خبر قصة « علـي » وطيور الجيران

الساعة 09:46 ص|03 يناير 2010

قصة "علـي" وطيور الجيران

 

فلسطين اليوم- غزة (خاص)

أصَر "علي" البراوي على إطعام الطيور التي أوصاه عليها أحد جيرانه، وعلى الرغم من أن والده رفض له الخروج بسبب أزيز الرصاصات المتتالية والقصف المتواصل للمنطقة، إلا أن "علي" خرج هو وصديقه ولم يعودا.. فالطائرات كانت لهما بالمرصاد.. فيما أصيب شقيقه.

 

اليوم والدة "علي" تفيض عيناها بالدموع ومازال قلبها يعتصر حزناً وألماً.. وتاهت كلماتها عن المعنى وصمت لسانها عن الكلام.. فيما غابت البسمة عن وجهها.. وبدأ صوتها يختفي تارة ويعلو تارة أخرى.. في حين بدت ملامحها أكثر شحوباً وهي تسرد حكاية "علي والطيور".

 

استشهد "علي" كغيره من شهداء الحرب الأخيرة على قطاع غزة الأخيرة كل منهم يحمل حكاية، يصعب على ذويه سردها، ولكن أم أحمد البراوي تمالكت نفسها وحاولت الحديث لمراسلة "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، عن نجلها الشهيد علي.

 

عودة حميدة

قالت أم أحمد:" في يوم الجمعة السادس عشر من يناير ذهب علي وشقيقه الأكبر أحمد لأداء صلاة الجمعة في مسجد، بينما يؤدي شقيقاه الآخرين في مسجد آخر تحسباً لوقوع قصف، وعندما عادا إلي سالمين حمدت الله على سلامتهما، وأحضرت لهم الطعام".

 

وأضافت أم أحمد، أن في هذا اليوم لم يستطع علي أن يأكل، حيث أصَر على تقديم الطعام لجيرانٍ لهم، لم يرض أن تبقى أمعائهم فارغة فاستأذن من والدته وحمل الطعام بين كفيه ووزعه عليهم وعاد فرحاً سعيداً بفعله.

 

وأوضحت أم أحمد، أنه بعد أن صلى "علي" صلاة العصر في هذا اليوم، نادى على أحد أصدقائه وهو أحد الجيران، ليرافقه إلى بستان قريب يعود لعائلة الشرفا كانوا قد استأمنوه علي العناية بحيواناتهم هناك فمنعهما والد علي خوفاً عليهما من القصف.

 

وقالت أم أحمد:"وقتها قال له والده أن المناطق الزراعية الفارغة مستهدفة بالغارات التي تستهدف أي شي يتحرك هناك".

 

الطيور في البستان

وتابعت البرواي قولها:" كان علي حريص على تأدية الأمانة ، فخرج وصديقه إلى البستان وبأيدهم الطعام للطيور وقليل من الماء، لكن طائرة الاستطلاع كانت لهما بالمرصاد، فما إن وصلا إلى البستان حتي رمت بأحد صواريخها، فاستشهد علي ورفيقه ولما خرج شقيقة الأكبر أحمد ليطمئن على شقيقه، أطلقت الطائرة صاروخاً ثانٍ على نفس المكان فأصيب أحمد بشظاياه وبتر ساقه الأيسر وهشمت ساقه الأيمن".

 

وتتابع والدة الشهيد وهي تنظر لابنها أحمد الذي لم يبلغ العشرين من عمره بدموع وحسرة:"خرجت لأرى ماذا حدث وقلبي ينبض من الخوف علي ابني علي فإذا بوالده يحمله بين كفيه وهو ملطخ بالدماء وجاء الإسعاف لنقله إلى المشفي"، ووقتها أغمي عليا أرضاً".

 

وتضيف والدة الشهيد وهي تقلب بعض صور لابنها الشهيد:"لم استطع أن أودع ابني في بيتنا فالطائرات تحوم في سماء البيت ومنطقة التفاح بأكملها فخشيت أن تستهدفه الطائرات من جديد فيزيد ذلك من عدد الضحايا فذهبت إلي بيت عمته لوداعه".

 

وتلفتت الأم حولها قبل أن تضيف أن لديها خمسة بنات وكانوا أربعة أولاد، فيما رحل الثامن بين أولادها هو "علي"، مشيرةً إلى أن "علي" كان يحب اللهو واللعب لكنه في العام الأخير بدأ أكثر التزاماً بالمسجد ويتردد على حلقات الدروس الدينية، كما اجتهد في حفظ القرآن، كما كان يحب أصدقائه وجيرانه ومخلصاً لهم، وكم كان يتمنى أن يمتهن مهنة ويحقق دخلاً مادياً ليعيد بناء منزل عائلته المتواضع لكنه رحل دون تحقيق أمانيه.

 

مرابط على الثغور

رامي ابن عم "علي"، كان له نصيب من مرافقة علي، فنظر إلى صورته وقال :"علي كان مطيع للناس محبوب من الجميع وأمين على أي سر رغم صغر سنه فقد كان مميزاً بكل شي، وكان دائما يقول لي إني أحب المقاومين وأريد أن أرابط في ساحة القتال ولكن رحل دون تحقيق هذا الأمل".

 

أما والد الشهيد الذي لم يرفع رأسه من شدة الدموع لفراق علي ومعاناة أحمد فقال:"رحم الله علي لقد كان شهماً وذو شخصية قوية فقد شاركت في جنازته، آما العزاء فلم أتمكن من المشاركة فيه لأني ذهبت مع ابني أحمد إلى مستشفي الهلال بمصر، فبعد بتر ساقه حدثت له مضاعفات وتسمم في الكبد فأجريت له العملية وبقي سبعة وثلاثين يوماً في الغيبوبة".

 

ويضيف أبو أحمد وفي يديه ملابس أحمد التي أصيب بها ولم يبق منها قطعة واحدة بل ملابس ممزقة ومغطاة بالدماء، أن معاناة ابنه أحمد مستمرة منذ إصابته حتي الآن، وقد عاد إلى غزة منذ أربع شهور فقط لتكملة العلاج.

 

كرسي متحرك

ونوه أبو أحمد، إلى أن زوجته كانت ترسل له مصاريف أحمد التي كانت تحصل عليها بسلفة من الجيران التي لم تسد لحتى الآن بسبب الظروف المعيشية للعائلة، وعدم وجود أي مهنة لأي شخص في البيت، في ظل الحصار الإسرائيلي الخانق على القطاع.

 

وتابع أبو أحمد :"أنا لا أملك عمل وأحمد الابن الأكبر بتر ساقه ومازال يتألم من الإصابة وعلي استشهد وأولادي الاثنين صغيرين، وقد تقدمت لوظيفة، ولكن حتي هذه اللحظة لم يرسل لي أحد، غير أن تكاليف علاج أحمد كلها ديوان ومازال يحتاج إلى العلاج لمدة أربع سنوات بدون توقف".

 

وناشد أبو أحمد جمعيات الجرحى توفير كرسي كهربائي متحرك لابنه المصاب ليتنقل به، والمساهمة في علاج أحمد ومساعدة عائلته التي لا توجد لها أي معونة اجتماعية يعيشون منها.