خبر « ســد » للحياة... و « جــدار » للموت ..معن بشور

الساعة 07:49 م|09 يناير 2010

"ســد" للحياة... و "جــدار" للموت ..معن بشور

 

9/1/2010

 

 في مثل هذه الايام قبل خمسين عاماً انطلق بناء السد العالي على ارض مصر  كرمز لارادة شعبها وكفاحه واستقلاله وتضحيات ابنائه، وكرد وطنى وقومي على محاولات واشنطن والصهاينة اذلال مصر والامة العربية.

 

وبعد خمسين عاماً، وفي الايام ذاتها، تدنس ارض مصر عمليات بناء الجدار الفولاذي لاستكمال الحصار الاجرامي على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، وفي رضوخ معيب لاملاءات واشنطن والصهاينة وحلفائها الرامية الى عزل مصر عن فلسطين، بل عن نفسها ودورها وتاريخها وتراثها وأمنها القومي.

 

في مثل هذه الايام قبل نصف قرن اطلق جمال عبد الناصر مشروعاً تاريخياً لفتح شريانً جديدً للحياة امام شعب مصر ولضمان امن مصر المائي، وتنمية مواردها التي هي اساس استقلال  ارادتها وقرارها، وبعد نصف قرن تجري على ارض مصر مشاريع لاغلاق شريان الحياة عن اهل غزة، والسماح لعدو مصر والامة باستباحة شعب فلسطين ومحاصرته وسلب ارادته الوطنية.

 

بل في ايامنا هذه تشهد مصر في العريش ورفح، كما في نجع حمادي، حدثين بالغي الخطورة على مستقبل مصر وعروبتها ووحدتها، فتزامن في يوم واحد صدامات مؤلمة بين قوات الامن المصرية مع ابناء فلسطين من اهل غزة في رفح، كما مع المتضامنين الاجانب الذين جاءوا من اصقاع الدنيا للدفاع عن حقوق الانسان والشعوب، مع احداث فتنة طائفية اليمة بين ابناء وطن واحد كانوا دوماً الرمز الاسطع للوحدة الوطنية على مدى قرون...

 

فهل هي الصدفة وحدها هي التي جمعت بين الواقعتين المؤلمتين أم ان هناك علاقة عضوية بينهما تترجم معادلة تاريخية لم تخطئ قوانينها يوماً وهي انه كلما ابتعدنا عن مواجهة الاعداء والوطن  كلما اقتربنا من جحيم الفتنة والاحتراب، بل ما من مرة اقترب قائد او زعيم او حزب او حكومة من فلسطين إلا واعتز، وكلما ابتعد عنها اهتز...

 

وليس غريباً ان يتساءل مواطن مصري في احد البرامج التلفزيونية عن سبب غياب الفتنة الطائفية عن مصر في عهد جمال عبد الناصر، وعن سبب انتشارها وتجولها من محافظة الى أخرى بعد رحيل القائد الخالد...

 

كما انه ليس غريباً ان يتساءل كل مواطن مصري وعربي اليوم أيضاً، هل كان ممكنا ان يحصل ما حصل في رفح العريش ونجع حمادي قبل ايام لو كان جمال عبد الناصر او نهجه حاكماً في مصر، بل هل كان يمكن ان يكون الحصار على غزة موجوداً اصلاً، وقبله العدوان المتواصل على كل فلسطين والعراق ولبنان...

 

السد والجدار عنوانان لمرحلتين متناقضتين من تاريخ مصر.. الاول قام فوق الارض ليمنح الحياة للناس والآخر يحفر تحت الارض ليمنع الحياة عنهم، الاول يرمز الى كل معاني العزة والكرامة والنماء والآخر ينتمي الى كل اشكال الذل والاستخذاء والهوان...

 

سد يفتح الافاق امام مصر وامتها، جدار يغلق الانفاق التي باتت المعبر الوحيد لاحتياجات شعب محاصر منذ سنوات، بل عقود...

 

من يعرف مصر يدرك انه من قلب حصار الفلوجة في اراضي غزة خرجت ثورة يوليو كفكرة في رأس الضابط المحاصر جمال عبد الناصر، لتتحول الى حركة للضباط الاحرار، فثورة تعيد لمصر دورها في امتها والعالم، وتصون امنها في وجه اعدائها الاقربين والابعدين، وبالتالي فان من يعرف مصر جيداً  يثق انه من قلب معركة الحصار على غزة لا بد ان تجري في مصر مراجعة تاريخية كبرى تعيد للبلد العظيم ألقه ودوره، وتستعيد روح ثورته المجيدة، ثورة 23 يوليو، ونهجها ومبادءها.

 

قبل 53 عاماً ونيف جاء رئيس حكومة بريطانيا انطوني ايدن الى مصر غازياً ومعه غي موليه رئيس وزراء فرنسا، ومجرمو الحروب الصهاينة، فاندحر عدوانه على ثغورها، وفي المقدمة بورسعيد، واليوم يأتي الى غزة عبر فلسطين النائب البريطاني جورج غالاواي ومعه العديد من احرار العالم في قافلة شريان الحياة -3-، ويأتي ايضاً من باريس ومدن اوروبا المئات من شرفاء العالم تحت رايات " الحرية لغزة" وتخرج من لندن وعواصم اخرى مذكرات اعتقال بحق مجرمي الحرب الصهاينة،  فتكتب مرحلة تاريخية جديدة في صراعنا مع اعداء ظنوا انهم اذا نجحوا في اخضاع حكام المنطقة فهم قادرون على اسكات ضمير العالم...

 

سد مصر باقٍ، اما جدارهم وحصارهم فسائران حتما الى زوال ... فكلما اشتدت حلكة الليل بانت خيوط الصبح.. ان الصبح ليس ببعيد بإذن الله...