خبر رنين الخلاص .. معاريف

الساعة 12:25 م|06 يناير 2010

بقلم: شمعون أفيرغن

المحامي خالد دسوقي (40 سنة) من قرية المكر في الشمال، شخصية معروفة جدا في السجون الامنية في اسرائيل. فهو منذ سنين كثيرة يمثل سجناء أمنيين، بعضهم من كبار مسؤولي حماس في قطاع غزة يقضون عقوبات سجن طويلة لمسهم بمواطنين وجنود اسرائيليين.

قبل 5 اشهر ونصف أتى المحامي دسوقي لزيارة أربعة سجناء من حماس مسجونين في سجن كتسيعوت في النقب. وصل غرفة اللقاء في السجن حيث انتظره احد السجناء. في أوج الزيارة نقل المحامي الدسوقي الى السجين ثلاثة أجهزة هاتف محمول من الجيل الثالث مشتملة على بطاقات ذاكرة (سيم)، ملفوفة بورقة لمنع ملاحظتها.

أنكر الدسوقي في أثناء التحقيق معه نقل الهواتف المحمولة الى رجل حماس. وزعم ان التفتيش الشديد الذي جرى عليه في مدخل السجن يبرهن على ذلك. "فتشني السجانون في مدخل السجن ولم يجدوا شيئا، فكيف تزعمون أنني هربت هواتف محمولة الى سجين أمني؟"، تساءل. لكن لسوء حظ المحامي المخلص، وثقت عدسات تصوير الأمن في السجن نقل الهواتف واعتقل في المكان.

اعتقل المحامي الدسوقي للتحقيق معه في محطة شرطة ديمونا، وعندما عرض محققو المحطة عليه صور الأمن التي توثق فعله صعب عليه ان يثبت للمناظر الصعبة. لم يرد في الثواني الاخيرة، وبعد ذلك شعر بالسوء وطلب الى رجال الشرطة ان يستدعوا له سيارة اسعاف.

قدمت النيابة العامة في منطقة الجنوب الى المحكمة اللوائية في بئر السبع لائحة اتهام شديدة جدا على المحامي الدسوقي الذي نسب اليه من جملة ما نسب مخالفات تآمر على تنفيذ جريمته، وخدمة منظمة ارهابية ومخالفة حظر نقل أشياء الى السجناء.

طلبت النيابة العامة منع المحامي الدسوقي زيارة سجناء في سجون في  اسرائيل حتى انقضاء الاجراءات القانونية معه، خوف ان يكرر فعله. قبل القاضي يورام تسالكوفنك اخيرا موقف النيابة العامة وقرر ان المحامي الدسوقي استغل مكانته كمحام لتهريب أجهزة هاتف، مع استغلاله الثقة التي حصل عليها من السجانين، وان افعاله مس بأمن الدولة.

"المدعى عليه استغل مكانته كمحام لتهريب اجهزة هاتف، ان المخالفة في ذاتها لم تأت للاحسان الى موكل المدعى عليه بل كانت مخالفة للامن"، ذكر القاضي في قراره. وقال ان المحامي الدسوقي جاز الخطوط، ويوجد خوف من أنه اذا سمح له بلقاء سجناء أمنيين فانه قد يكرر افاعيله.

بغير زيارات

في سنين مضت هرب مئات الهواتف الخلوية كل سنة الى سجون في اسرائيل. استطاع رؤساء المنظمات الارهابية المسجونون في اسرائيل بواسطة بعض هذه الهواتف ان يأمروا جنودهم في قطاع غزة بالخروج في عمليات، وان يوجهوهم في تركيب حزام ناسف وسيارات متفجرة.

"كان  تهريب هاتف خلوي لمخربين في السجن آنذاك أمرا معتادا"، يقول ضابط رفيع المستوى في مصلحة السجون، "كان المهرب يحصل على عدة آلاف من الشواقل عن  التهريب في افضل الحالات. لكن منذ أدخلت آلات كشف بالاشعة الى السجون وتقنيات جديدة لتبين هواتف خلوية، زادت كمية ما ضبط بمئات النسب المئوية وانخفض التهريب".

في اطار محاربة الارهاب نجحت مصلحة السجون والشاباك في احباط حالات تهريب كثيرة لهواتف محمولة الى السجون بل أقاموا منشآت خاصة للتشويش على المكالمات الهاتفية الخلوية داخل مواقع السجن. لكن الان خاصة – في حين ينتظرون في  اسرائيل او في قطاع غزة بتوتر تقدم الصفقة لاطلاق الجندي الاسير جلعاد شليت، يبلغون في جهاز الامن عن زيادة كبيرة لمقدار محاولات التهريب، وعن ارتفاع حاد للثمن الذي يستعد السجناء الامنيون لدفعه عن كل جهاز. "علمت معاريف انه منذ الانباء المنشورة التي قالت ان صفقة شليت دخلت مجال سيرها الاخير، اصبح كل سجين أمني تقريبا يحاول الحصول على هاتف خلوي. وهكذا يحاول السجناء انشاء علاقة بمتخذي القرارات في حماس في غزة كي يشملوا اسماءهم في الصفقة. الحديث في الاساس عن سجناء أمنيين، وعن مخربين كبار من قيادة حماس والجهاد الاسلامي ومنظمات اخرى، اكثرهم من سكان قطاع غزة ممن لا يحظون منذ اختطاف شليت بزيارات عائلاتهم.

في مقابلة ذلك استعملت مصلحة السجون في الفترة الاخيرة أجهزة فحص متطورة جدا تنجح في اكثر المرات في منع تهريب هواتف خلوية، والتفتيشات التي تجري على الزوار للسجون اصبحت اكثر تشددا. برغم ذلك يوجد في سجن كتسيعوت، وهداريم، وعوفر ونفحتة سجناء أمنيون معهم هواتف خلوية يتصلون بمحاميهم وبكبار مسؤولي حماس في القطاع لادخالهم في قائمة السجناء الذين سيستبدلون بشليت.

"يتصل بي سجناء في عدد من السجون الأمنية والسرية عدة مرات في الشهر. انهم في ضغط، ويريدون ان يدخلوهم في صفقة شليت"، هذا ما كشف عنه لنا محام يمثل عددا من مخربي حماس يحاكمون في اسرائيل، "لا يريد السجناء الامنيون من غزة أن ينسوهم وأن يتركوهم يتعفنون في السجن سنين طويلة، فهم لذلك يفعلون كل شيء ليهربوا اليهم هواتف خلوية والثمن يلائم ذلك. الهاتف الخلوي اليوم في هذا السجن هو اكسجين السجناء الأمنيين فهو أهم عندهم من الطعام ومن كل شيء آخر".

ان الحاجة الى هاتف خلوي عند أسرى أمنيين قبيل صفقة شليت سببت زيادة ثمن تهريبه الى السجن بمئات الدرجات المئوية. يشارك الجميع في هذا الاحتفال، عشرات المحامين، وأبناء العائلات من الضفة الغربية الذين يستعملون حتى الاطفال، والحفاظات والاولاد لتهريب الاجهزة الى السجناء.

ارتفع ثمن تهريب هاتف خلوي الى سجين أمني من عشرة آلاف شيكل قبل نحو من سنة الى 30 حتى 50 الف شيكل اليوم، ويتوقع ان يرتفع الثمن نحو تقدم الصفقة. وارتفع ثمن بطاقة الذاكرة (سيم) من خمسة الاف شيكل الى عشرة الاف شيكل. "ثمن الهاتف الخلوي المهرب سيرتفع ويرتفع كلما أخذت صفقة شليت تقترب من تحقيقها"، كما قدر مصدر في جهاز الأمن، "يريد جميع السجناء ان يكونوا جزءا من الصفقة، وهم يدركون ان هذه فرصة ذهبية وانها شيء لن يكرر في السنين القريبة. لا يريدون ان يتعفنوا في السجن سنين طويلة. ولا تعدو الطرق ان تتطور".

على حسب معطيات افراد وحدة نحشون في مصلحة السجون، الذين وكل اليهم الحراسة في السجون ومصاحبة المعتقلين، ضبط في السنة الاخيرة عشرات الهواتف الخلوية التي كانت في زنازين سجناء أمنيين او في طريقها اليهم، ونحو من مائة بطاقة ذاكرة. والتقدير ان عشرات أخرى من الاجهزة هربت الى سجناء أمنيين بواسطة محاميهم ولم تضبط. "لا يمكن الاغلاق المحكم لتهريب الهواتف الخلوية الى السجون، نحن نبذل افضل استطاعتنا وخلافا للماضي تضاءلت كمية التهريبات"، كما ذكر مسؤول رفيع المستوى في مصلحة السجون.

المحامون مشتبه فيهم

ليس المحامي الدسوقي وحده. فبحسب الشبهة يشارك محامون آخرون في  تهريب ا لهواتف الخلوية الى مخربين في السجون المختلفة ولا سيما في جنوبي البلاد. قررت الشرطة ومصلحة السجون في المدة الاخيرة منع اربعة محامين قدماء زيارة سجناء أمنيين في السجون مدة ثلاثة اشهر بحجة وجود معلومات عن مشاركتهم في تهريب هواتف محمولة. في القريب سيدخل محامون آخرون القائمة السوداء، وذلك بعد أن اصبح ضباط الاستخبارات في مصلحة السجون يشتبهون فيهم انهم كانوا مشاركون في تهريب هواتف خلوية ولفافات مكتوبة بالرموز الى سجناء أمنيين.

"لن توجد عندنا هوادة في هذا الشأن"، بين ضابط رفيع المستوى في مصلحة السجون في جنوبي البلاد، "اذا وجدت معلومات عن محام ما فانه لن يدخل ليزور السجن بعد ذلك وهذا قاطع لا لبس فيه. أمن الدولة فوق كل شيء. أصبحت تفتيشات أجسام المحامين الذين يأتون السجون الأمنية في الاشهر الاخيرة اكثر تشديدا بل بلغت حد التدسس. خلصنا الى استنتاج ان غير قليل منهم يستغلون مكانتهم ليهربوا بأساليب محكمة لا ننجح دائما في الكشف عنها ويحصلون كما يبدو عوض ذلك على مال من عائلات السجناء".

اعتقل الشاباك والجيش الاسرائيلي سجينا أمنيا من سكان الخليل في نحو الاربعين من عمره في المدة الاخيرة مشتبها فيه انه كان مشاركا في شراء سلاح في قصد الى تنفيذ عمليات. بين التحقيق معه في الشرطة انه عندما كان معتقلا في سجن كتسيعوت بسبب جنايات أمنية شديدة، هرب اليه محام جهاز هاتف خلوي اتصل بواسطته من السجن بتجار سلاح في الخليل، وساعدوه على اقامة مستودع ذخيرة كبير. أبلغ السجين عن اسم المحامي الذي هرب اليه بحسب الشبهة الهاتف الخلوي وستحقق معه الشرطة قريبا.

يوجد ايضا محامون يعانون من الوضع الحالي. لم يكن السجانون في الماضي غير البعيد يجرون تفتيشات لاجسام المحامين الذين أتوا لزيارة سجناء أمنيين في السجن، تقريبا. طلب اليهم في الاكثر ان يتركوا هاتفهم الخلوي في المدخل. "من المؤسف اننا نعاني بسبب قلة من المحامين غير المسؤولين، لانهم يعلموننا على أننا نتعاون مع منظمات ارهابية. ليس من اللذيذ دخول السجن للزيارة وأن تشعر أنك مشتبه فيك"، يقول محام شاب يتعامل مع سجناء أمنيين.