خبر يعرفون كل شيء .. هآرتس

الساعة 04:58 م|03 يناير 2010

بقلم: تسفي برئيل

ثلاثة أشخاص يحتفظون بالاحتكار على المعلومات: رئيس الموساد، رئيس المخابرات ورئيس شعبة الاستخبارات. في ايديهم توجد المعلومات الوحيدة ذات الصلة التي تعني الحكومة والمواطنين: كم من الامن يوجد لنا الان وكم سيكون لنا في المستقبل حيث أن لتعبير "الامن" يوجد تفسير واحد فقط: هل ستكون حرب؟ هل ستكون لايران قنبلة؟ وهل ستقع انتفاضة؟

هؤلاء الثلاثة يعرفون دوما الاجوبة. فعلى ذلك يتلقون رواتبهم وهم ليسوا خائبي الامل ابدا. فهل سمع احد ما رئيس المخابرات يقول ذات مرة انه لا يعرف اذا كانت ستقع انتفاضة؟ وان ليس لديه فكرة كيف أثرت "رصاص مصبوب" على حماس؟ هل رئيس شعبة الاستخبارات اعترف بان ليس لديه ما يكفي من المعطيات كي يخمن حتى كيف سيتصرف الفلسطينيون اذا ما حرر مروان البرغوثي من السجن؟ هل رئيس الموساد هز في أي مرة كتفيه حين طلب اليه ان يقول رأيه في المظاهرات في ايران؟ فهم يعرفون كل شيء، وهذا بالطبع يهدىء الروع.

ولكن كيف ينبغي التعاطي مثلا مع رئيس الموساد الذي قبل نصف سنة قال ان المظاهرات في ايران ستخبو في غضون بضعة ايام وان تزييف الانتخابات ليس اخطر منه في دول ديمقراطية اخرى؟ ما الذي ينبغي أن نفهمه من رئيس شعبة الاستخبارات حين قال في ايار 2008 في مقابلة مع "هآرتس" بانه اذا لم وقع اتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين فان "وضع السلطة ووضع أجهزتها الامنية سيجعل من الصعب عليها السيطرة على محافل الارهاب ويمنعها من القدرة على تطبيق التسوية في المستقبل المنظور". وماذا عن رئيس المخابرات؟ ذاك الجهاز الذي يعرف كيف يجد عنوان المطلوب والعثور على مستهدفي الاغتيال بالسرعة الجديرة بالثناء يبدو كمن تعلق قدميه بما يعرقلهما حين يكون مطالبا بان يوفر تقديرا اكثر شمولا. هذا الجهاز، مثل شعبة الاستخبارات، لم يتوقع ان تسيطر حماس على قطاع غزة، ولم يعتقدا بان هناك انتفاضة متوقعة في العام 2000، او في العام 1987، وهما لا يعرفان الان ايضا ما الذي سيحصل بالضبط. ولكنهم يتحدثون ولاصواتهم وزن أصوات أنبياء الحقيقة.

الاسبوع الماضي اطلقت نبوءة اخرى من النبوءات الموسمية. رئيس المخابرات يوفال ديسكن طلب اليه في لجنة الخارجية والامن أن يقرر اذا كانت ستقع انتفاضة ثالثة. رده مشوق في تلويه. من جهة، انتفاضة ثالثة هي ذات احتمالية متدنية، شرح ديسكن، من جهة اخرى فانها ستقع فقط ردا على احداث خطيرة. وما هذه مثل هذه الاحداث؟ مس بمسجد، تعيين مروان البرغوثي (رئيسا للسلطة الفلسطينية) او انعدام جدوى سياسية. فهل يعرف ديسكن بيقين بان غدا لن تضرم النار في مسجد آخر؟ هل يحتمل الا يحرر البرغوثي في صفقة شليت؟ واذا ما حرر، فهل بوسع شخص واحد أن يحدث انتفاضة؟ أوليس هناك أي تأثير على الواقع على الارض؟ وماذا عن تلك "الجدوى السياسية" فهل هي حقا قريبة لدرجة انها كفيلة بان تمنع انتفاضة؟ هل يدور الحديث عن شروط متراكمة، أي المسجد، البرغوثي والجمود السياسي كلها معا ام أنه يكفي عنصر واحد، لنفترض غياب الجدوى السياسية، كي يثير انتفاضة؟

النتيجة واحدة: بتقدير ديسكن، الذي يقول ان احتمال اندلاع انتفاضة جديدة متدنٍ، ليس له ما يستند اليه. يخيل أن لجنة الخارجية والامن كانت ستستفيد أكثر لو أنها دعت الى ذات البحث محمود عباس او البرغوثي. فمقابل ديسكن، لا حاجة لهما لان يخمنا ماذا سيكون. فهما اللذان سيكونان مسؤولين عما يحصل.

ولكن ديسكن، كما يبدو، تعلم كيف يكون سياسيا او على الاقل تعلم كيف يعرف كيف يلقي التهمة المستقبلية على الحافة الصحيحة. تحرير البرغوثي و "الجدوى السياسية" ليسا ضمن مسؤولياته، وهو لن يكون مسؤولا الا في حالة احراق مسجد.

الجانب الاكثر تشويقا يتعلق بطبيعة الاسئلة التي عرضت على ديسكن. فلم يهتم أحد بمعرفة كيف سيبدو السلام مع الفلسطينيين، او كيف ستتصرف حماس اذا ما وقع عباس على الاتفاق. فهم لم يرغبوا في أن يسمعوا تفاصيل عن تلك الجدوى السياسية. ففي هذا الامر يفهمون جيدا. تهديدات الارهاب؟ انتفاضة؟ هنا يخفى فهمهم وهم يحتاجون الى خبير. والخبير، رجل حكيم، لا يقول لهم ما العمل، او كيفية استخدام صلاحياتهم كي يمنعوا التهديد الواضح جدا. فهو متنبىء كلاسيكي، ردوده غامضة بما يكفي كي يجد كل واحد من المرتبكين في تنبوءاته جوابا على بواطن قلبه وغطاءا مناسبا لمقعدته.