خبر التشويش هو الرسالة..هآرتس

الساعة 12:11 م|08 يناير 2010

بقلم: ألوف بن

ليس لطيفا أن يكون المرء براك اوباما في أواخر السنة الاولى من ولايته. الاستطلاعات في الحضيض. سناتورات وحاكم ديمقراطيون يعلنون عن اعتزالهم، قبيل الضربة التي من المتوقع ان يتلقاها حزبهم في الانتخابات المقتربة للكونغرس. المقالات الاجمالية تصف خيبة أمل: وعدت بتغيير العالم، وواصلت طريق جورج بوش.

المحلل طوني كرون كتب هذا الاسبوع في مجلة "تايم" ان السياسة الخارجية لاوباما تذكر بسائق قطار وليس بسائق سيارة. وكتب كرون يقول "في القطار يمكن السيطرة على السرعة وليس على الاتجاه" واظهر كيف أن اوباما يسافر على السكة التي وضعها سلفه. ريتشارد كوهين كتب في "واشنطن بوست" بان ليس لاوباما هدف او ايديولوجيا؛ هو يسعى فقط الى الانجاز الشخصي. جدعون رحمان وصف في "فايننشل تايمز" كيف ان زعماء القوى العظمى الصاعدة – الصين، الهند، البرازيل، تركيا وجنوب افريقيا – أهانوا اوباما في مؤتمر كوبنهاغن.

في سنته الاولى في البيت الابيض أقر اوباما الاصلاح في الجهاز الصحي الامريكي، وصعد الحرب في افغانستان. وسارت امريكا بتعثر في خروجها من الازمة الاقتصادية، ولكن البطالة لا تزال عالية. في السياسة الخارجية، وعد اوباما ولم يفِ. طالبان والقاعدة رفعا الرأس في الباكستان، افغانستان والان في اليمن ايضا؛ ايران وكوريا الشمالية تواصلان برامجهما النووية والصاروخية؛ الصين وروسيا غير مكترثتين؛ الاسرائيليون والفلسطينيون في حالة حرد، والسجن في غوانتينامو لا يزال مفتوحا.

محاولة العملية في الرحلة الى ديترويت اوضحت لاوباما بان الارهاب الاسلامي يقاتل ضد امريكا وليس فقط ضد بوش. خطابات اوباما المتصالحة مع العرب والمسلمين لم تقنع بن لادن وجنوده بالاعتزال. مؤتمر كوبنهاغن الذي جاء ليرمز الى نهاية الانعزالية والوقاحة لدى بوش وبداية عصر الاخوة العالمية انتهى بلا شيء.

القاسم المشترك في كل اخفاقات اوباما هو أنه في كل واحدة من هذه الساحات سمعه العالم، لم يتأثر وواصل انشغالاته مثلما في السابق. ماذا حصل؟ هل وصلنا الى "نهاية التاريخ" في الجدال من هو أهم، الزعيم أم الظروف؟ هل عصر الزعماء العظام وصل الى نهايته، ومن الان فصاعدا لا تقرر الا المصالح وموازين القوى؟

نظرة في المحيط تظهر ان اوباما ليس وحيدا. من الصعب ان نجد اليوم زعيما واحدا يجرف الجماهير او يرمز الى فكرة. براون ومارتيل يبعثان على السأم، ساركوزي مسرحي، برلسكوني فضائحي، بوتين مخيف، هو جنتاو تكنوقراط. وحتى احمدي نجاد وشفيس ممن كشرا في وجه امريكا، فقدا سحرهما. الاول يتورط في تزييف الانتخابات والثاني كف عن ان يثير الاهتمام بعد ان ذهب بوش. ولعل هذه ببساطة هي روح العصر، والانترنت قتلت نجم التلفزيون؟

رغم الاخفاقات ورغم الضعف المتعاظم لامريكا في الساحة الدولية  لم تنهض قوة عظمى منافسة واوباما لا يزال يعتبر زعيم العالم. ولكن زعامته تعاني من مشاكل. قبل كل شيء، انعدام التجربة: اوباما دخل البيت الابيض بعد سنوات قليلة في مجلس الشيوخ وصفر في سجله في الشؤون الدولية. ووجد هذا تعبيره في النتائج: انجازه الاكبر كان في التشريع الصحي، واخفاقاته – في السياسة الخارجية.

الخلل الثاني لدى اوباما كان في تشويش الرسالة. الحملة الرئاسية التي ادارها كانت دقيقة، مصداقة وجارفة. فقد وعد "بالتغيير" ورمز اليه بلون جلدته، بتاريخه الشخصي وبتوجهه الى الجماهير عبر الانترنت. ولكن مرشح في الانتخابات لا يدير شيئا؛ وهو يختبر بالانضباط وبالحفاظ على الرسالة. أما الزعيم الذي يشغل منصبه فيتعين عليه أن يفي، ان يدير منظومات كبيرة وان يساوم. لا يكفي الاحاديث عن "الحوار" بل ينبغي أيضا ان يكون هناك ما يقال. اوباما تسلم المنصب مع رسالة "انا لست بوش"، والتي بدت في البداية مقنعة بما فيه الكفاية. ولكن بعد بضعة اشهر، الذكريات السيئة من عهد سلفه تشوشت واوباما لم يجد لنفسه علما جديدا.

من الصعب ايجاد صلة منطقية بين تصريحات وقرارات اوباما، وهذا يجعل من الصعب على الادارة تجنيد التأييد لسياستها. لا غرو أن معدل "الراضين جدا" من الرئيس هبط من 44 في المائة غداة ادائه اليمين، الى 29 في المائة يوم الاربعاء من هذا الاسبوع وتعزز معدل "غير الراضين جدا" من 16 في المائة الى 39 في المائة (حسب المتابعة اليومية "ريسموسن ريبورتس"). التحول من فائض المؤيدين الى فائض المعارضين سجل في منتصف هذا العام، في 23 حزيران. ولكن المشكلة الاشد لاوباما تكمن في شخصيته. الرئيس في افضل أحواله وهو على المنصة، يتلو الخطابات من الشاشة المزدوجة. محللون شاركوا في الاستعراض معه، قبيل البيان عن تعزيز القوات في افغانستان رووا بان في الغرفة المغلقة ايضا يتحدث اوباما وكأنه يقرأ من الشاشة يحول رأسه يمينا ويسارا بوتيرة ما. يبدو أنه بحاجة الى الفاصل التكنولوجي الذي يعزله عن البشر الاخرين. وهكذا اكثر راحة له. عندنا اعتدنا على أن ليس لدى اوباما كيمياء مع رئيس الوزراء نتنياهو وعلقنا العلاقات السيئة بينهما على سلوك اسرائيل التي تبني في المستوطنات وتسكن اليهود في شرقي القدس. ولكن لا يوجد لاوباما كيمياء ايضا مع زعماء آخرين، ليس مثل جيمي كارتر الذي عشق انور السادات ولم يطق مناحيم بيغن، لم نسمع عن الصداقة الرائعة لاوباما مع أي زعيم عربي. فهو لا يفضل ابو مازن على نتنياهو ولا يتصاحب مع الرئيس مبارك والملك السعودي.

وخارج الشرق الاوسط ايضا لم نسمع عن اصدقاء لاوباما. اين الربط الوثيق الذي كان لطوني بلير مع بيل كلينتون وبوش؟ متى رأينا اوباما مرتاحا مع براون، ساركوزي او أي زعيم من آسيا؟ العشاء الرئاسي الذي اجراه اوباما لرئيس الوزراء الهندي سيذكر بسبب الاحداث الثلاثة التي اثقلت على الامن واحتفلت في الحفلة. اما المضامين السياسية لزيارته فقد نسيت.

العلاقات بين الدول تعتمد على المصالح وليس على الكيمياء بين الزعماء. كلينتون عظيم السحر لم ينجح في صنع السلام بين اسرائيل وسوريا وبين باراك وعرفات. ولكن حتى في السياسة العالمية، مثلما في السياسة المحلية، العلاقات الشخصية تساعد في تجنيد التأييد وتخفيف الخلافات. من يرفع الهاتف في الاعياد وفي ايام الميلاد، يحصل على اذن صاغية على الاقل واهتمام عند الضائقة. اوباما لم ينجح، ولعله لم يحاول ايضا، ان يقرب نظرائه اليه. فقد سافر في العالم اكثر من أي رئيس امريكي آخر في سنته الاولى، ولكن زياراته بدت كرفع علم على الخريطة وليس كبداية صداقة. وقد بقي خلف شاشة الخطاب، خطيب كفؤ وبعيد، يجد صعوبة في الاخذ والعطاء الشخصي.

النتائج البشعة لسياسة اوباما في سنته الاولى تؤدي الى الاستنتاج بان للزعماء والزعامة اهمية ايضا في العصر الرقمي. الظروف والمصالح هامة، بل وحاسمة ولكن القرارات يتخذها اناس مع نوازع ونقاط ضعف. ومن يؤمن بالحوار، مثل اوباما، ملزم بان يعمل على الذكاء الحسي والاجتماعي كي يحقق النتائج.