خبر اسرائيل تفقد أعصابها ..حسان حيدر

الساعة 06:53 م|14 يناير 2010

اسرائيل تفقد أعصابها ..حسان حيدر

تبدو اسرائيل عاجزة عن فهم التحول في تركيا، او انها بالأحرى فهمته وفقدت اعصابها لأنها ترفض تصديق انها في طريقها الى خسارة حليف أساسي في المنطقة في غمضة عين. وتبدو تركيا واثقة تخطو بثبات على المسار الجديد لسياستها الخارجية من دون ضجيج ولا مواقف خرقاء على المثال الايراني، بل تتصرف باعتبارها دولة اقليمية كبرى تستند الى تاريخها وحاضرها، وتسعى لاستيعاب صغار اللاعبين في المنطقة، ومن بينهم اسرائيل.

 

لا يتعلق الامر برد فعل انتقامي من استمرار اقفال ابواب الاتحاد الاوروبي في وجه انقرة، بل باكتشاف هذه انها لم تعد مضطرة الى المرور عبر البوابة الاسرائيلية للحفاظ على العلاقات الطبيعية مع اوروبا وأميركا. ثمة قناعة لدى الزعماء الاتراك بأن حاضر بلدهم ومستقبله مرتبطان بمتانة الاقتصاد وبالعلاقات الاقتصادية والسياسية الجيدة مع المحيط المباشر، وليس بالبوابات المصطنعة. وهم لذلك انفتحوا على سورية والعراق وايران ولبنان وارمينيا، وقرروا خيار «صفر من المشاكل».

 

وهم يعرفون ايضاً ان مزاج الغرب يتغير ازاء تصرفات «طفله المدلل» بعدما كان، منذ قيام الدولة الدخيل قبل اكثر من ستين سنة، يعتمد الاحتضان والتملق سبيلاً لتعويض فظاعات الحرب العالمية الثانية بحق اليهود ولإسكات تأنيب الضمير تجاههم، فضلاً عن دور اسرائيل الاستراتيجي في زمن المحاور الدولية واعتبارها أداة «تأديب» متقدمة للعرب الميالين الى موسكو.

 

نجحت اسرائيل كل هذا الوقت في لعب دور الضحية المحاصرة بالأعداء من كل جانب، وجعلها ذلك تنجو من الإدانة في كل مرة استخدمت فيها آلتها العسكرية الضخمة وخصوصاً ضد المدنيين، لكن همجيتها التي تبدت في صورها الأكثر بشاعة في حرب غزة، صارت اليوم موضع استنكار وتأنيب، مثلما أشار الى ذلك تقرير غولدستون، وبات الاميركيون المصرون على حل الدولتين الذي تعرقله اسرائيل يتحدثون ولو تلميحاً عن احتمال تخطي الضغط الديبلوماسي الى العقوبات المادية.

 

ربما يرى البعض ان الاميركيين يستفيدون من الموقف التركي وقد يستخدمونه ايضاً وسيلة ضغط غير مباشر على اسرائيل. وهذا يعني في المقابل ان التصرف العنصري لمساعد وزير الخارجية الاسرائيلي تجاه السفير التركي كان ايضاً رسالة غير مباشرة الى الاميركيين خصوصاً، والغرب عموماً، بأن اسرائيل لن ترضى بأقل من التأييد الكامل الذي اعتادت عليه.

 

والموقف التركي مؤذٍ كثيراً لاسرائيل لأنه في هدوئه ورصانته لا يستثير التعاطف الغربي معها، ولأنه لا يعتمد في ادانة سلوكها اساليب الإثارة الايرانية. فأنقرة لم تنف المحرقة ولم تهدد بإبادة «الكيان الغاصب» ولا اعتبرت ان اسرائيل في طريقها الى الزوال، ولا قالت ان صواريخها تستطيع الوصول الى المواقع الاسرائيلية الاستراتيجية او انها حتى موجهة اليها. كل ما تريده هو ان تضبط الدولة العبرية تصرفاتها وتتحول الى دولة «عادية» في المنطقة، لا تفرض نفسها ومصالحها بقوة السلاح بل بالتزام سلام حقيقي يعطي الفلسطينيين والعرب ايضاً ارضهم وحقوقهم.

 

وقادة تركيا يعرفون كيف يغيظون الاسرائيليين. اردوغان تحدث عن القوة النووية الاسرائيلية التي اعتبر انها تشكل خطراً على المنطقة، وهو ما لم يجرؤ اي زعيم غربي على قوله في العلن، ذلك انه يعرف ان الغرب المستنفر ضد البرنامج النووي الايراني لا يمكنه الاحتجاج على كلام عن الترسانة الاسرائيلية.

 

وعلى رغم كل ذلك فإن تمنيات بعض العرب لن تتحقق بالتأكيد. فتركيا تقارع اسرائيل وفق حدود ومعايير تدركها جيداً، واحتجاجها يهدف الى لجم مواقفها السياسية والعسكرية ولن يصل يوماً الى مرحلة العداء لوجود اسرائيل ذاته.