خبر « حماس »: خطوة إلى الأمام و « فتح »: خطوة إلى الوراء .. هاني المصري

الساعة 02:15 م|12 يناير 2010

بقلم: هاني المصري

وجه بنيامين نتنياهو في اجتماع الحكومة الإسرائيلية، يوم الأحد الماضي، تحذيراً مزدوجاً للفلسطينيين.

فقد هدد بأن إسرائيل ستضرب بشدة قطاع غزة ولن تتوانى عن شن حرب ثانية ضده، في نفس اليوم الذي قامت فيه الطائرات الإسرائيلية بقصف أدى الى استشهاد خمسة فلسطينيين، وفي ذروة نشر تقارير إعلامية إسرائيلية تتحدث عن بدء المناورات العسكرية وفي ظل استمرار الاستعدادات الإسرائيلية المختلفة لعملية "الرصاص المصبوب رقم 2".

كما هدد نتنياهو السلطة الفلسطينية بحجة ان التحريض على العنف مستمر في المدارس ووسائل الإعلام المرتبطة بالسلطة، وأن هذا يشكل انتهاكاً خطيراً للتعهدات التي قطعتها القيادة الفلسطينية، وأكد على أن وقف التحريض يعد شرطاً لاستكمال مفاوضات السلام، وزعم أن الرئيس ابو مازن وسلام فياض يحرضان على الإرهاب من خلال عزم السلطة تسمية دوار في رام الله باسم الشهيدة دلال المغربي، الفدائية التي نفذت عملية فدائية شهيرة، وقيام سلام فياض بتعزية أهل المناضلين الثلاثة الذين قامت قوات الاحتلال بإعدامهم في نابلس بدم بارد أمام ذويهم، ووصفهم بالشهداء. وكانت الحكومة الإسرائيلية أرسلت رسالة احتجاجية بهذا الخصوص الى الإدارة الأميركية في ذروة التعنت الإسرائيلي الرافض لاستئناف المفاوضات على أساس تجميد الاستيطان والاتفاق على مرجعية واضحة لعملية السلام، وبدء المفاوضات القادمة من النقطة التي انتهت إليها المفاوضات السابقة، وفي ظل تصعيد العدوان العسكري وتكثيف الاستيطان بصورة غير مسبوقة رغم مسرحية التعليق الجزئي والمؤقت للاستيطان.

إن إسرائيل بصورة عامة، والحكومة الإسرائيلية الحالية بصورة خاصة، تريد إما أن تكون المفاوضات من أجل المفاوضات كوسيلة لكسب الوقت وإدارة الصراع والتغطية على ما تقوم به إسرائيل على الأرض من فرض حقائق احتلالية أو كوسيلة لفرض الحل الإسرائيلي على الفلسطينيين الذي يصفي قضيتهم من مختلف أبعادها.

إن ما سبق يوضح أن الاحتلال وما يقوم به، وما يخطط للقيام به، يستهدف ويهدد الفلسطينيين جميعاً. فالاحتلال لا يفرق بين فلسطيني وآخر، بين "فتح" و"حماس"، بين معتدل ومتطرف.

لذا على الفرقاء الفلسطينيين المتنازعين أن يكفوا عن إلقاء التهم جزافاً ضد بعضهم البعض. فـ"حماس" تقول إن "فتح" (والمعسكر المؤيد لها) خاضعة لأميركا والمجتمع الدولي وأداة طيعة في يد الاحتلال، وأحياناً يصل الأمر بها الى حد التخوين والتكفير لـ"فتح"، و"فتح" تقول إن "حماس" صنيعة الاحتلال وتخدمه، كما أنها أداة في أيدي المحاور العربية والإقليمية.

إن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس أن الاحتلال هو الذي مهد الطريق لحدوث الانقسام السياسي والجغرافي ومن مصلحته استمراره ومفاقمته. فالانقسام يعطي مزايا هائلة لإسرائيل، أهمها أنه يمكنها من المضي في تطبيق مخططاتها التوسعية والعنصرية والاستيطانية والعدوانية بأسرع وقت وأقل التكاليف.

إن إسرائيل لا تريد أن تنظر إلى السلطة كشريك حتى ولو شريك صغير، ولا أن تعطيها حلاً يمكنها من البقاء قوية وإنما أقصى ما تقدمه لها هو الفتات حتى تبقى ضعيفة وتحت رحمتها، وتسعى إسرائيل باستمرار لترويضها حتى تتحول الى متعاون كلي مع الاحتلال يؤمر فيطاع.

لا يكتفي الاحتلال بالمرونة الفلسطينية المخلة في التعامل معه، ولا بوقف المقاومة، وبالتنسيق الأمني وتطبيق الالتزامات من جانب واحد، بل يريد الاحتلال من السلطة أن تتخلى عن الأهداف والحقوق الفلسطينية وترضى بما يعطيها إياه.

إن ما فعلته وتفعله إسرائيل بالسلطة في الضفة الغربية من أجل تدجينها، تقوم به مع "السلطة" في قطاع غزة بدليل الهدنة من جانب واحد، مع مراعاة اختلاف الظروف. فالقوات المحتلة الإسرائيلية أعادت انتشارها على حدود القطاع، وتحاصره من كل جانب، وتقوم بالقصف والاغتيالات كلما رأت ذلك مناسباً، وتبقى على استعداد دائم لاجتياحه واحتلاله بشكل دائم، وتوحي لـ"حماس" بأنها يمكن أن تعتمدها كممثل للفلسطينيين أو كلاعب رئيس بينهم إذا لبت ما هو مطلوب منها. بالضبط مثلما تفعل مع السلطة في الضفة.

إن ما يحدث الآن، يفرض على الفلسطينيين الوحدة، الوحدة، الوحدة، الآن وقبل فوات الأوان.

إن الوحدة ممكنة بعد التوصل الى إعلان القاهرة واتفاق مكة وحكومة الوحدة الوطنية ووثيقة الأسرى والورقة المصرية. والوحدة ممكنة إذا تم سد النقص في الورقة المصرية، ليس وفقاً لملاحظات "حماس" وإنما بما يضمن توحيد الفلسطينيين على أساس وطني.

لا أبالغ في القول إن الوحدة الوطنية ممكنة إذا تقدمت "حماس" خطوة الى الأمام بحيث تقبل ببرنامج القواسم الوطنية المشتركة، البرنامج الذي يستند الى الحقوق والأهداف الوطنية الفلسطينية ويحظى بثقة الشعب الفلسطيني، ويتسلح بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، التي لا تتضمن اعترافاً مجانياً او تلقائياً بإسرائيل وتحفظ حق الفلسطينيين بمقاومة الاحتلال. فالشرعية الدولية تتضمن الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية التي أعلنت "حماس" عدة مرات أنها تقبل بها من خلال قبولها ببرنامج الدولة الفلسطينية على حدود 1967.

والوحدة ممكنة إذا تراجعت "فتح" خطوة الى الوراء بحيث تكف عن المطالبة بموافقة "حماس"، إذا أرادت المشاركة في حكومة الوفاق الوطني القادمة، على شروط اللجنة الرباعية الدولية، التي فصلت لعزل "حماس" وليس من أجل الحل العادل والمتوازن أو إذا وافقت على الاتفاقيات الفلسطينية ــ الإسرائيلية والالتزامات المترتبة عليها، وذلك ليس لأن هذه الاتفاقيات ظالمة ومجحفة بحق الفلسطينيين فقط، وإنما لأن إسرائيل لم تلتزم بها، فهي تجاوزتها كلياً، بحيث أصبح اتفاق اوسلو من الماضي ولا تعترف إسرائيل به، ولا تعترف سوى بالسلطة التي تعترف بإسرائيل، وتوقف المقاومة وتنبذ العنف وتحارب الإرهاب، وتتقيد بالالتزامات الفلسطينية بدون أن تلتزم إسرائيل بأي شيء!!

إن الوحدة الوطنية أبلغ رد على التحديات المتصاعدة، والمرشحة للتصاعد، وهي ممكنة إذا توفرت الإرادة اللازمة، التي تبدي الاستعداد للشراكة الوطنية على أساس البرنامج الوطني، وبالاستناد الى الأسس الديمقراطية التي تضمن الاحتكام للشعب وتحفظ التعددية والتنوع والمساواة والتنافس الشريف وفصل السلطات وحرية واستقلال القضاء والإعلام وسيادة القانون.

فهل تتم تلبية نداء الوحدة؟ هذا ما نتمناه ونعمل ونناضل من أجله، مهما طال الزمان!!.