خبر التحولات اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية!! .. هاني حبيب

الساعة 04:17 م|03 يناير 2010

بقلم: هاني حبيب

جرى نقاش واسع، بعد وصول الرئيس الاميركي اوباما الى البيت الابيض، وبروز سياسة اميركية جديدة حول الشرق الاوسط تتعارض في كثير من مفاصلها مع السياسات التقليدية لواشنطن ازاء هذه المنطقة الحيوية من العالم، خطاب اوباما في تركيا، ثم في جامعة القاهرة، والاعلان عن بعض محاور هذه السياسة الجديدة، خلق اجواء من النقاش تتعلق بمدى قدرة اي رئيس اميركي على رؤية المصالحة الوطنية والقومية للولايات المتحدة بمنأى عن ضغوط اللوبي الصهيوني المؤثر بشكل فاعل على محاور السياسة الاميركية، خاصة فيما يتعلق بالموقف من قضايا الشرق الاوسط، وعلى الأخص على الملفات المتعلقة بالتسوية والاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان والجولان وما تبقى من فلسطين التاريخية بعد حرب حزيران 1967فيما بعد، تعزز هذا النقاش الذي خلص تقريباً الى عدم قدرة اي رئيس اميركي، خاصة اوباما، على الخروج من السياسة التقليدية للولايات المتحدة ازاء هذا الصراع، بعد ان تراجعت، من دون ان يظهر اي أسف او خجل عن اشتراطاتها على إسرائيل بضرورة وقف شامل للاستيطان بكل اشكاله في الضفة الغربية والقدس، وامتثال ادارة اوباما للاشتراطات التي حددتها حكومة نتنياهو، بل وأكثر من ذلك، توجيه كل الضغوط باتجاه الجانب الفلسطيني لإلزامه بإطلاق العملية التفاوضية بذريعة ان إسرائيل قامت بوقف جزئي وشكلي ومؤقت للاستيطان في الضفة الغربية.

هذا وأكثر، دعم مواقف هؤلاء الذين اعتبروا انه لا تغيير فعلياً في مواقف واشنطن ازاء قضايا الشرق الاوسط والعملية التفاوضية على الملف الفلسطيني - الإسرائيلي تحديداً، ذلك ان اللوبي الصهيوني ما زال قادراً على فرض إرادته على أية ادارة اميركية، بما في ذلك ادارة اوباما.

وسبق ان تناولت هذه القضية اكثر من مرة على هذه الصفحة، وجادلت ان هناك جملة من المتغيرات يجب أخذها بعين الاعتبار ونحن نحاكم هذه المسألة، كالفوز الكاسح لأوباما، وانتخابه من قبل مجموعات وتكتلات عديدة بما فيها الاصلاحيون اليهود، وهنا، أشرت الى تراجع نفوذ اللوبي الصهيوني "إيباك" في اوساط يهود الولايات المتحدة، نتيجة لعوامل عديدة مستجدة نسبياً، في طليعتها فوز اوباما، الذي يعني ان الاجنحة المحافظة باتت خارج الحكم لصالح اجنحة ليبرالية ذات رؤية مختلفة، صحيح ان هذه الرؤى قد تظهر تشابهاً واضحاً ازاء الموقف من الصراع العربي - الإسرائيلي، ودعم الدولة العبرية، الا ان ما اعلنه اوباما من مواقف في بداية ادارته، شكل معياراً لما يمكن ان تذهب اليه ادارة جديدة تتمتع بشعبية واسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها، وما اظهرته هذه الادارة من جدية ازاء الاهتمام بالملف الفلسطيني - الإسرائيلي، ترافق ذلك مع ما يمكن وصفه بتصدع في وحدة التيارات اليهودية الصهيونية، وبشكل معلن هذه المرة، من خلال قيام لوبي من نوع آخر، اعتمد على متغيرات حقيقية في الاوساط اليهودية في الولايات المتحدة، وفقاً لاستطلاعات الرأي التي نشرت نتائجها بداية العام الماضي 2009والتي تظهر ان 69في المئة من يهود الولايات المتحدة، يؤيدون التوصل لاتفاق نهائي للصراع على الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، وفقاً لحل الدولتين، ومعارضة 69في المئة من المستطلعين لأطروحات وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان بشأن طرد وترحيل الفلسطينيين في مناطق 1948، ورفض 63 في المئة من هؤلاء للتوسع الاستيطاني، لأن ذلك يهدد العملية التفاوضية.

في نهاية العام الماضي 2009 صدر في الولايات المتحدة احد اهم الكتب التي تتناول المتغيرات داخل الاوساط اليهودية في الولايات المتحدة، الكاتب هو دان فليشر، وهو مستشار إعلامي سابق لدى "منتدى السياسة الإسرائيلية" الكتاب بعنوان: "تحولات اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، حدود القوة وآفاق التغيير" وقد راجعت ملخصاً لهذا الكتاب على موقع تقرير واشنطن.

والكتاب، وفقاً لهذا الملخص، يتناول قضايا أبعد من عملية الانشقاق في الاوساط اليهودية وتشكيل لوبي "جي ستريت" الذي سبق وأن تحدثت عنه وحوله اكثر من مرة، لأن المؤلف حاول ان يتحدث عن الدور السلبي الضاغط للوبي الصهيوني "ايباك" وتعارض مصالح هذا اللوبي مع مصالح الولايات المتحدة، كاشفاً ان هناك مستويات عديدة في الولايات المتحدة تتحدث جهراً هذه الايام، عن المصالح المتضاربة، والتأثير السلبي للوبي الصهيوني (ايباك) على المصالح الاميركية، وهو الامر الذي كان من المحرمات، تراجع شعبية اللوبي تعود بدرجة رئيسة الى ان يهود الولايات المتحدة، في الغالب مع تسوية سياسية لقضايا الشرق الاوسط تأخذ بعين الاعتبار المصالح الفلسطينية، كون ذلك، وذلك فقط، هو الذي يحمي دولة إسرائيل، ويتحدث الكاتب ان استطلاعات الرأي التي نشرت إبان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كشفت ان أعداداً متزايدة من يهود الولايات المتحدة، كانوا ضد هذه الحرب، باعتبارها تضيف عقبات أمام الحلول التفاوضية.

كان قد سبق فليشر للجهر بالحديث عن الدور السلبي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، كاتبان، هما جون ميرشيمر، وستيفن والت في كتابهما: اللوبي الاسرائىلي والسياسة الخارجية الاميركية، العام 2009 والذي تناول آليات الضغط الذي تمارسه لجان اللوبي على الساسة الاميركيين، على الأخص على شيوخ الكونغرس ووسائل الإعلام الاميركية، لكن ما يميز الكتاب الذي نحن بصدده، انه يشرح اسباب انشقاق التيارات اليهودية على "حساب الإيباك" وخصوصاً ظهور "جي ستريت" كمعادل موضوعي لاختلاف المواقف داخل الاوساط اليهودية، وربط ذلك بدخول رئيس مثل اوباما الى البيت الابيض.

ولا شك ان سلسلة التراجعات الاميركية حول النوايا المعلنة ازاء اطلاق العملية التفاوضية، لا تغير من دلالات الكاتب حول المتغيرات في الاوساط اليهودية، لكن ذلك قد يدعم وجهات النظر التي تشير الى ان اية ادارة اميركية ستخضع حتماً للنفوذ اليهودي في الولايات المتحدة، وهذا صحيح اذا اخذنا بالاعتبار، ان هذه الاوساط لم تعد موحدة تحت لافتة المتطرفين في (إيباك) التي لم تعد اللاعب الوحيد في الساحة اليهودية في الولايات المتحدة!!.