خبر لضبط سلاح المخيمات:عباس يقترح اللواء الفلسطيني والفصائل بلبنان تفضل « الكفاح » معدلاً

الساعة 08:08 ص|05 يناير 2010

فلسطين اليوم-وكالات

إذا كان هناك من يحاول فلسطينياً ولبنانياً، إيجاد ضوابط للمخيمات، فإن ملف السلاح الفلسطيني في لبنان، سيكون بطبيعة الحال أحد أبرز ملفات السنة الجديدة، لاعتبارات متعددة، أولها، ان استمرار مناخ التهدئة الداخلية سيؤدي إلى انخفاض منسوب التوتر السياسي، وثانيها، أن ذلك سيؤدي سياسياً إلى تقدم الملفات غير اللبنانية، مثل الملف الفلسطيني وملف الإرهاب، وثالثها، وهو الأهم، إذا كان هناك من يريد أن يلعب بالأمن، كما هي العادة، فيمكن أن يجد ضالته تحت العنوان الفلسطيني.

وكشفت التطورات الأخيرة، وأبرزها الانفجار في أحد مقرات "حماس" في الضاحية الجنوبية، ذريعة جديدة لمن يريد تسديد فواتير مجانية للخارج علماً بأن المسؤولين عن الأمر يقرون بحصول خلل ما، ليس مألوفاً، ما سيرتب نتائج جديدة على منظومة تعامل حزب الله مع مجموعة قوى فلسطينية تعيش في ظل التغطية الأمنية للحزب.

قبل أكثر من ثلاثة شهور، طلب مرجع رسمي لبناني عالي المستوى، لقاءً عاجلاً بالقيادي في "حماس" أسامة حمدان. اعتقد الأخير أن الأمر يتصل بما يجري من مشاورات، على خط المصالحة المتعثرة، في القاهرة.

سأل حمدان المسؤول اللبناني "هل هناك شيء محدد تود طرحه علينا"؟

أجاب المسؤول اللبناني "ما مدى صحة ما يشاع حول نيتكم السيطرة عسكرياً على كل المخيمات"؟

رد حمدان "نحن لسنا في هذا الوارد وأصلاً لسنا قوة مؤهلة عسكرياً للحسم أو للدخول في صراع على أي من مخيمات لبنان. نعم حضورنا السياسي والشعبي يتعزز وهو صار أفضل بكثير بعد حرب غزة. لكن قبل الحرب وبعدها، خيارنا حصر السلاح المقاوم في الداخل، ولذلك كل ما تطرحونه من هواجس ليس هو الموضوع، بل من يعمل على زرع مثل هذه الهواجس وهذه ليست المرة الأولى، ونصيحتي إليكم أن تدققوا في ما يرد إليكم من معلومات بهذا الصدد، مصدرها رام الله وليس السفارة في بيروت".

هناك رواية ثانية، متصلة بظاهرة إطلاق الصواريخ المشبوهة من الجنوب اللبناني باتجاه شمال فلسطين المحتلة، وآخرها صواريخ حولا في قضاء مرجعيون. صار قياديو "الفصائل"، وتحديداً حركة "حماس" في لبنان، ينتظرون مثل هذه المناسبة، لكي تظهر على شاشات هواتفهم الخلوية أرقام لبنانية معروفة بالأسماء وبالأسئلة تحاول التقصي عن المسؤوليات، ودائماً تصلها الأجوبة السلبية ذاتها: "أنتم تعلمون إننا لا نملك في لبنان أكثر من السلاح الفردي.. فكيف بالصواريخ.. ولكن في كل الأحوال كنا نأمل لو أنكم اتصلتم قبل ذلك للتضامن مع إخواننا المقاومين في فلسطين".

وثمة واقعة ثالثة، مفادها أن مجموعات أصولية متطرفة من "القاعدة" و"فتح الإسلام" وغيرها، تتخذ من المخيمات الفلسطينية في لبنان، وتحديداً مخيم عين الحلوة، مأوى للتحضير والتدريب والانطلاق في أعمال إرهابية تتجاوز الساحة اللبنانية إلى سوريا والعراق وأحيانا أفغانستان وباكستان، فضلاً عن تعاملها مع ساحة (جنوب الليطاني)، باعتبارها ساحة مغرية للانخراط في "الجهاد".

وإذا تم التعامل بجدية مع اعترافات عشرات الموقوفين من عناصر "فتح الإسلام" ممن ستبدأ محاكمتهم هذا العام في قاعات سيتم تخصيصها لهم بالقرب من سجن رومية، فإننا أمام واقع لا يمكن القفز فوقه أو التعامي عنه نظراً لمردوده السلبي على الأمن الوطني اللبناني وعمقه السـوري و"الدولي" (اليونيفيل).

المشكلة في لبنان، أن لا مقاربة موحدة لهذا الملف. كل فريق له رؤيته للموضوع الفلسطيني. البعض يتمنى لـ"فتح" أن تمسك بزمام كل المخيمات وأن "تبيد" الإسلاميين. هناك من يتمنى العكس (...) البعض مسيحياً، موالياً أو معارضاً، لا يريد أن يسمع بكلمة فلسطيني ويغلف موقفه بتعبير عنصري "محاربة التوطين"، وهناك في لبنان من لا يزعجه استمرار الوضع الحالي، لأنه أفضل لمن يريد أن يستثمر ويقايض.

هذا الاختلاف في النظرة اللبنانية للواقع الفلسطيني، جعل البعض عشية حرب غزة"، يسعى إلى إقناع "حماس" بحمل السلاح في مخيمات لبنان، وهذه محاولة تكررت في الآونة الأخيرة، سواء بنية إيجابية هدفها توحيد المرجعية السياسية والأمنية في مخيمات لبنان، أو بنية الاستدراج للقتال الفلسطيني ـ الفلسطيني وأن تصبح "حماس" بقرار تشريع سلاحها في الخارج، على طريقة "فتح".

صراع على السلطة في فلسطين، يحاول كل طرف من أطرافه الإمساك بالجزء الأغلى ثمناً في الخارج: فلسطينيو الشتات، ربطاً بملف اللاجئين وحق العودة، وأبرزهم الكتلة الموجودة في لبنان والتي لا تتجاوز الثلاثمئة ألف نسمة في أحسن الأحوال. وهي كتلة مسلحة ولها ما لها وعليها ما عليها، في التوازنات الفلسطينية واللبنانية والإقليمية.

في المخيمات، أيضاً، واقع يعكس إلى حد كبير الصراع على السلطة داخل حركة "فتح". تصدر التشكيلات من رام الله ثم تجمد. تعدل ثم تجمد. "النصوص الرئاسية" شيء والتوازنات والوقائع على الأرض في مخيمات لبنان شيء آخر. ويحاول الرئيس عباس صياغة واقع جديد في الأسابيع المقبلة، أملاً بوضع النقاط على حروف تنظيم أو دولة "فتح"، ولكنه قد يجد نفسه بدلاً من إقفال ملف، أمام واقع فتح ملف جديد يبدأ بتفجير الصراع داخل الحركة ويتمدد باتجاه انفجار أكبر على الصعيد الفلسطيني العام، إلا إذا برزت قوة دفع لنقل الصراع إلى ساحة أخرى مخافة أن يؤدي إضعاف "فتح" إلى تقوية موقع خصومها في المخيمات.

هنا يأتي دور سوريا، فهي كعادة حضورها، كما هي بنسب متفاوتة، في معظم الملفات اللبنانية، بالتأكيد هي صاحبة الصوت المرجح على مستوى الفصائل المناهضة للسلطة، تاريخياً وخاصة "القيادة العامة" و"فتح ـ الانتفاضة"، ولو أنها ترسـم مسافة متعمدة، تبعاً لحسابات لبنانية وفلسطينية وربما دولية.

واقترح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتشكيل لواء فلسطيني يتولى مسؤوليات الأمن في المخيمات، بالتنسيق مع الدولة اللبنانية، وقد رُفض الاقتراح لبنانياً كما من "الفصائل" الحليفة لدمشق، ولذلك تم تقديم طرح بديل، يتمثل في إعادة تشـكيل "الكفاح المسلح" الفلسطيني وتطعيمه بقوة رمزية من الإسـلاميين (حماس والجهاد) وباقي الفصائل المعارضة، وذلك بهدف نزع فتيل الأمن ومحاصرة الحالات الأصولية المستوردة التي تحول المخيمات أكياس رمل لمشاريع أكبر منها، كما هي حالة مخيم نهر البارد.

في انتظار البت بهذا أو ذاك، من الاقتراحات، يستمر التنافس بين التحصين والتفجير، إلا إذا برزت عناصر خارجية، سواء باتفاق دوحة فلسطيني أو بتفاهمات إقليمية تنعكس إيجاباً على الملف الفلسطيني في لبنان، وربما تسحب ذريعة من الذين يستخدمون خطاباً عنصرياً يومياً ضد الفلسطينيين ويحولون دون توفير الحد الأدنى من الظروف الحياتية والإنسانية والاجتماعية لأبناء المخيمات.