خبر كلما تأخرت المصالحة كلما أصبحت أكثر صعوبة..د.إبراهيم أبراش

الساعة 07:43 م|11 يناير 2010

تأخرت المصالحة كلما أصبحت اكثر صعوبة ..د.ابراهيم أبراش

العودة لطاولة المفاوضات قبل المصالحة الوطنية سيؤدي لتسوية تؤسس على واقع الأنقسام أو ستضفي شرعية عليه.كما أن أية محاولة للتعامل مع المصالحة الفلسطينية بمعزل عن الأزمة الأستراتيجية – البنيوية والوظيفية- للنظام السياسي سيكون مصيرها الفشل،وأية مصالحة تتعامل مع الخلاف أو الانقسام وكأنه وُجِد مع سيطرة حماس على قطاع غزة في منتصف يونيو 2007  سيكون أيضا مصيرها الفشل.سيطرة حماس على قطاع غزة وأزمة الحكومة والأجهزة الامنية والانتخابات هي تداعيات ونتائج لخلافات تراكمت عبر السنين وادت لمأزق استراتيجي للنظام السياسي وللمشروع الوطني برمته.قبل أن تصبح حركة حماس وانقلابها في غزة عنوان الانقسام وتحميلها مسؤولية أزمة النظام السياسي ،كان هذا الأخير بشقيه المفاوض والمساوم مأزوما.بسبب المكابرة والمعاندة والتدخلات الخارجية والارتباطات المصلحية لم تحدث مراجعة لأزمة النظام السياسي ولم تنجز مصالحة وطنية في بدايات ظهور أزمة الثقة وأختلاف البرامج ما بين حركتي فتح وحماس ، أكثر من محطة من محطات الارتكاسات التي مر بها النظام السياسي كانت تستوجب المراجعة والتوصل للمصالحة الوطنية ، لأن الهزائم احيانا توحد الشعب أحيانا اكثر من الانتصارات .لو جرت مراجعات ومصالحات قبل ذلك ما وصلت الأمور لما هي عليه الحال من سوء الحال،وعليه إن لم تحدث المصالحة الآن فستكون أكثر صعوبة مستقبلا لأن واقع الانقسام يولد ديناميات تعززه ويُوجد مبررات لشرعنته.

 

إذن،محطات كثيرة كانت تستوجب التوقف عندها وعمل مراجعة إستراتيجية ولو حدث ذلك ما تفاقمت الأزمة ووصلت إلى ما هي عليه اليوم.ويمكن سرد اهم المحطات التي كانت تستوجب المراجعة والمصالحة :-

 

1-      كان من المفروض أن تكون وقفة المراجعة والمصالحة في منتصف مايو 1999 عندما انتهت المرحلة الانتقالية للحكم الذاتي دون دفع إسرائيل ما عليها من استحقاقات بموجب اتفاقية أوسلو التي تقول بأن مدة سلطة الحكم الذاتي خمس سنوات بعدها تبدأ مفاوضات الوضع النهائي التي ستؤدي لإنهاء الاحتلال،آنذاك كان من المفروض أن يتم الإعلان عن تجسيد قيام الدولة،ولكن التحذيرات بل والتهديدات التي انهالت على الرئيس أبو عمار دفعته للتراجع عن قرار كان سيتخذه بهذا الشأن ،وللأسف فإن التحذيرات والضغوطات جاءت من دول عربية  وخصوصا مصر وليس فقط من إسرائيل وواشنطن.

 

2-      وكان يُفترض أن تحدث المراجعة الإستراتيجية بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية عندما تم تهديد الرئيس أبو عمار إن لم يوقع على ما عرضه عليه الأمريكيون والإسرائيليون،ولكن أبو عمار لجأ لمراجعة بطريقته الخاصة وبغياب إستراتيجية وطنية ونقصد بذلك انتفاضة الأقصى ،وحركة حماس استغلت أزمة السلطة لتعزز من وجودها السياسي والعسكري وتهيء نفسها لتحل محل السلطة بدلا من مد يدها للرئيس أبو عمار وتدعمه في صموده.

 

3-      كان من الممكن أن تحدث المراجعة والمصالحة عندما بدات الانتفاضة تدخل في نفق مظلم وخطير بعد عامها الاول ،فبدلا من أن تشكل انتفاضة الأقصى منطلقا لمراجعة تؤسس لحالة نضالية جديدة فاقمت من أزمة النظام السياسي عندما تحولت لحالة من الفوضى والفلتان الأمني،وانتهت الانتفاضة بالانقسام دون أن ينعيها احد،لقد جرى مع انتفاضة الأقصى ما جرى مع انتفاضة 1987،هذه الأخيرة أنتهت بتوقيع اتفاقات أوسلو أو كانت نتيجتها تسوية أوسلو!،وأنتفاضة الأقصى أنتهت بالإنقسام.فهل كانت الانتفاضتان عفويتين أم موجهتين ومخطط لهما؟إن كانتا عفويتين فيمكن تفهم ما جرى لهما وبالتالي لا نحمل القيادات السياسية مسؤولية مآلهما ولكن القيادات والفصائل تقول بأن الانتفاضتين كانتا موجهتين من قبلهما ،معنى هذا أن الفصائل وخصوصا حركتا فتح وحماس وجهتا أو وظفتا الجماهير المنتفضة لهذه النهاية ،حركة فتح وجهت انتفاضة 1987  لتمرير نهج التسوية وتوقيع اتفاقية أوسلو ،وحركة حماس وجهت انتفاضة الأقصى للانقلاب على النظام السياسي ولتسيطر على قطاع غزة.

 

4-      وكانت المراجعة واجبة عندما اقتحم الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية في أوج انتفاضة الأقصى في مارس 2002 ومحاصرة الرئيس بالمقاطعة وهي محاصرة شاركت فيها الأنظمة العربية عندما حالت بينه وبين مخاطبة شعبه والعرب والعالم عبر الهاتف أثناء القمة العربية في بيروت،بل وحوصر الرئيس ونهجه من أطراف فلسطينية أيضا.

 

5-      وكانت المراجعة واجبة عندما قامت إسرائيل باغتيال الرئيس أبو عمار بالسم في نوفمبر 2004 ومن شاركوا في اغتياله كانوا على رأس مشيعيه،وبعد ذلك اغتالت قيادات حركة حماس وعلى رأسهم الشيخ ياسين ،آنذاك لم يفهم الطرفان بأن الكل الفلسطيني مستهدف:القائلون بالسلام والتسوية السلمية والقائلون بالمقاومة.

 

6-      كما كانت المراجعة الإستراتيجية واجبة عندما عم الانفلات الأمني مناطق السلطة خلال عامي 2005 و2006 ثم حدث الانقسام والحرب الأهليةوكُسرت قاعدة أو مبدأ (الدم الفلسطيني على الفلسطيني حرام ) وأصبح قتل الفلسطيني الآخر واجبا دينيا !.

 

7-     وكانت المراجعة والمصالحة واجبة بعد العدوان الأخير على غزة،فهذا العدوان الذي دمر وقتل الاف المواطنين في ظل عجز فصائل المقاومة في غزة والوقوف موقف المتفرج للفصائل والسلطة في الضفة ،فهذا العدوان بدلا من أن يدفع الطرفين للمراجعة ،تشبت كل طرف بمواقفه واستمر في مكابرته ،حيث تحدثت  حركة حماس وما تزال تتحدث عن النصر المكين وترفض أية مراجعة لما جرى،وفي نفس الوقت تخرج اصوات من الضفة لا تخلو من نبرة شماتة لما جرى في القطاع.

 

8-      و كانت المراجعة واجبة عندما قامت إسرائيل بأكبر عمليات استيطان في الضفة وتهويد القدس خلال العام الجاري.

 

9-      واليوم أصبحت المراجعة والمصالحة ضرورة حياتية للشعب الفلسطيني وحتى للنخب الحاكمة في الضفة وغزة بعد أن وصل خيار التسوية السلمية لطريق مسدود وكذا خيار المقاومة ،وأصبحت الحالة السياسية تعيش ضعفا و تيها سياسيا يفتحا الطريق لكل الخيارات غير الوطنية.

 

 لو جرت مراجعات دورية ولو جرت مصالحة  بعد أية من المحطات المشار إليها وخصوصا في المراحل الأولى لكان من الممكن تدارك الوضع وما كان وصل الحال لهذا المأزق المعمم،.هذا لا يعني أن المصالحة عليها حل كل القضايا العالقة دفعة واحدة بل يمكنها البدء بقضايا عاجلة وملحة يساعد حلها على خلق أجواء ثقة تمهد للانتقال للقضايا الأكثر تعقيدا .واليوم نحذر من أن يكون الحديث عن العودة للمفاوضات اعتمادا على وعود امريكية بمبادرة جديدة وورقة ضمانات للفلسطينيين،محاولة لتأخير المصالحة ،والخشية الأكبر ان تؤسس المبادرة الأمريكية الجديدة على واقع فصل غزة عن الضفة،وإعادة ربط غزة بمصر وما سيتبقى من الضفة بالأردن.