي ولا يقول ذلك على سبيل الجدال. ومع ذلك ما هو الجيو استراتيجي هنا؟ تجرأوا على السؤال. فاجاب الجيش: منطقة وسط النقب هي منطقة سهلية تطل على عمق سيناء. هناك لا حاجة الى جدار. يمكن الاكتفاء بالاجهزة الالكترونية وبالكمائن.

يتبين بان الجيش عرض جدارا أمنيا ليس ضد اللاجئين بل ضد المتسللين من قطاع غزة، الذين يمرون عبر ما يسمى "محور الحيط" (من غزة الى سيناء ومن سيناء الى الاراضي الاسرائيلية من شمالي سيناء). يحتمل جدا أن تكون حاجة الى بناء جدار امني هناك. ولكنكم لم تنهوا بعد جدارا امنيا واحدا في الضفة وهاكم تريدون ان تبنوا جدارا جديدا في الجنوب؟ على مدى ثمانين سنوات، من 2002، يبنون جدار فصل في الضفة، وفي هذه الاثناء قد يكونوا اكملوا ثلثين. انفقوا هناك حتى الان اكثر من 7 مليار شيكل، وعندما سيستكملونه، في موعد ما، سيكلف 3 – 4 مليار شيكل اخرى.

لم يكملوا الجدار اياه وها هم يقيمون مديريات للجدار القادم ويطالبون بميزانيات: 900 مليون شيكل للقسم الشمالي من الجدار، 500 مليون شيكل للقسم الجنوبي  فيه. من أجرى الحسابات على عجل رائع كهذا؟ من فحصها؟ وها هم يتحدثون منذ الان عن اضافات في القوى البشرية للمديرية الجديدة، عن مسؤولي مشاريع، البيروقراطية تغذي نفسها وتحقق الانجازات. الجدار ليس موجودا بعد وها هي توجد له حياة خاصة به. هذه ليست دولة لها جدران، بل جدران لها دولة تعيلها.

في وزارة الدفاع كانوا مقتنعين بان ها نشأت فرصة اخرى لاجراء جولة على ميزانية الدولة وطالبوا الا يكون بناء الجدار في الجنوب على حسابهم. ولكن وزارة المالية ليست إمعة. فقد سبق أن حصل لها غير مرة بان وزارة الدفاع باسم "الجيو استراتيجي" تغشها بحسابات المشاريع الكبرى. وعندها جاءت لتقول: تريدون جدارا امنيا؟ خذوا المال من ميزانية الدفاع. الامر الذي يضمن الا يكون جدار. وذلك الى أن يحل يوم آخر هزيل الفعل في ديوان رئيس الوزراء.