خبر سلام الحمية .. هآرتس

الساعة 10:29 ص|04 يناير 2010

بقلم: ألوف بن

العقد الماضي بدأ بأمل السلام وتميز بالحروب وخيبات الأمل. في 1 كانون الثاني 2000 وقفت اسرائيل على شفا اتفاق سلام مع سوريا.، وعلى مسافة بضعة اشهر من التسوية الدائمة مع الفلسطينيين. او هكذا على الاقل اتخذ الوضع صورته، مع الكثير من مؤتمرات السلام، جولات المحادثات ولقاءات القمم الدبلوماسية.

في نهاية صيف ذاك العام كل شيء انقلب رأسا على عقب. مسيرة السلام انهارت في القناتين، السورية والفلسطينية وبدلا منها اندلعت الانتفاضة الثانية التي استمرت اكثر من أربع سنوات وكلفت الاف القتلى الاسرائيليين والفلسطينيين. المبنى الرقيق لاتفاقات اوسلو، الذي اعتمد على التعاون بين اسرائيل والدولة على الطريق لياسر عرفات تفكك دون عودة. مبادرات السلام التي ظهرت على مدى العقد انتهت بلا شيء.

وبدلا من التوقع الخائب لـ "نهاية النزاع" طورت اسرائيل نموذجا جديدا يمكن تسميته "ببديل السلام" او "السلام الحمية". ففي ظل غياب اتفاقات سياسية تقرر ترتيبات امنية وتطبيق، المفهوم الجديد يعتمد على تحديد حدود تمنح اسرائيل شرعية دولية وعمل دفاع ذاتي. وبدلا من السيطرة على الارض، تردع اسرائيل اعدائها بالنار من بعيد بواسطة سلاح الجو. الردع بدلا من السلام.

معظم الوقت هدوء

انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان ومن قطاع غزة واكتشفت بان في الطرف الاخر ايضا يفضلون الردع على السلام. شبكة الصواريخ لدى حزب الله في الشمال ولدى حماس في الجنوب ترمي الى توازن قوة نار الجيش الاسرائيلي. مرتين خرجت اسرائيل الى حربين من حدودها الجديدة، في لبنان في 2006 وفي غزة في 2008، وفي ختام نهايتهما استقرت من جديد صيغة الردع المتبادل، "الدمار مقابل الدمار".

في القناة السورية دارت مسيرة مشابهة، ولكن بحذر أشد، ودون الثمن الفظيع بالقتلى، الجرحى، الدمار المادي والخراب الاقتصادي، الذي جبته الحربان الاخيرتان. سوريا سعت الى تعزيز الردع حيال اسرائيل ببناء مفاعل نووي بالسر وتسليح حزب الله. اسرائيل هاجمت المنشأة النووية في سوريا في 2007، وحسب مصادر أجنبية، أدارت نشاطات سرية متفرعة في الجانب السوري، كانت ذروتها تصفية مسؤولين كبار. وكان الدافع هو الحفاظ على الردع. السوريون لم يردوا على قصف المفاعل او على الاغتيارات في اراضيهم، وهكذا مُنعت حرب شاملة. "بديل السلام" في شكل الردع المتوتر، ترافقه اقوال السلام والتهديدات على التوالي ساد مرة اخرى حول "ستار البازلت" في الجولان.

مصمم المفهوم الاسرائيلي في "بديل السلام" هو ايهود باراك الذي بدأ العقد كرئيس للوزراء وأنهاه كوزير للدفاع. باراك فشل كسياسي: رغم انتصاره الساحق على بنيامين نتنياهو في انتخابات 1999، كانت ولايته كرئيس للوزراء هي الاقصر في تاريخ اسرائيل. واليوم يقف باراك على رأس حزب العمل المتقلص والمنشق، ويتلقى انتقادا شديدا على سلوكه الشخصي. يمكن تشبيهه بموشيه دايان، الاستراتيجي الرائد لاسرائيل في الجيل الماضي الذي لم ينجح في السياسة ووقع في خطيئة مطاردة النساء وسرق القطع الاثرية. ومثل دايان باراك هو الاخر يتميز كمثقف ولكن الضعيف في العمل الجماعي.

باراك انتخب لرئاسة الوزراء بعد أن وعد بالانسحاب من لبنان في غضون سنة. الانسحاب احادي الجانب خدمه كخطة اسناد، في حالة فشل المفاوضات مع سوريا. "نحن سنعرف ماذا سنفعل"، درج على الاجابة في حينه، حين سألوه ماذا سيفعل اذا لم يتحقق اتفاق. وبالفعل، بعد شهرين من جفاف القناة السورية، قاد باراك اسرائيل الى خارج لبنان ونال اعترافا دوليا بالحدود الجديدة.

في استراتيجية الردع يكمن تضارب: كي تنجح، فانها متعلقة بوجود عدو قوي ومسلح خلف الحدود. فلا يمكن ردع عصابات وعشائر مسلحة. فهذه ليس لديها "ذخائر" سلطوية وأمنية يمكن تهديدها. الانسحاب الاسرائيلي من لبنان، وبعد نحو خمس سنوات من غزة ساهم في تثبيت حزب الله وحماس كحكام في المناطق التي اخليت وكجيوش شبه نظامية تعتني بالسكان ايضا. وهكذا نشأ الطرف الثاني في معادلة الردع والذي يهدد اسرائيل بالمقذوفات الصاروخية ولكنه معظم الوقت يفرض الهدوء على الحدود ويحبط النار والهجمات من منظمات صغيرة وغير منضبطة.

فشل المفاوضات مع الفلسطينيين في كامب ديفيد ادى بباراك الى الاستنتاج بانه "لا يوجد شريك"، وهو ثابت منذئذ لدى المؤسسة السياسية والرأي العام في اسرائيل. وكبديل عن التسوية طور باراك استراتيجية مشابهة لما فعله في لبنان: "فصل". فقد فكر باراك بتعزيز السيطرة الاسرائيلية في الكتل الاستيطانية التي سعى الى ضمها في ظل الاستعداد لاخلاء المستوطنين خارج الكتل. ولكنه خسر في الانتخابات لارئيل شارون قبل أن يبدأ بتطبيق أفكاره.

القنبلة تضغط

شارون كان سياسيا – فنانا تمتع بشعبية قصوى وتميز بتحقيق أفكار  الاخرين. قراراه الكبيران، بناء جدل الفصل في الضفة الغربية وفك الارتباط عن قطاع غزة وقفا في خلاف مع مواقفه السابقة، وبموجب الاستراتيجية التي طورها باراك: فصل، تقليص الاحتكاك، تحسين المواقع وتجنيد الدعم الدولي. الجدار لم يحدد حدودا بل خلق مرحلة انتقالية، مثل المرآة من اتجاه واحد: الفلسطينيون لا يمكنهم ان ينتقلوا الى الطرف الاسرائيلي، في الوقت الذي تبقي فيه اسرائيل جيشها ومستوطناتها في الطرفين.

خليفة شارون، ايهود اولمرت تسلم مهامه بوعد بمواصلة الانسحاب احادي الجانب واعادة الانتشار خلف الجدار. فشله في لبنان  شكك بصلاحياته السياسية وفكرة "الانطواء" سحبت؛ اولمرت حاول بعد ذلك تحقيق نتيجة مشابهة في اتفاق مع الفلسطينيين، لم ينضج. حربا اولمرت في لبنان وفي غزة دارتا بموجب فهم طوره باراك منذ ان كان رئيسا للاركان في بداية التسعينيات. قصف  مواقع مأهولة بهدف خلق ضغط انساني يحرك نشاطا سياسيا ويؤدي الى اعادة الهدوء على الحدود. مشكلة اولمرت كانت أنه لم يعرف متى يتوقف وانجر من حملات مركزة الى استنزاف متواصل.

اليوم باراك يهمس في اذن نتنياهو، الذي عاد الى ولايته الثانية كسياسي مجرب موضع نفسه في الوسط وتمتع بدعم الجمهور. نتنياهو، مثل شارون ليس مبادرا. مريح له أكثر ان ينجر في اعقاب الاخرين. ومثل كل اسلافه، يكثر نتنياهو من الحديث عن السلام والتسوية الدائمة مع الفلسطينيين، ولكنه يبحث عن نموذج امني يقلص الضغط الدولي والتآكل في الدافعية الداخلية في اسرائيل. وبعد أن قضى 2009 بهدوء ودون قرارات صعبة، سيكون نتنياهو مطالبا بان يحسم في السنة القادمة اذا كان سيهاجم ايران، واذا كان سيستأنف البناء في المستوطنات وكيف سيعيد جلعاد شليت من الأسر. فهل سيستند مثل اسلافه، الى أفكار باراك، أم سيجد له مرشدا جديدا.