خبر السؤال هو فقط متى -معاريف

الساعة 08:28 ص|16 يناير 2010

بقلم: عوفر شيلح

 (المضمون: الصدام مع غزة آت لا محالة وفق كل التقديرات رغم عدم وجود مصلحة لدى اسرائيل وحماس فيه الان - المصدر).

        شيء ما ليس واضحا بالمرة يحدث في غزة. ان اصغينا الى ما تقوله اجهزة الامن يصبح كل شيء واضحا تماما: حماس تسيطر على الاوضاع وليست لها ولنا ايضا مصلحة في تصعيد الوضع.

        اطلاق النار على الاراضي الاسرائيلية يأتي في أغلبيته من تنظيمات اخرى خلافا لموقف حماس – وردنا يتناسب مع ذلك حيث يأتي حازما ولكنه موضوعي ومنضبط. وعندئذ تتذكر ما قالته تلك الاطراف تماما في كانون الثاني 2008 قبل عملية "الرصاص المصبوب" بشهر: ليس بالضبط نفس الكلمات ولكن نفس الصورة ونفس المصالح. وانت تتذكر ايضا ان السيناريو غير المتوقع وغير المنطقي هو الذي تحقق هناك اكثر من مرة وليس مهما ما الذي ارادته الاطراف وما هي مصالحهم.

        قبل شهر فقط قالت قيادة المنطقة الجنوبية وهيئة الاركان ان عام 2008 انتهى بصورة مرضية. عملية "الرصاص المصبوب" من دون التطرق لادارتها (التي تحاك حولها الان روايات كثيرة وردية) حققت الردع في مواجهة حماس اذ جسدت لقادتها ثمن التحرش باسرائيل. سياسة جباية الثمن الفوري عن كل عملية معادية جسدت بأن هناك قواعد لعبة جديدة. عدد اطلاق الصواريخ الى الاراضي الاسرائيلية قليل جدا (اقل من 400 خلال عام 2009 كله مقابل 3600 خلال 2008) الامر الذي مكن التجمعات السكانية المحيطة بغزة للعودة الى حياتها الاعتيادية والازدهار.

        في قيادة المنطقة لم يتجاهلوا ان مطلب ضبط النفس في الجانب الاخر ينطوي على تسليم صامت – رسميا اسقاط حكم حماس كان وما زال مصلحة اسرائيلية صارخة – بالتحديد مع سيطرة الحركة الاسلامية على غزة بصورة اقوى. كلما كان الحكم قويا وهذه مسألة لا يمكن ان يفعل شيئا ازاءها سيكون قادرا على الحفاظ على الهدوء بصورة افضل. حماس كما قال مسؤول كبير في القيادة الجنوبية قبل شهر موجودة هناك لفترة طويلة والوضع يشبه لبنان اكثر مما يشبه الفوضى التي كانت في القطاع حتى ما قبل عامين.

        وها هم يعودون لاطلاق  النار في الاسابيع الاخيرة. لا يطلقون رشقات منظمة وكبيرة كما في الماضي واغلبية عمليات الاطلاق غير دقيقة وتسقط في داخل القطاع نفسه. ولكننا عدنا الى الدائرة المعروفة جيدا من اطلاق فرد فعل فاطلاق فاحباط ومحاولة جديدة. وفي هذه الدائرة كما اسلفنا انت في العادة تعرف اين تبدأ ولكنك لا تعرف اين تنتهي. وليقل منطقتنا ومنطقهم ما يريد. غزة في حصار. حصار مادي يقلق حماس اكثر من اي شيء وحصار الشرعية والمنفعة. اسرائيل ومصر هما اللتان تفرضان الحصار على الارض: الجدار الفولاذي المصري ذلك المشروع الذي يهدف الى قطع الطريق بصورة ناجعة على الانفاق شريان الحياة الرئيسي لقطاع غزة المحاصر هو التهديد الاكبر للحكم في غزة من دبابات اسرائيل وطائراتها. الانفاق – الجيش الاسرائيلي يقدر ان هناك العشرات منها على امتداد الـ 14 كيلومترا من محور فيلادلفيا – ليس فقط مسارا لتهريب الوسائل القتالية بل انها وسيلة لتعزيز الاقتصاد لتلك المنطقة الصغيرة المكتظة والفقيرة التي تقرر قوة اجنبية انواع المأكولات التي يمكن لسكانها ان يشتروه في أوقات معينة. الجميع في تجارة الانفاق: حماس طبعا كذلك الجهاد الاسلامي وعدد لا ينتهي من المقاولين من القطاع الخاص الذين يعملون لمصلحة من يزيد السعر.

        حصار الوعي نابع ايضا من مكانة الحكم الاخذ في التعزز في الضفة الغربية. بعد سقوط القطاع في صيف 2007 الذي يعتبره الجيش الاسرائيلي نتيجة لخطوة ليست مقصودة تماما تسعى للضغط ولم تقابل مقاومة من فتح الواهنة، ادعى الكثيرون في اسرائيل بأن الضفة ستسقط في يد حماس قريبا ان لم يكن ماديا – هذا الامر غير ممكن طالما بقي الجيش الاسرائيلي مسيطرا هناك فعليا – من الناحية السياسية. منذ ذلك الحين يقوم فياض وابو مازن بتعزيز قواتهما. الفجوة بين الحياة في رام الله ورفح آخذة في الاتساع ومعها يأتي ايضا الشعور بالاغتراب: من الواضح للجميع ان الحكم في الضفة وكذلك جزء كبير من المواطنين لم يذرفوا دمعة عندما افترست اسرائيل غزة قبل عام. يتوجب ان نضيف الى ذلك التأخير في استكمال صفقة شليت. في اسرائيل اغلبية مؤيدة للصفقة ولكن ليس هناك ثمن لعدم تنفيذها ولذلك ليس هناك ضغط حقيقي على رئيس الوزراء لاستكمالها. الثمن في غزة معروف ليس فقط من خلال عدم اطلاق سراح السجناء وانما في الحياة اليومية للغزاويين. من خلال رؤية اكثر فطنة حتى ان عقدت الصفة وعاد جلعاد الى بيته فالحصار سيبقى مفروضا على غزة لان ما يقلق اسرائيل فعلا ليس حياة الاسير وسلامته وانما حكم حماس. ولكن طالما لم تنفذ الصفقة يبقى من السهل ربطها بمصاعب الحياة في القطاع وعندما تقترب او تبتعد في كل مرة يرتفع الضغط.

        بالاضافة الى ضائقة الغذاء ومواد البناء وغيرها من احتياجات الحياة يفتقد القطاع للمال: المساعدة التي وعدت بها حكومة حماس بعد "الرصاص المصبوب" وصلت جزئيا فقط. وعندما يكون هناك نقص ترفع البدائل رأسها. "العصاة" هكذا يطلقون في الجيش على الاطر التنظيمية المتشكلة خارج حماس من الجهاد الاسلامي حتى "الجلجلات" – اسم نابع من اسم افعى سامة وهي اطر تنظيمية موقعية تبحث عن تمويل ودعم من اطراف الجهاد العالمي. ينسبون للجلجلات جزءا كبيرا من محاولات اطلاق النار اتجاه اسرائيل في الاسابيع الاخيرة.

        ومع ذلك يبقى السؤال مطروحا الى اي مدى ترغب حماس فعلا لكبح محاولات اطلاق النار هذه. في الجيش الاسرائيلي يدعون انهم معنيون فعلا ويظهرون كدليل على ذلك حقيقة ان جزءا كبيرا من قذائف الراجمات قد سقطت داخل قطاع غزة نفسه الامر الذي يشير الى مصاعب الاقتراب من الجدار الفاصل والتصويب الدقيق وهذا يعود كما تقول مصادر في اسرائيل الى ضغط قوات حماس. ولكن الخلية التي اصيبت في جانب بيت حانون في منتصف  الاسبوع كانت مشكلة من اعضاء حماس (في الجيش الاسرائيلي ادعوا انهم لم يصابوا من نيران قواتنا وانما بسبب خلل خلال عملية التحضير) وعموما من الصعب تخيل وجود صعوبة لدى الحكم المركزي في غزة الذي عرف كيف يقتحم المساجد ويقضي على المعارضين بصورة قاسية جدا في فرض نفوذه خلال المدى الزمني على العصابات المحلية.

        عبر الانفاق تتدفق طبعا الوسائل القتالية والمعلومات. عندما يتحدثون في الجيش عن لبننة القطاع لا يقصدون فقط ان فيه اكثر من نظام وسيطرة مركزية وانما ايضا المصادمات مع حماس التي لا يوجد في الجهاز انسان واحد حتى لا يعتقد انها مسألة لا مفر منها ستأتي على مسافات بعيدة عن بعضها البعض – ولكنها ستكون شديدة القوة اكثر من الماضي. وحماس تستعد كما فصلنا كثيرا في السابق من خلال وسائل اعلامنا ومن خلال ما صرح به رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أمان ورئيس الشاباك امام لجنة الخارجية والامن في الكنيست.

        الجيش الاسرائيلي ايضا يستعد من ناحيته ليس فقط في جمع المعلومات الاستخبارية وتجديد بنك الاهداف الذي استغل بأغلبيته في عملية "الرصاص المصبوب" واعادة تعبأة مخازن الذخيرة. يبدو ان مساعي الجيش الاساسية في السنة الاخيرة تتمركز حول اعداد النفوس خصوصا عندنا. ليست هناك محادثة مع ضابط كبير او عملية توجيه رسمية لا تطرح فيها تصورات الجيش لما بعد لبنان وغزة وغولدستون: ستستخدم القوة الكبيرة والسريعة وباحجام لم نشهدها سابقا. يبدو ان الجيش يسعى لاخذ تواقيع القادة والمجتمع الاسرائيلي على سداد كمبيالة الدين التي سيسعى لسدادها عندما سيوجهون الانتقادات اليه بعد المجابهة القادمة. ضباطه يكررون الحديث حول نظرية القتال التي ولدت في ايران وتطبق الان من قبل كل التنظيمات التي تعتبر في نظرنا قوات ايرانية امامية في الشمال والجنوب: تحت الارض قريبا من المدنيين بعيدا عن الجيش والسعي لضرب الجبهات الداخلية. الجيش الاسرائيلي يصور ويعرض افلام بناء منشآت التدريب والمواقع المحصنة بجانب المدارس والطوابق السفلية للمباني السكنية وهو يعود ويوضح بأن من يريد تقليص الضرر السياسي الناجم عن عملية عسكرية قوية عليه ان يتطلع لان تكون العملية قصيرة وقوية قدر المستطاع خلال الزمن المحدود المتاح. وهو يعود ويذكر بأن هذه العملية لن تحسم الامور ولن تسقط حكما رسميا او غير رسمي ولن تفعل شيئا باستثناء تلمس قواعد اللعبة الرادعة الى ان تتآكل هذه القواعد مرة اخرى تحت ضغط الظروف.

        وهناك أمر اخر يتعلق بالانباء الطيبة من الصناعات العسكرية رفائيل: تقدم مشروع "القبة الفولاذية" مثير للاعجاب فعلا ودليل على قدرة مهندسي الصناعات الجوية ومهاراتهم. ولكن بالاحرف الصغيرة خصوصا بالاحرف الصغيرة للتصريحات حول النجاح المثير للانطباع ستجدون ايضا انه عندما ستصبح هذه المنظومة جاهزة للاستخدام الميداني الكامل فهي لن توفر الرد الكامل لسكان سديروت وغيرها من المناطق المحيطة القريبة جدا من قطاع غزة. حتى في السيناريو الاكثر تفاؤلا ليس من الممكن التعويل على القبة الفولاذية في محيط يزيد على اربعة كيلومترات من مكان الاطلاق. هذا يوفر ردا معينا للمناطق السكانية البعيدة ولكن رمز "تجمعات القسام السكانية" سيبقى عرضة للضربات ان قرر الطرف الاخر اطلاق النار. لكل هذه الاسباب لن تجدوا في الجهاز الاسرائيلي شخصا لا يعتقد بأن جولة جديدة في القطاع آتية لا محال. فهل ستحدث الان؟ كما يبدو لا. اسرائيل ما زالت في حالة استنهاض من صدمة تقرير غولدستون: ليس نحو الداخل فهناك توجد للجيش الاسرائيلي شرعية كبيرة للتحرك برعونة هوجاء اكثر مما يعطي لنفسه ولكن بالتأكيد من الاماكن التي تتحدد فيها الخطط الميدانية تصدر الموافقة عليها. احداث الاسابيع الاخيرة بعيدة جدا عن ان توفر سببا كافيا او تعليلا ملائما لرد الفعل على عمليات القصف الموقعية التي تحدث الان.

        ولكن في غزة اكثر من اي مكان اخر ليس المنطق هو الامر الحاسم. كل الاطراف في الشرق الاوسط على قناعة بأن القسام المعلق على الجدار في المعركة الاولى سيطلق في الثانية ويجر من ورائه عملية عسكرية كبيرة في  الثالثة. على حدود غزة الحرب ليست امتدادا للسياسة بوسائل اخرى كما يقال وانما هي السياسة كلها. عندما يكون هذا هو الوضع القائم يبقى السؤال فقط متى والسيطرة على الرد ليست موجودة دائما بيد من يبدو لنا انهم صناع القرار.