خبر التهديد بالحرب والجبهة الداخلية الإسرائيلية ..محمد شقير

الساعة 04:20 م|16 يناير 2010

التهديد بالحرب والجبهة الداخلية الإسرائيلية ..محمد شقير

 

لم تتوقف يوماً التهديدات الإسرائيلية للبنان ومقاومته، وهي إذ تبرز النزعة العدوانية للكيان الإسرائيلي فإنها تهدف إلى استعادة هيبة مفقودة وإلى ممارسة الضغط على المقاومة بهدف تضييق الخناق عليها ومحاولة إضعافها عبر إثارة أكثر من جدل حولها.

يدرك الكيان الإسرائيلي أن معادلة الصراع بينه وبين المقاومة هي في حالة تغير دائم، بمعنى أن المقاومة تزداد تجربة وخبرة وقوة وخصوصاً على مستوى الثقة بإمكانية تحقيق النصر وإرادة الانتصار، في حين أن قوة الردع لدى الكيان الإسرائيلي تزداد هشاشة وإرادته القتالية تزداد وهناً، ولقد أثبتت حرب تموز 2006 وما قبلها والعدوان المستمر على لبنان، أن مؤشر الصراع يميل باطّراد لمصلحة المقاومة، مما أفضى إلى مجموعة من النتائج التي تقلق قادة الكيان ومؤسسته العسكرية، وتدفعه إلى التفكير جديّاً بعمل يؤدي إلى ترميم قوة الردع لديه واستعادة هيبته العسكرية التي تصدعت بفعل المقاومة وعملها الدؤوب والمستديم.

في المقابل فإن أي عمل قد يبادر إليه هذا الكيان قد تكون له نتائجه العكسية والأشد قوة من سابقاتها بفعل مجموعة من العناصر التي قد تجعل من أي عدوان يبادر إليه مغامرة قد تنقلب عليه وتشكل تهديداً لاستمرارية وجوده وديمومته في المنطقة.

إن أية مواجهة جديدة مع المقاومة في لبنان سوف يكون لها تميزها، سواء في ما يرتبط بالجبهة الداخلية أو الخارجية، وبما أن الجبهة الداخلية للكيان تمثل نقطة ضعف ماثلة، فإن المقاومة سوف تستفيد إلى أبعد الحدود من كل إمكانيتها وتجاربها السابقة في استثمار هذه النقطة لمصلحة ردع العدو الإسرائيلي عن شن أي عدوان، وإن حصل فإنها سوف تعمل على إفشاله وجعل نتائج المواجهة لمصلحتها، وحيث يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار مجموعة من النقاط، وقد تجعل الجبهة الداخلية للكيان الإسرائيلي أمام اختبار جدي، لم يشهد له مثيل في جميع الحروب التي خاضها، بما في ذلك حرب تموز عام 2006م؛ هذه النقاط هي:

1ـ من الممكن أن تتعرض المدن والمستوطنات الإسرائيلية إلى كم من الصواريخ يفوق أضعافاً مضاعفة ما كان في حرب تموز 2006م، مما يجعل مستوى الخسائر والدمار أكثر بكثير، مقارنة مع ما كان في تلك الحرب، حيث لن تراهن إسرائيل عندها على نفاد الترسانة الصاروخية للمقاومة.

2ـ إن طبيعة التجارب وتراكم الخبرات تفرضان على المقاومة اقتناء أجيال جديدة من الصواريخ تتميز بدقّة إصابة أكثر، حيث لن يكون أي هدف استراتيجي بعيداً عن إمكانية الإصابة، وهذا ما يجعل مجمل الأهداف الاستراتيجية وغيرها، عرضة لصواريخ المقاومة مباشرة وبدقة.

3ـ إن مستوى التحدي، فضلاً عما تقدم من تراكم الخبرات والتجارب، يفرض أن تكون القدرات التدميرية لصواريخ المقاومة أكثر بكثير مما كانت عليه في السابق، حيث لن يبقى أثرها مركزاً على إحداث الخوف والهلع في الجبهة الداخلية، بل لا بدّ أن تتعدى ذلك إلى إحداث مستوى الخسائر لن يكون من السهل على الكيان الإسرائيلي أن يتحملها.

إن ضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية بهذا المستوى وبهذا المدى ولمدة طويلة سوف تكون له آثاره ونتائجه المختلفة والعميقة على هذا الكيان:

1ـ إن الكلفة التي سيدفعها الكيان الإسرائيلي لن تكون فقط كلفة نفسية تتمثل في الرعب والهلع اللذين سيصيبان الإسرائيليين، بل سوف تكون هناك كلفة اقتصادية ومالية كبيرة تتمثل في تعطيل الحياة الاقتصادية لفترة طويلة، وفي مستوى من الدمار غير المسبوق الذي سيلحق الكيان في منشآته الحيوية وفي العديد من مؤسساته ومصانعه وبنيته العمرانية وكل ما يمكن أن تطاله صواريخ المقاومة.

2ـ إن معنى أنه لن يبقى مكان آمن في الكيان الإسرائيلي، هو أن ذلك الكيان سوف يشهد أكبر عملية تهجير في تاريخه، حيث لن يروق للكثير من الإسرائيليين البقاء تحت الأرض في الملاجئ لأشهر طويلة، وهو ما سيدفع الكثيرين منهم إلى التفكير جديّاً في ترك ذلك الكيان إلى أماكن أكثر أمناً حفاظاً على حياتهم وأموالهم، مما سيكون له تداعياته الاستراتيجية على مجمل الكيان فضلاً عن آثاره الاجتماعية والنفسية وغيرها، خصوصاً في ما يرتبط باشتداد أزمة الشعور بالأمان التي يعانيها المجتمع الإسرائيلي منذ تكونه.

3ـ إن تلك المغامرة قد تقود إلى أكبر هزيمة في تاريخ ذلك الكيان، عندما يصل المجتمع الإسرائيلي إلى قناعة مفادها وجود ضعف بنيوي في مؤسسته العسكرية، تجعلها تقف عاجزة أمام المقاومة وتنامي قدراتها وخبراتها، وخصوصاً إذا أدرك أن هذا الضعف لم يعد بالإمكان علاجه، مما يؤدي إلى ضعف الثقة بتلك المؤسسة وجيشها أو انعدامها بل إلى ضعف ثقة تلك المؤسسة بنفسها وقدرتها على تحقيق أي نصر أمام المقاومة، مما يؤدي إلى تهشيم ما بقي من قوة ردع لدى ذلك الكيان، وإلى إضعاف ما بقي من إرادة قتالية لدى جيشه.

4ـ والذي يزيد من تلك الآثار والنتائج على الكيان الإسرائيلي وجيشه ومجتمعه ما يلي:

أ ـ إن هذه الحرب ـ فيما لو حصلت ـ قد حضر لها الكيان الإسرائيلي لسنوات، حيث ينبغي أن يكون قد أعدّ لها العدّة ووفر كل الإمكانيات والوسائل لخوضها والنجاح فيها.

ب ـ كما أنها تأتي بعد ادعاء الاستفادة من الأخطاء السابقة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ومؤسسته العسكرية، وخصوصاً في حرب تموز 2006م وما سبقها من حروب.

ج ـ أنها تأتي بعد عدة محاولات لضرب المقاومة وإنهائها، حيث كانت هذه المحاولات تُمنى بالفشل لتخرج المقاومة أكثر قوة وصلابة؛ ولذا ربما تكون فرصته الأخيرة أمام ما بقي لديه من قوة ردع وإرادة قتال وعزيمة صراع ومواجهة.

د ـ الكلفة غير المسبوقة التي سيضطر الكيان الإسرائيلي إلى دفعها سواء على المستوى الاقتصادي والمالي أو على المستوى العسكري وقوة الردع لديه أو على المستوى المعنوي وتآكل هيبته العسكرية، أو على المستوى النفسي وافتقاد الثقة بمؤسسته العسكرية وغير العسكرية.

هـ ـ المعادلات الجديدة التي ستتمخض عن تلك المواجهة على المستوى العسكري وغيره، إذا ما أظهرت المقاومة مستوى متقدماً من الردع، والمفاجآت الجديدة، وكشفت الحرب عن مستوى الوهن البنيوي الذي سيصيب الكيان في جيشه ومجتمعه وجميع مؤسساته.

إن تلك الحرب ستكشف أكثر ضعف ذلك الكيان ومستوى الهرم الذي وصل إليه، وستفضح أكثر كل تلك الصــورة التـي عمل على نسجها لسنوات طويلة عن قدراته وإمكانيته العسكرية وقوة ردعه، وهو ما سوف يقود إلى تغيير معادلات الصراع على مستوى المنطقة مع الكيان الإسرائيلي وليس فقط مع المقاومة في لبنان، وهو ما سوف يجعل استمرارية هذا الكيان تحت السؤال عندما تأخذ كل قوى المقاومة والممانعة دفعاً جديداً، في مقابل تراجع المشروع الصهيوني إلى مستويات قياسية.