خبر مواليد القصف الحربي في غزة يحتفلون بميلادهم في الذكرى السنوية الأولى للعدوان

الساعة 09:21 ص|17 يناير 2010

ذهبت به إلى بيت عائلتها فلاحقها القصف هناك

والدة فلسطينية : تمنيت أن لا أضعه بعدما كان محميّاً في بطني

مواليد القصف الحربي في غزة يحتفلون بميلادهم في الذكرى السنوية الأولى للعدوان

كتب :عبد الغني الشامي

أطفأ الصغير الفلسطيني بدر، شمعته الأولى، محتفياً وعائلته بيوم ميلاده الذي كان قبل سنة، لكنه تزامن مع مناسبة فريدة بالنسبة لأطفال العالم، كونها وافقت الذكرى السنوية الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

 

لكنّ بدر يبقى واحداً من آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين أنجبتهم أمهاتهم ضمن ظروف مأساوية في قطاع غزة، خلال العدوان الذي استمرّ أكثر من ثلاثة أسابيع متواصلة. إذ لم تتمكن الأمهات الواقعات بين مطرقة القصف وسندان الحصار الخانق، من الوصول إلى المشافي، في ظل استهداف واحد من أعتى جيوش العالم كلّ شيء متحرك على الأرض آنذاك، ما جعل تلك الأيام تُحفر في أعماق الذاكرة الجمعية لآلاف الأسر الفلسطينية المعنية.

 

وجاء احتفال بدر وعائلته بإتمامه السنة الأولى محفوفاً بأجواء خاصة، لاسيما وأنّ الأسرة استذكرت ذلك اليوم، الثاني عشر من كانون الثاني (يناير) 2009، في الوقت الذي كانت آلة الحرب الإسرائيلية تسحق فيه المزيد من الفلسطينيين كباراً وصغاراً. ولم يذق ذوي هذا الصغير طعم الفرح آنذاك، فعمدت هذه الأيام إلى التعويض عن بهجة الميلاد المسلوبة بعد أن كُتبت لهم ولوليدهم الحياة.

 

وتعود الأم زينات عبد الغفور (30 عاماً) بذاكرتها إلى الوراء سنة كاملة، حينما كانت لا تتمنى أن تضع مولودها في تلك الأيام العصيبة، نظراً لأنّ مجرد خروجها من البيت يجعلها عرضة للتحليق المفترس في الأجواء الذي لم يكن يستثني أحداً، ولأنه لن يكون آمناً إذا خرج من بطنها إلى عالم يزلزله القصف.

 

وتقول الأم لوكالة "قدس برس"، "مع بدء الحرب على غزة كنت قد دخلت في الشهر التاسع للحمل، والذي يعني أنني من الممكن أن أضع مولودي في أي يوم من الأيام، إلاّ أنني حينما رأيت الحرب بهذه الشراسة وسقوط هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى؛ قلت: أي مشفى يمكن أن تستقبلني كي أضع مولودي؟". وتشير الأم زينات في هذا الصدد إلى أنّ الأسِرّة في المشافي لم تكن تتسع لاستيعاب جميع الجرحى الذين يتدفقون من تحت القصف؛ فهم ملقون على الأرض من الزيادة الكبيرة التي تصل إلى المشافي من شدة العدوان الإسرائيلي.

 

وأضافت الأم "أخذت حينها ابتهل إلى الله وأصلِّي بأن لا يداهمني مخاض الميلاد حتى تنتهي الحرب وأضع مولودي بسلام وهدوء"، وتقول "كنت أتحامل على نفسي كلما شعرت بألم المخاض إلا أنني في النهاية لم أتمكّن من تحمّل هذا الألم، فزاد عليّ في إحدى الليالي التي لم يتوقف فيها القصف الجوي مع بدء العملية البرية" التي شرع بها جيش الاحتلال.

 

وتابعت الفلسطينية التي تقف على مشارف عقدها الرابع "طلبت من زوجي أن يطلب سيارة إسعاف كي توصلنا إلى المشفى، فقال لي: أية سيارة إسعاف ستكون الآن متوقفة عن العمل لتأتي لك لأخذك كي تلدي؟!، وحاول أن يصبِّرني حتى طلوع النهار، إلاّ أنني لم أحتمل ذلك، فأجرى اتصالات بمشفى "أصدقاء المريض" الخاص في غزة، ولحسن حظنا كانت إحدى سيارات الإسعاف موجودة فأُرسلت إلى بيتنا وأقلّتني إلى المشفى.

 

وأوضحت زينات عبد الغفور أنه فور وصول سيارة الإسعاف وما إن سارت بها قليلاً وسط القصف والقتل والموت؛ استذكرت تلك الأم من عائلة زيادة التي قصفت طائرات الاحتلال الحربية السيارة التي كانت تقلّها إلى المشفى لتضع مولودها، فقضت عليها وعلى جنينها وزوجها وحماتها في آن واحد.

 

وقالت زينات "عند وصولي إلى المشفى ودخولي أبوابها لم أصدِّق أنني وصلت بسلام، فلم أكن أفكِّر في آلام المخاض بقدر ما كان تفكيري هو كيف أصل إلى المشفى بسلام".

 

وبعد رحلة تبدو انتحارية على متن سيارة إسعاف في الطريق إلى المشفى؛ تمكنت الأم الفلسطينية من الوصول إلى قسم الولادة بما يشبه الأعجوبة، وتقول "وضعت مولودي بشكل طبيعي، فنزل إلى هذه الدنيا ولم أسمع صوت صراخه من شدة أصوات القنابل والانفجارات".

 

وأضافت زينات عبد الغفور أنها بعدما وضعت مولودها وأسمته بدراً؛ عادت إلى بيتها الذي كان يقع على مقربة من المناطق التي تشهد ضراوة الحرب البرية جنوب مدينة غزة، لتبدأ رحلة جديدة من الخوف والمعاناة، لاسيما بعدما سمعت عن استخدام جيش الاحتلال الفسفور الأبيض الفتاك في قلب المناطق الآهلة بالسكان.

 

وأشارت الأم إلى أنها عادت إلى البيت فوجدت أطفالها الأربعة خائفين من اشتداد القصف واتساع العملية البرية، حيث أصبحت آليات جيش الاحتلال ودباباته على مقربة من الحي الذي تقطنه، فقرّرت هي وزوجها الانتقال إلى بيت عائلتها الذي يقع وسط مدينة غزة بعيداً عن التوغل البري.

 

وقالت زينات "انتقلنا إلى بيت عائلتي، وظننت أنه أكثر أمناً من بيت زوجي، كونه بعيداً عن التوغل البري، لكن ونحن في بيت عائلتي إذا بطائرات الاحتلال تقصف منزلاً مجاوراً لكن دون أن تقع إصابات في صفوفنا".

 

وأضافت الأم "لم يكن خوفي في تلك اللحظة على نفسي؛ بل على مولودي بدر، فهو قبل ميلاده كان محميّاً في بطني، وكنت أستطيع حمايته، ولكنه الآن وقد خرج إلى الدنيا فلن أستطيع حمايته".

 

وأشارت زينات إلى أنّ المنطقة التي كانوا بها شهدت كذلك قصفاً إسرائيلياً بالفسفور الأبيض، وقد خافت كثيراً على مولودها الجديد كون المناعة لدى الأجنّة والرضّع ضعيفة، فعادت وزوجها به إلى بيتهم وأكملت تلك الأيام العصيبة فيه.

 

أما حسام، والد الطفل بدر، فيستذكر كيف تمكن من إقناع المشفى بإرسال سيارة إسعاف لزوجته كي تقلها إلى صالة الولادة، مشيرا إلى أنه أمام رفضهم إرسال السيارة بداية فكّر بأن يذهب بها إلى المشفى مشياً على الأقدام أو محمولة على عاتقه.

 

وقال حسام لوكالة "قدس برس"، "كانت الطرق خالية من المارّة والسيارات، وكانت المقرّات والمؤسسات وبعض المنازل مدمّرة ولا يوجد في الطرقات غير سيارات الإسعاف والدفاع المدني، إلاّ أنني حينما وصلت إلى المشفى ودخلت زوجتي للوضع وتسهلت عملية الميلاد؛ حمدت الله على ذلك، وأدركت أنّ نصف المهمة انتهت، والآن يبقى النصف الآخر منها؛ وهو العودة إلى البيت".

 

وأضاف الأب: "بعد عودتنا إلى البيت بدأ فصل جديد من المعاناة، وخشينا أن نتعرض للقصف كون منزلنا قريب من منطقة التوغل البري، فغادرنا إلى بيت عائلة زوجتي، فإذا بالقصف وقنابل الفسفور تلاحقنا هناك، فعدنا إلى بيتنا وقلنا إذا قدر لنا الموت فسنموت في هذا البيت ولن نخرج منه".

 

وأشار إلى أن الحرب قتلت فرحة المولود الجديد "بدر"، لأنهم شعروا فور ولادته أنه أصبح عبئاً جديداً عليهم، كونه يحتاج كمولود لعناية خاصة، نظراً لأنه قد يتأثر بدخان القنابل والمدفع التي تلقى على تلك المناطق.

 

واعتبر "حماس" أنه في احتفاله بيوم ميلاد طفله "بدر"، كأنه ولد من جديد، لأن الفرحة قبل عام كان من الصعب أن نستحضرها في ظل أجواء الحرب والموت والقتل والدمار، ولكن الآن الأمور أفضل على الرغم من الحزن الكبير على هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى والبيوت المدمرة.

 

ومن جهته؛ أفاد الدكتور معاوية حسنين مدير دائرة الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة لوكالة "قدس برس" أنه في أيام الحرب الثلاثة والعشرين ولد 6400 طفل فلسطيني في كافة أنحاء قطاع غزة.

 

وعزا حسنين زيادة هذا العدد من المواليد نظراً للولادة المبكرة بعد سبعة شهور من الحمل لعدد كبير من النساء بسبب حالة الخوف التي كانت تنتابهم.

 

وأشار إلى انه إضافة إلى هذا العدد؛ فإن حالات إجهاض كثيرة تمت في تلك الفترة وحالات نزيف داخلي، لاسيما للأمهات اللاتي كن في مراكز الإيواء بعد قصف منازلهم.

 

وكشف الطبيب الفلسطيني أن أعداداً كبيرة من النساء فضلت عدم المجيء إلى المستشفى للولادة، ووضعت أطفالها في البيوت، كما كان عليه الحال قبل 40 عاماً بمساعدة القابلة أو ما يعرف بـ "الداية".