خبر حققوا قبل أن تصدّقوا – فهمي هويدي

الساعة 07:26 ص|11 يناير 2010

حققوا قبل أن تصدّقوا – فهمي هويدي

تجاهل وسائل الإعلام المصرية معلومات مثيرة خرجت من غزة خلال اليومين الماضيين، تتعلق بملابسات قتل مجند حرس الحدود المصري أحمد شعبان، أثناء الاشتباك والتراشق الذي حدث عند معبر رفح يوم الأربعاء 6-1، قبل دخول قافلة «شريان الحياة» إلى القطاع،

 

تقول تلك المعلومات إن تحقيقات وزارة الداخلية في غزة خلصت إلى أن قتل الجندي تم برصاص مصري، نتيجة خطأ في التصويب ارتكبه جندي آخر في حرس الحدود كان مرابطا في أحد الأبراج.

استندت معلومات جهة التحقيق إلى مجموعة من المعلومات والشهادات التي ستعلن في مؤتمر صحافي خلال 24 ساعة، أفادت بما يلي:

 

ــ أن المتظاهرين على الجانب الفلسطيني لم يثبت أن أحدا منهم حمل سلاحا، ولكنهم كانوا قد تجمعوا عند بوابة صلاح الدين في مهرجان خطابي صبيحة يوم الأربعاء. وفي الدقائق العشر الأخيرة منه اندفعت مجموعة من الفتية تتراوح أعمارهم بين 10 و16 سنة نحو السور الفاصل وراحوا يرشقون الجنود المصريين بالحجارة.

 

ــ في الوقت ذاته تسلق صبي عمره 14 سنة السور واستطاع الوصول إلى أعلى برج الحراسة، وقام بتعليق علم حماس عليه.

 

ــ حين لمحه أحد الجنود المصريين المرابطين في برج آخر فإنه أطلق نحوه عدة رصاصات، فقفز على الأرض وفر هاربا، في حين أن اثنتين منها أصابت الجندي أحمد شعبان الذي خر صريعا.

 

ــ في الوقت ذاته كان الفتية الفلسطينيون يرشقون الجنود المصريين، الذين ردوا عليهم بإطلاق الرصاص، الأمر الذي أدى إلى إصابة عشرة منهم، اثنان إصابتهما خطرة هما

جمال السميري «16 سنة» الذي أصيب بالشلل الرباعي لأن رصاصة اخترقت صدره واستقرت في عموده الفقري،

وعبدالله عيسى «11 سنة» الذي أصيب في رأسه

والاثنان يرقدان في العناية المركزة بمستشفى خان يونس.

أما الباقون فقد كانت إصاباتهم أخف، لم تتجاوز الأيدي والأكتاف والأقدام.

 

ــ استند التحقيق الذي أجري حول الحادث إلى تقرير لوكيل وزارة الصحة المساعد في مستشفى شمال العريش (طبيب مصري) الذي قرر أن إصابة الجندي المصري أحمد شعبان كانت في الظهر وليس الصدر، بمعنى أنها جاءت من خلفه وليس من المتظاهرين الذين كان يتابعهم من البرج.

 

هذه المعلومات إذا صحت فإنها تقلب تماما الصورة التي سارع الإعلام المصري إلى نقلها، واستندت إليها التصريحات الرسمية التي تناثرت في اتجاهات عدة، ودعت إلى تسليم «القناص» الفلسطيني لمحاكمته في مصر، وأنذرت وتوعدت بالرد،

حتى أكدت أنه لن يكون هناك كلام أو سلام مع حماس إلا إذا استجابت للطلبات المصرية.

 

لست أدعو إلى التسليم بهذه المعلومات لكني أدعو إلى التحقيق فيها، ليس بالضرورة لإدانة هذا الطرف أو ذاك، ولكن للتصرف في أي اتجاه استنادا إلى الحقائق وليس إلى الشائعات والانطباعات المتعجلة،

 

أدري أن هناك أطرافا عدة، لها مصلحة في تبني الرواية التي عممها الإعلام المصري، وبنى عليها استنتاجات وصلت إلى حد التصريح بإمكانية إعلان الحرب على غزة، إلا أنني أزعم أن التصرف المسؤول من جانب الدولة المصرية يقتضي بناء المواقف على أساس من المعلومات الموثقة التي تطمئن إلى صحتها،

ليس فقط لأن ذلك هو الوضع الطبيعي الذي لا يحتاج إلى تزكية، ولكن أيضا لأنه لا مصلحة لمصر في أن تبني علاقاتها مع قطاع غزة على أساس الأكاذيب والشائعات، خصوصا أن كسب غزة بحماس أو بغيرها يظل جزءا من مقتضيات حماية الأمن القومي المصري، الذي ينال منه إن يشيع العداوات والمرارات مع الجيران.

 

أدري أن تغيير رواية قتل الجندي يمكن أن يقلب سيناريوهات كثيرة، ويحبط أطرافا عدة،

لكني أزعم أن ثمة مصالح عليا تتجاوز كل تلك الحسابات، تقتضي تحري الأمر بمنتهى الشفافية والنزاهة،

وذلك لن يتأتى إلا إذا عمدت مصر إلى التحقيق فيما جرى، ليكون لكل حادث حديث.