خبر في مسألة هبوط الأمة ..أيمن خالد

الساعة 04:34 م|08 يناير 2010

في مسألة هبوط الأمة ..أيمن خالد

 

نحن أمة لم تشكلنا ثقافة محلية الصنع جاءت بالتوالي أو عبر سلسلة تاريخية دخلت فيها الخرافة والمجد والتاريخ والحروب والقصة والسرد وغير ذلك من سجلات الأمم الشفوية، وإنما نحن حالة خاصة شكلها القران الكريم، وبالتالي نحن امة معلقة بهذا الكتاب، فلم نتشكل من خرافة، ولم تصنعنا ثقافات سابقة، والقرآن بالطبع، ليس صناعة بشرية، وما جاء به صحيح أنه الفطرة الإنسانية، غير أن الإنسان عودنا انه يعيش مع شهوته، ويقاوم ويعادي فطرته ما لم يجد ضابطا عاما يردعه، كخوف من عقاب، أو نزول مكانة وغيره.

 

 وهذه بالضبط ظلت نقطة اهتمام العرب بالجانب الأخلاقي، فحافظوا إلى حد ما على نمط من الأخلاق لكنه لم يكن كافيا لصناعة امة، تتسم بسمات معينة، وبالتالي ظلت حياة العرب تحمل تناقضات غريبة، شأنها شأن كل الأمم، التي تعيش الأسطورة إلى جوار الحياة،  فتراها تميل هنا وتميل هناك، وظلت دائما هذه الأساطير تكبر مع الأمم، حتى تقودها إلى الهلاك، ولعل اغرب ما في تاريخ الأمم، أنها كلما عظمت واشتد عودها تقترب أكثر من الأساطير، وهذه الأساطير بالطبع، هي التي تعجل نهاية الأمم أو انحسارها، فمساحة الوهم هذه، تراها بين نفوس البشر عجيبة للغاية، لأن الإنسان فيها يرى ما لا يراه في الحقيقية، لكنها تأسره وتكون طريق الهلاك.

 

نحن أمة مختلفة عن كل الأمم، فنحن أمة تعيش في جاهلية مطلقة، تعبد الأوثان، ويمكن أن يلخصها الشاعر بقوله(وما أنا إلا من غزيه إن غوت غويت وان ترشد غزيه ارشد ) وبالتالي ظلت القبيلة الإطار الضيق الصغير هي الحاكم الناهي بمفردها، وهذا الإطار الضيق لا يستطيع رؤية مصلحة تشاركية عامة، وهو يبحث عن المرئي الصغير أمامه، وهو ما يحيط القبيلة من كل صوب من عدو وغيره، ومن منافع تستطيع استثمارها، بمعنى ان ما تراه عين زعيم القبيلة هو ما يمكنها ان تتداول فيه، وليس هناك افق واسع  يرى ما وراء القبيلة.

 

الإسلام ليس ظاهرة بشرية، فهو رسالة خاصة لكنه ليس لأمة خاصة، وبالتالي حيثما يجده الناس ينتفعون به، وحجم الاستفادة منه ليس محصورا على امة او بشر بعينهم، فقد نجح فيه غير العرب، كما نجح فيه العرب، وذروة مجد الأمة التي تعتنق الإسلام، تجد انها كلما ابتعدت عن الأسطورة دخلت سلم المجد، ويبدأ الانهيار عندما تنكسر عرى الإسلام وانكسارها موضح في الحديث النبوي الشريف انه انكسار عروة الحكم، وولادة الأثرة التي تجعل الناس يستأثر هذا بهذا، وهذا بذاك، وعندما تسقط عروة الحكم هذه يدخل الفساد مع الأثرة التي تجلب حول الحاكم فئة من الناس تجعل الحاكم اعمى لا يرى الا هم، وبالتالي  يصبح الحاكم لا يرى ما وراء حدود القصر، شانه شان شيخ القبيلة الذي يرى فقط حدود قبيلته، وهكذا ندخل في حياة واوهام القبيلة، في ظل الدولة التي تكون تتمتع بالمجد.

 

ما يميز العرب عن غيرهم، انهم لم يشكلوا امة قبل الإسلام، وبالتالي هم الأمة الوحيدة التي تشكلت وليس فيها مساحة للخرافة والوهم، لأن الإسلام هو الذي شكل هذه الأمة، وهم قبله مجرد قبائل لم يصلوا الى مستوى الحضارة، وما تمتعوا به من اخلاق فهذه لا تكفي لصناعة امة، وهي مسائل نسبية، فالأمة التي ترفع الظلم عن المستجير بها وتعقد حلف الفضول هي التي تئد البنات في أبشع ظلم عرفته البشرية. هنا بالضبط أريد ان أقول اننا امة معلقة، مشروطة، أي نحن امة بوجود الاسلام، ونحن بغير الاسلام نفقد تسميتنا، ولا نعود أمة، وهذا الشرط ربما يكون غريبا، وهو كيف تفقد الامة سماتها وحتى لا يصبح اسمها امة، ؟؟ من وجهة نظري هذا صحيح، فنحن امة اكتسبنا هذه السمة اكتسابا باعتناقنا منهجا معينا جاهزا لم يصنعه بشر، وليس حكرا على بشر، وبمجرد اعتناقنا له اكتسبنا دورنا بين الامم واصبحنا امة، وبمجرد تخلينا عنه لا نعود  امة وبالتالي ان هذا المكون الثقافي لنا الذي هو الاسلام، هو الذي صنع منا امة، لكننا لا نستطيع ان نكون امة بدونه، وهي الامة الوحيدة التي اكرر، انها بلا خرافة، وثقافتها جاهزة، هي ثقافة جاءت بمحض الوحي، لا دور للبشر فيها سوى الاتباع.

 

الامم يشكلها التاريخ والعادات والخرافة وسلسلة طويلة من البشر، وفكرة امة اسمها الاسلام يشكلها الاسلام على خلاف تلك المعادلة، ونحن كعرب، الاسلام هو الذي شكلنا وليس سواه، وبلاه نعود (لسنا امة) ولا نحمل ملامح امة.

 

هنا نأتي لموضوع الهبوط في الامة، فهو اختياري وليس بسبب ظروف تحيط بالامة من خارجها، فالاسلام لا يستيطع الهبوط، وهو دين لا يقبل الهزيمة، ولكن الامة بمجرد ان تعيش هاجس السلطة ووهم الكرسي، فهي تخرج من اطار الامة الكبيرة الى اطار االقبيلة الصغيرة، وتبدا بالتفكير بعقل القبيلة وهذا العقل لا يناسب دينا عظيما، فمحدودية الرؤية وصناعة الامة وقواها ضمن دائرة ضيقة لا تحمي امة كبيرة، التي بالطبع ستنحدر وهنا لا نقول ان الامة انحدرت او هبطت، بل هي علاقة شخصية بهذا العالم من الافكار، فهي تترك طواعية ثقافتها وتستخدم ثقافة مختلفة، يسودها هوس وشهوة الحكم والسلطة، على حساب اصول المكون الثقافي للامة الذي هو الاسلام، فنصل الى الحضيض بمجرد ركوبنا في سفينة افكار جديدة، فالاسلام سفينة، لا تستطيع ان تجذف فيها كما تريد لتصل الى ما تريد.

 

السؤال هنا، هو كيف نكون مرة امة، ومرة لا نصبح امة، والاجابة بسيطة وسهلة، وهي ان المكون الثقافي لنا يذهب وياتي، فنحن مرة مسلمون، ومرة اخرى مجرد انقاض امة تتلاطم بها الامواج، وبالتالي فالقول والحديث باسم الامة يصح في لحظة معينة، وهي لحظة رضوخ الامة واستجابتها وانصياعها للمكون الثقافي الذي اتى بها أو ان هذه الأمة تعود تماما قبيلة تائهة في الصحراء، وهل نحن غير هذه الصورة اليوم؟؟؟

 

يبقى ان مالك بن نبي المفكر الجزائري العظيم، كان قد اشار في كتاباته حول قابلية الامة للاستعمار، ولا اظن ان مالك بن نبي رحمه الله كان يريد ان يشير الى الاسلام باي حال، لكنه استخدم صفة امة وهذا الاستخدام جعل اغلب المفكرين يعيدون طرح النص مقلوبا، بقصد ان يشيروا ان امتنا العربية تملك استعدادا لقبول الهزيمة، وبقصد القول ان الامر انتهى فحسب، لذلك فالرؤية الصحية من وجهة نظري، هي ان هذه الامة تفقد اسمها وصفاتها بمجرد تخليها عن مكونها الثقافي الذي هو الاسلام، وهذا بالطبع يضعنا في مواجهة فكرية مع اصحاب الثقافة المستوردة، وحتى لا ننتقل الى نقاش اخر، فالثقافة المستوردة وجيش المثقفين من المحيط الى الخليج، لم يشكلوا في الامة حالة ثابتة، ولا يستطيعون تشكيل أي حالة بالمطلق من الجانب النظري، وهم لا يشيرون سوى الى تجارب نظرية او سياسية وهم يريدون اعادة انتاج وعي الامة وفق خيال نظري لا يصح تطبيقا بسبب الجذور العميقة للاسلام في الافراد، الذين يفقدون دورهم بحكم فقدان الامة لدورها بفعل الساسة.

 

ايضا هناك في الاطار الاسلامي مشكلة، فالتجارب الاسلامية الحزبية هي تجارب تقليدية لانماط ثقافية وحزبية سائدة خارج نمط سير الامة، وهو ما نكرره دائما ان الاحزاب الاسلامية استخدمت ادوات الخياطة والجراحة ذاتها المستخدمة في غيرها من الاحزاب، غير انها فقط تؤدي طقوس الاسلام، وبما ان الاسلام حياة كاملة، فلا يمكن ان تكون هناك نهضة بما هو مجزأ هنا وهناك.

 

هذه الامة بطبيعة الحال تهبط سريعا بمجرد تخليها عن مكونها، وتنهض سريعا بمجرد ان تعود الى مكونها الثقافي، لذلك فنهوض الامة ليس صحيحا انه بحاجة الى اجيال طويلة ولا بحاجة الى أساتذة يعيدون تربية الامة، هذه الامة تنهض بمجرد ان تدرك موقعها وهذا الإدراك مسؤول عن تأخره، ليس الحكام وحدهم، ولكن جيش المثقفين، وجيوش الحركات الاسلامية اللاهثة وراء شهوة الحكم، ولا يريدون ان يروا ان يروا ان ما يوحد الامة ويعيد اليها بهجة ثقافتها.

 

نحن نعيش وهم  المرئي الصغير أمامنا ولا نريد أن نعيش بعقل وتفكير الأمة، وعلى الاقل لا يزال الاسلام كمنهج بمعزل عن انظمتنا السياسية والحزبية، ولا نزال نعيش هاجس الولاء الضيق على حساب الانتماء الكبير.