خبر السور الواقي المصري.. هآرتس

الساعة 09:30 ص|17 يناير 2010

بقلم: يورام نتال

(رئيس مركز هرتسوغ لبحوث الشرق الاوسط في جامعة بن غوريون)

في ذروة الازمة بين مصر وحماس نشر في "هآرتس" (8/1/2010)، كريكاتور ظهر فيه الرئيس المصري مبارك يسوق رافعة ضخمة تنزل الواح من الفولاذ في حدود قطاع غزة أمام عيون الفلسطينيين. ويبث وجه الرئيس شفقة وربما يعبر بذلك الرسم عن رضا الكثيرين في اسرائيل في ضوء الخط المتصلب الذي تتخذه مصر ضد حماس.

"العائق الفولاذي" الذي يقام في الجانب المصري من الحدود سيوجه ضربة قاضية للطريق السريع الذي تمثله الانفاق ويفاقم الازمة التي يعيشها نحو مليون ونصف من سكان القطاع. وسيمتد العائق على مدى 13.8 كيلومتر، من شاطىء البحر في الشمال وحتى كرم سالم في الجنوب، ويدفن في عمق متوسط بنحو 20 متر. وسيقوم العائق على اساس الواح فولاذية هائلة، تلصق بها جساسات تغطي تحركات وأصوات الأرض. الخوف الكبير من جانب المهربين هو أن يتم انزال أنابيب من المياه الى جانب الحائط بحيث تتدفق المياه الى داخل الأرض وتجعل الانفاق فخا للموت.

لا ريب أن سياسة مبارك تخدم السياسة الاسرائيلية التي ترى في حماس منظمة ارهابية يجب القضاء عليها بقوة الذراع، او على الاقل اتخاذ خطوات ضدها تشوش عليها تثبيت حكمها على مدى الزمن. إقامة العائق ورفض حكم مبارك فتح معبر رفح في الظروف القائمة يشكل تعبيرا مباشرا وملموسا عن معارضة مصر لقيام "دولة صغيرة" بسيطرة حماس في قطاع غزة، وعلى رؤيتها لعمل التهريب تهديدا على أمنها القومي. وتحظى هذه السياسة بانتقاد لاذع بمصر وخارجها. قادة النظام يتابعون بقلق سهام الانتقاد التي يطلقها نحوهم الناطقون بلسان المعارضة ممن يربطون احتجاجهم على السياسة المصرية تجاه حماس بكفاحهم لمنع نقل منصب الرئيس من حسني مبارك الى ابنه جمال.

والى جانب ذلك يستند الارتياح في اسرائيل للخطوات المصرية الاخيرة الى رؤية تبسيطية بموجبها قادة الدولتين يرون بانسجام الازمة في قطاع غزة وحلها. في  اسرائيل يتجاهلون حقيقة ان القيادة المصرية تنظر الى التطورات في قطاع غزة في السياق الشامل للازمة الاسرائيلية الفلسطينية. حكم مبارك ومعظم الجمهور المصري يعتقدون بأن اسرائيل تتحمل المسؤولية الكبيرة عن فشل مسيرة أوسلو، وأن سياستها ساهمت في تعزز حماس. القاهرة والقدس تعاديان حماس لاسباب مختلفة، ولا تنظران بانسجام الى الخطوات التي ينبغي اتخاذها الان لانهاء حكم المنظمة في قطاع غزة، واستئناف المسيرة السياسية.

دفن العائق الفولاذي واغلاق بوابات رفح ينسجمان مع مطالبة اسرائيل والولايات المتحدة مصر بالعمل على منع التهريب من اراضيها. ولكن يجب فحص هذه الخطوات اولا وقبل كل شيء كرد على سيناريوهي رهب يقلقان منذ سنين مضاجع اصحاب القرار في مصر. السيناريو الاول هو اجتياح مئات الاف الفلسطينيين الى سيناء كنتيجة لهجوم اسرائيلي او  ازمة انسانية في القطاع. والثاني يتعلق بخطط سياسية، معظمها في الغالب في اسرائيل، وبموجبها في التسوية الدائمة ستكون مصر مطالبة بأن تساهم بدورها من خلال تخصيص أراض في سيناء وضمها الى أراضي الدولة الفلسطينية. الخطوات التي تتخذها مصر مؤخرا ترمي الى أن تكون السور الواقي ضد هذين السيناريوهين.

الرسالة الى اسرائيل هي أن تغييرا جذريا للواقع في قطاع غزة لن يتحقق في معركة عسكرية اخرى وفي حصار دقيق، بل فقط في اطار حل سياسي يقوم على أساس اقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967. من هذه الناحية، فان العائق الفولاذي السميك، مهما كان عميقا او عاليا، ليس بديلا عن تسوية سياسية يشارك فيها كل الاطراف.