خبر وقف التنسيق الأمني: دراسة حالة.... هاني المصري

الساعة 12:01 م|09 يناير 2010

وقف التنسيق الأمني: دراسة حالة.... هاني المصري

بعد إعلان القيادة الفلسطينية عن وصول المفاوضات الى طريق مسدود، ورفضها استئنافها الى أن يتم تجميد الاستيطان وتحديد مرجعية واضحة لعملية السلام عادت الى التداول فكرة وقف التنسيق الأمني باعتبارها من أهم الخطوات التي يمكن أن يقدم عليها الفلسطينيون رداً على التعنت الإسرائيلي وعلى إفشال كافة الجهود والمبادرات العربية والدولية الرامية الى حل الصراع، وعلى المضي في تطبيق المخططات الإسرائيلية العدوانية والتوسعية والاستيطانية والعنصرية.

 

منذ توقيع اتفاق أوسلو دافعت القيادة الفلسطينية عن التنسيق الأمني باعتباره جزءاً من الالتزامات المتبادلة المترتبة على هذا الاتفاق، وأن إلغاءها من طرف واحد يضر بالمصلحة الفلسطينية، ويساعد إسرائيل في مساعيها لتحميل الفلسطينيين المسؤولية عن استمرار الصراع وعدم التوصل الى اتفاق سلام.

 

بعد فشل قمة كامب ديفيد عام 2000 انهار التنسيق الأمني كإحدى النتائج المباشرة للمواجهة الشاملة الفلسطينية ـ الإسرائيلية. وبدلاً عن التنسيق الأمني وجدنا أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية ينخرطون بنشاط في الانتفاضة والمقاومة المسلحة، ما أدى الى استشهاد وجرح واعتقال الآلاف منهم.

 

بعد أن طرحت اللجنة الرباعية الدولية خارطة الطريق في عام 2003، والتي هي خطة أمنية بالأساس عاد التنسيق الأمني بشكل أقوى من السابق وخصوصاً بعد الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني عام 2007، بحيث عادت الاجتماعات والدوريات المشتركة وتبادل المعلومات وكل أشكال التنسيق الأمني، ما حدا بإسرائيل وخاصة قادتها وقادة جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية الى الإشادة، ولأول مرة، بالتعاون الأمني الفلسطيني مع إسرائيل، بدون أن يمنع ذلك احتفاظ قوات الاحتلال بحقها بالتدخل العسكري في مناطق السلطة كلما رأت ذلك مناسباً.

 

مؤخراً، وفي تطور لافت، قال أبو مازن إنه سيعيد النظر بالتنسيق الأمني إذا استمرت الاجتياحات والاغتيالات الإسرائيلية، وذلك بعد عملية التصفية الجبانة التي نفذتها قوات الاحتلال في نابلس، والتي سببت أذى وحرجاً كبيرين للسلطة التي ظهرت عاجزة وهي لم تحرك ساكناً، ولم تستطع الدفاع عن المواطنين الفلسطينيين، ما أدى الى هتافات ضدها في جنازة المناضلين الثلاثة، التي شارك بها آلاف المواطنين.

 

السؤال هو: هل تصريح أبو مازن مجرد ردة فعل ناجمة عن حالة غضب سرعان ما تنتهي؟ أو أن الموضوع فعلاً قيد الدراسة والبحث؟

 

إذا لم يكن كذلك يجب أن يكون، لأنه ليس هناك معنى للحديث عن وقف المفاوضات وحده في ظل استمرار التنسيق الأمني. ولا معنى للاكتفاء بالتهديد بالإعلان عن عدم رغبة أبو مازن بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة.

 

طبعاً نعرف تماماً أنه بسبب الاحتلال هناك أشكال متعددة مفروضة من التنسيق الفلسطيني ــ الإسرائيلي لتأمين الأمور الحياتية وهذا أمر يمكن تفهمه واستمراره.

 

الأمر الطبيعي جداً أنه لا معنى للحديث عن مجابهة الاحتلال والمقاومة الشعبية ومقاطعة الاستيطان وإقامة مؤسسات الدولة رغماً عن الاحتلال في ظل استمرار التنسيق الأمني، فمن يريد أن (حتى ولو كانت مقاومة شعبية) يقاوم لا ينسق أمنياً مع الطرف المفترض أن يقاومه. وحتى يصدق الشعب أن السلطة معنية فعلاً بالمقاومة الشعبية عليها أن توقف التنسيق الأمني.

 

ولا معنى للحديث عن خطوات أحادية فلسطينية من جانب واحد، مثل البناء في الأراضي المصنفة "ج"، وبناء مطار... الخ .. في ظل استمرار التنسيق الأمني.

فلن يصدق أحد السلطة ويأخذها على محمل الجد ما لم تقم بوقف التنسيق الأمني، وخصوصاً أن إسرائيل لم تلتزم بتطبيق الالتزامات الواردة عليها في خارطة الطريق في الوقت الذي التزم فيه الجانب الفلسطيني بجميع التزاماته.

 

طبعا إن قراراً بحجم وقف التنسيق الأمني ليس خطوة سهلة بل يجب دارستها قبل الاقدام عليها من أجل اختيار التوقيت والشكل المناسب، والاستعداد للردود الإسرائيلية المحتملة.

 

فاتخاذ خطوة بهذا الحجم سترد عليها إسرائيل، التي لا يعقل أن تقف مكتوفة اليدين، وهذا ينطبق على كل شيء آخر، مع أن الرد الإسرائيلي من الصعب أن يصل الى حد دفع الأمور الى حد انهيار السلطة، فإسرائيل باتت معنية بوجود سلطة، وإذا كانت غير موجودة ستخلقها، حتى تواجه الخطر الديمغرافي الفلسطيني، وحتى تمنع قيام دولة واحدة.

صحيح أنها تريد سلطة عميلة ولكنها تريد سلطة.

 

وهناك رد إسرائيلي على المقاومة الشعبية وبناء مؤسسات الدولة والبناء في مناطق "ج" ومقاطعة بضائع المستوطنات إذا قامت السلطة بتنفيذها ولم تتعامل معها كخطوات رمزية تستهدف الضغط التكتيكي على إسرائيل لكي تعطي للسلطة انجازاً سياسياً يمكنها من استئناف المفاوضات.

 

وهناك شيء في منتهى الأهمية، يجب أن نأخذه بالحسبان، وهو الرد الأميركي والدولي والعربي، وهو لا يمكن أن يكون معارضاً لخطوة فلسطينية إذا اتخذت في وقت وشكل مناسبين. فالفلسطينيون ليسوا في وضع يحتملون فيه عزلة دولية ناجمة عن تحميلهم المسؤولية. فـ"ما فيهم يكفيهم".

 

كما أن هناك تداعيات محتملة لخطوة بهذا الحجم قد تؤدي الى مواجهة شاملة مع الاحتلال وإلغاء اتفاق اوسلو وملحقاته والالتزامات المترتبة عليه وعلى رأسها المرحلة الانتقالية، التي يفترض أنها انتهت منذ عام 1999 ويتم تمديدها باستمرار بدون إعلان ولا تحديد سقف زمني.

 

إن وقف التنسيق الأمني إذا تم اتخاذه الآن في ذروة النشاطات والتحركات الدولية والعربية لاستئناف المفاوضات، وفي ظل استمرار الانقسام وتفاقمه، وتدهور العلاقات المصرية ــ الحمساوية الى مستويات لم تشهدها من قبل، يمكن أن يؤدي الى تحميل الفلسطينيين المسؤولية عن فشل المفاوضات وعملية التسوية رغم أن الاحتلال وتعنت الحكومات الإسرائيلية، هو الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا المصير البائس لما يسمى عملية السلام، لذا يمكن تأخير هذه الخطوة لبعض الوقت حتى تستنزف التحركات الدولية أغراضها خلال مدة محددة قصيرة.

 

كما يمكن أن تقود مثل هذه الخطوة الى تدهور الوضع الفلسطيني نحو إعادة حالة الفوضى والفلتان الأمني التي ستكون موجهة هذه المرة داخلياً فقط، وليس مثلما كانت سابقاً حين كانت موجهة ضد الاحتلال، بدليل المقاومة الموجعة لإسرائيل، وعانى منها الفلسطينيون ايضاً، الى أن وصلنا إلى وضع بقيت فيه المعاناة الفلسطينية وتم تعليق المقاومة حتى إشعار آخر.

 

الآن إسرائيل لا تخشى من عودة المقاومة المسلحة لأن لديها جدار الفصل العنصري، ولديها مزايا الانقسام الفلسطيني، ولديها قوة الردع التي حققتها نسبياً بعد حرب غزة الأخيرة ، كما انها تراهن على استمرار تنافس الأطراف الفلسطينية المتنازعة مع بعضها على التهدئة مع إسرائيل.

 

تأسيساً على ما سبق، لا يمكن اتخاذ خطوة بحجم وقف التنسيق الأمني، وهي خطوة أكثر من ضرورية إلا في سياق بلورة استراتيجية جديدة وبديلة متكاملة، لا تكتفي بإعلان وقف المفاوضات، وإنما تطرح أسساً ومتطلبات لعملية السلام ولاستئناف المفاوضات تتجاوز تلك المطروحة حتى الآن. فلا يكفي تجميد الاستيطان وتحديد مرجعية لعملية السلام، وإنما المطلوب التزام إسرائيلي، وليس دولياً وأميركياً فقط، بأن المفاوضات تستهدف إنهاء الاحتلال وتطبيق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة خلال جدول زمني قصير، وليس التفاوض حولها إلى الأبد.

 

كما تطرح وتنفذ مقاومة شعبية شاملة، ومقاطعة حقيقية للاستيطان عملاً وتعاملاً وتجارة، وتعزيز مقومات الصمود، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية التي لها بديل محلي، وملاحقة إسرائيل دولياً على جرائمها.

 

ولا بد أن تعطي الاستراتيجية الجديدة الأولوية لاستعادة البرنامج الوطني وإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة وإعادة البعدين العربي والدولي للقضية الفلسطينية.

 

إن أي خطوة كبيرة من نوع وقف التنسيق الأمني في ظل استمرار الانقسام ستكون إسرائيل قادرة على توظيفها لصالحها واستخدامها كذريعة للتنصل من استحقاقات عملية السلام والتزامات إسرائيل فيها. لذلك لا بد من البدء بإنهاء الانقسام.

 

وعندما يحين الوقت المناسب، الذي لن يأتي وحده، بل يجب العمل من اجل حصوله يمكن ان تطبق خطوة وقف التنسيق بصورة عقلانية ومسؤولة، من خلال الإعلان عن تمسك الجانب الفلسطيني بمبدأ التبادلية. فإذا طبقت إسرائيل التزاماتها يطبق التزاماته. إن إسرائيل منذ توقيع اتفاق اوسلو، وبصورة أكثر وضوحاً منذ اغتيال اسحق رابين، تجاوزت الالتزامات الإسرائيلية في اتفاق اوسلو، ولم تقم بإلغائه حتى يجوز لها ان تفرض على الفلسطينيين الاستمرار بتطبيق التزاماتهم من جانب واحد، وهذا أمر يمس بحقوقهم ومصالحهم ويهدد كرامتهم . فاتفاق اوسلو تجاوزته اسرائيل منذ زمن، والمطلوب الآن أن يتجاوزه الفلسطينيون!!