خبر غزة .. « أرض البرتقال » تستورد الحمضيات عبر الأنفاق!

الساعة 04:30 م|15 يناير 2010

فلسطين اليوم : غزة

شهد قطاع غزة، مؤخراً، للمرة الأولى في تاريخه تهريب ثمار البرتقال والليمون والماندلينا عبر الأنفاق، بعد أن كانت تصدر للخارج كإحدى درر الاقتصاد الفلسطيني، والسبب المباشر أن أشجار هذه الحمضيات دفنت تحت الأنقاض، وجرفت آلاف الدونمات منها، ليصبح قطاع غزة الذي كان يشتهر بالحمضيات مفتقراً لها، فلا تكفي حاجة السكان، بينما انتهت كلياً النوعيات المتميزة من البرتقال، مثل "أبو صرة" و"الشموطي".

محمد عابد (26 عاماً) صاحب محل لبيع الفواكه أشار بيده إلى كميات من البرتقال المهرب من مصر عبر الأنفاق قائلاً: لم يكن قطاع غزة في يوم من الأيام يحتاج إلى تهريب الحمضيات، التي كان يصدرها للخارج لجودتها العالية بشهادة الجميع، وكانت غزة بلد الحمضيات، وتصدر آلاف الأطنان منها كل عام.

ويضيف عابد إن المواطنين يترحمون على الأيام الماضية التي كانوا يشترون فيها الحمضيات على الدوام بثمن معقول، فلا تنقطع من بيوتهم، منوهاً إلى أن محله أصبح ممتلئاً بالفواكه القادمة عبر الأنفاق بأسعار مرتفعة.

ويتراوح سعر الكيلو الواحد من برتقال "أبو صرة" بين 5 و8 شواكل، حسب حجمه وطعمه، ويأتي عبر الأنفاق من مدينة العريش المجاورة للحدود الفلسطينية المصرية.

ارتفاع الأسعار

المواطن عاطف شيخ (42 عاماً) اشتكى من ارتفاع أسعار البرتقال بعد أن سأل البائع، الذي أجابه أن سعر كيلو البرتقال 7 شواكل، معرباً عن استغرابه أن يسمع هذا السعر في وطن الحمضيات، وكان تفسير البائع أن هذا برتقال مصري عبر الأنفاق وليس محلياً من غزة.

تجول الشيخ كما يقول في جميع أنحاء السوق دون أن يعثر على برتقالة واحدة من هذا الصنف، مشيراً إلى أن البائعين كافة يبيعون الحمضيات المصرية، وبالرغم من ذلك لم يفلح الشيخ في تجاهل طلب أولاده الصغار للبرتقال، فاشترى ثلاث برتقالات "أبو صرة" بسبعة شواكل، منوهاً إلى أن هذا السعر لا يتناسب مع المستوى المعيشي للمواطن المحاصر في قطاع غزة.

الحاجة أم أحمد في الستينيات ذرفت الدمع عند رؤيتها البرتقال و"الكلامنتينا" والليمون "البنزهير" المهربة عبر الأنفاق في أسواق قطاع غزة، لأنها تذكرت الأيام الخوالي وبرتقال حيفا ويافا.

وأوضحت أن البرتقال الفلسطيني يختلف عن البرتقال المصري شكلاً وطعماً، مشيرةً إلى أنها اضطرت لشراء الحمضيات المصرية لتعويض الكالسيوم وفوائد البرتقال المختلفة، بالرغم من ارتفاع أسعارها.

تجريف آلاف دونمات الحمضيات

وأوضح المزارع أبو شادي ماضي (49 عاماً) أن الاحتلال جرف آلاف الدونمات من أشجار الحمضيات المختلفة، وحل مكان مساحات كبيرة منها التوسع العمراني الهائل والضيق السكاني، ما خفض نسبة الحمضيات بشكل كبير في قطاع غزة خاصة مناطق بيت حانون وبيت لاهيا، مشيراً إلى أن السكان يتحسرون على الزمن الماضي، بسبب حرمانهم من رؤية "أبو صرة" في أسواق غزة.

وأضاف، إن ما تبقى من الحمضيات خاصة البرتقال يستخدم فقط للعصير لتدني جودته، ولم يعد يصدر خارج غزة، فيما ينتهي الكريب فروت في وقت ضيق لا يتجاوز الشهر، لافتاً إلى أن البرتقال بأنواعه وباقي الحمضيات التي تعتبر زراعتها موسمية تتوفر عادة في الأسواق حتى نهاية العام.

15 ألف طناً فقط

ووصلت كمية الحمضيات التي ينتجها قطاع غزة في الوقت الحالي إلى نحو 15 ألف طناً فقط، معظمها من الأنواع الرديئة، من أصل 250 ألفاً كانت تصدر في الماضي.

وأكد ماضي أن أشجار البرتقال تحتاج إلى سنوات طويلة من الرعاية المكثفة حتى تبدأ في الإنتاج، مشيراً إلى أن ما جرفه الاحتلال من الأراضي الزراعية المزروعة بالحمضيات لا يمكن زرعها من جديد بسبب اقترابها من الجدار مع الأراضي المحتلة، وكذلك بسبب حالة الحصار القائمة ونقص الكثير من السماد والبذور المستخدمة في زراعة الحمضيات وانعدامها من أسواق قطاع غزة بسبب منع إدخالها من قبل إسرائيل.

وأوضح المزارع حمدان ضهير (60 عاماً) الذي جرف الاحتلال مئات الدونمات المزروعة بالحمضيات في أرضه الواقعة في منطقة موراغ جنوب قطاع غزة أن القطاع كان يشتهر بزراعة البرتقال بأنواعه "الشموطي والبلنسيا" و"الكلامنتينا"، منوها إلى أن نحو 60% من الأراضي الزراعية المنتجة للحمضيات تقع بالقرب من الشريط الحدودي سواء من الشمال أو الشرق وتم تجريفها بشكل كامل، وأعيد زراعة نحو 10% منها فقط وتحتاج إلى مدة زمنية طويلة حتى يتم الاستفادة منها.

وقال إن معظم ما ينتج من البرتقال يوزع على الأسواق، بينما يباع المتبقي منه إلى مصانع العصير، مشيراً إلى تعطل عملية التصدير لكافة أنواع الحمضيات لأسباب مختلفة.

وأفاد ضهير بأن هناك بعض الأنواع من البرتقال كالشموطي كانت تزرع في منطقة بيت حانون، وقد تم تجريف أشجاره بالكامل بعد العمليات العسكرية التي كان يشنها الاحتلال على الأراضي المجاورة لمناطق التماس، كما تم تجريف ما تبقى منها خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، بعد أن كان إنتاج مدينة بيت حانون وحدها يصل إلى نحو 15 ألف طن.

واعتبر أن هذه الأسباب دفعت التجار إلى جلب البرتقال من مصر عبر الأنفاق، مستنكراً قيامهم باستغلال المواطن ورفع الأسعار.

وأضاف، إن النوع الثاني من البرتقال "البلنسيا" سيتم قطفه منتصف الشهر المقبل، وهو لا يصلح للعصير بل للأكل فقط، مؤكداً أن أسواق قطاع غزة لن تحصل على الكثير من هذا النوع بسبب تجريف ما تبقى من الأراضي الزراعية.

أما نقص الليمون الذي يزرع في قطاع غزة فقد دفع التجار كما يقول ضهير إلى جلبه من مصر بدلاً منه "البنزهير" عبر الأنفاق بسعر أعلى مما يتوقع المواطن الغزي الفقير.