خبر البدء من النهاية..هآرتس

الساعة 12:09 م|08 يناير 2010

بقلم: يوئيل ماركوس

عدة مرات في الاسابيع الاخيرة وصلت الى القدس برقيات تهديد من البيت الابيض. فقد نقل قنصلنا على لسان اكثر المستشارين قربا من الرئيس، رام عمانويل انه قال ان اوباما تعب من اسرائيل ومن الفلسطينيين على حد سواء. أنتم تضيعون وقتا باهظا وتفوتون الفرص للوصول الى السلام. ستكون هناك مرحلة نرفع فيها ببساطة ايدينا، نكف عن الانشغال في هذا النزاع الذي لا ينتهي ونترككم وحدكم.

هذه التحذيرات المقلقة انعكست ايضا في مقال توماس فريدمان الذي اقترح فيه على الرئيس اوباما سحب يديه من التدخل الذي كان في نزاعنا والسير في طريق وزير الخارجية جيمس بيكر الذي اقترح في حينه على زعماء اسرائيل انهم اذا كانوا يرغبون في الحديث معه فان رقم هاتف البيت الابيض هو كذا وكذا. شيء يبدو كنصيحة للرئيس لتركنا ننضج في مرقنا ذاته.

ليس واضحا من يغذي من، ولكن لا ريب في أن هذه الاقوال تدل على ميل احباط وغيظ. مجرد حقيقة انهم يضعونا نحن "حلفاؤهم الكبار" في صف واحد مع الفلسطينيين، من مولدي الارهاب في المنطقة تلمح بان الايام الحميمية والعلاقات الخاصة في خطر. ولكن خلافا لما بدا في حينه، خطاب اوباما في جامعة القاهرة، الذي اعتبر في حينه كاختراق وكمبادرة عالمية لاقامة سلام في منطقتنا – يظهر في هذه الاثناء كهواء ساخن. كما أن خطاب بار ايلان لنتنياهو كان مصنوعا هو الاخر من ذات القماشة. هواء ساخن ورذاذ هواء ساخن. والهواء الساخن لن ينتج شيئا حين يصل ارهاب القاعدة مرة اخرى الى أمريكا نفسها. شيء هو اعطاء نصائح لدولة خلف البحر، وشيء آخر نصح الحكومة يسيطر فيها الرئيس.

بالتوازي، تستعد اسرائيل نفسها لمعركة كبيرة حين ستوزع قريبا كمامات الغاز على معظم السكان وهذا الاسبوع ستجرى مناورة دفاع كبرى ضد عملية بيولوجية. ولا سيما في التجمعات السكانية في الوسط، في تل أبيب والمحيط. القاسم المشترك بين الدولتين هو ان كلتيهما صرفا الانتباه الى الدفاع عن النفس حيال الحروب المستقبلية بدلا من السلام المنشود لاوباما.

وكمن رافق كمراسل "هآرتس" في واشنطن محادثات السلام مع مصر، فكرت غير مرة كيف أن بالذات دولتين سفكتا كثيرا من الدم في الحروب بينهما، توصلتا الى السلام بل وبرئاسة مناحيم بيغن رئيس حيروت المتطرف وانور السادات. الجواب غير الصافي هو أن محادثات السلام بدأت عمليا من النهاية. فعندما فهم الطرفان بانه بعد هذا القدر الكبير من الحروب فان أيا منهما لن يكسب منها اكثر مما في الحوار. في لقاء سري عقده موشيه دايان في المغرب مع المستشار القريب من السادات، سمح له بالفهم بانه مقابل السلام سيحصل الرئيس المصري على كل ما احتل. دايان كان متحمسا جدا للوصول الى تسوية بحيث أنه اقنع في حينه بيغن بالموافقة على الحديث في كل شيء، بما في ذلك ذكر القدس. بيغن تردد، دايان اقنعه: "ما هي المفاوضات؟ هو سيطلب وانا سأرفض، نحن نعرض وهو سيرفض". من اللحظة التي تقرر فيها مبدئيا بان الهدف النهائي هو الوصول الى السلام، دارت مفاوضات على مدى نحو سنتين الى أن وقعت معاهدة السلام. ادارة بوش هرعت لاعداد كل الوثائق والبدائل المحتملة كي يخرج من كامب ديفيد اتفاق مبادىء. ماذا سنفعل بمستوطنات بتحات رفيح، سأل عيزر وايزمن السادات. من ناحيتي احرقوها، قال. لعناية اولئك الذين يحلمون بابقاء مستوطنات تحت سيادة فلسطينية. مصر لم تحظى فقط بالمكانة بل وبمساعدة امريكية سنوية سخية. بدون تدخل عميق كهذا من امريكا هل كان يمكن تحقيق سلام دائم كهذا؟ ليس مؤكدا. السادات وبيغن حصلا في حينه على جائزة نوبل للسلام. بالمقابل، اوباما حصل على الجائزة كمقدمة استنادا الى الكلام فقط.    لا يوجد أي منفعة في التسويات المؤقتة التي لا تؤدي الى هدف نهائي معروف مسبقا. خطوة مثل تجميد البناء في المستوطنات لعشرة اشهر هي مثل الاسبرين لمريض السرطان. ومع أنه لا يوجد شبه بين التسوية مع الفلسطينيين وبين التسوية مع دولة مثل مصر، فانه ضروري البدء من النهاية.الفلسطينيون يتصرفون وكأن لديهم كل الوقت الذي في العالم. وهم يدعون بانهم كانوا هنا قبلنا، منوط الامر بكم من الوقت الى الوراء يحصون. هناك من يؤمن بان الوحيد عندنا في هذا الوقت القادر على التنازل عن مناطق ونقل مستوطنين هو بنيامين نتنياهو الذي على نحو يشبه بيغن سيتمتع بتأييد مكثف اذا ما قدم تنازلات مقابل السلام. ولكن لن يتحرك شيء بدون خطة امريكية، بدون دفع مكثف، وربما مفروض، من جانب اوباما. دوما خشينا من حل مفروض ولكن من شبه اليقين ان هناك مخاطر اكبر من ذلك: استمرار الارهاب وانتصار الرحم الفلسطيني. بدلا من ان يبث لنا التعب والغضب من الافضل للرئيس اوباما ان يبادر الى اقتراح جسر او تحكيم ملزم لتحقيق سلام وحدود دائمة بين الشعبين.