خبر الأبناء لأمهم.. « ممكن نذهب لرؤية إخوتي »!

الساعة 07:33 ص|02 يناير 2010

فلسطين اليوم-غزة

ذهب محمد إياد الأسطل، البالغ من العمر (11 عاماً) مع أخيه عبد ربه ، البالغ من العمر (8) سنوات وكذلك ابن عمهم عبد الستار وليد الأسطل، البالغ من العمر (11 عاماً)، ذهبوا للعب بكرات الرخام والبلور (الجلول) الصغيرة و لجمع (سيقان) قصب السكر من الشارع الترابي بجوار منزلهم في قرية القرارة جنوب قطاع غزة.

كان الأطفال يلعبون في الحي الذي يعيشون فيه نفسه. وبينما كانوا يلعبون في الشارع استهدفتهم طائرات الاستطلاع الإسرائيلية (طائرة بدون طيار). وهي طائرات مزودة بجهاز مراقبة وتعطي صور واضحة للأشخاص الذين على الأرض وقت التصوير والمراقبة. ولديها القدرة على التمييز بين الأطفال والشباب والكبار وبين المدنيين والمسلحين وتكون هجماتها الجوية دقيقة جداً. بعد مضي عام على الحادثة أجرى مركز الميزان لحقوق الإنسان مقابلة مع والد الأطفال وسأله حول كيفية تأقلم الأسرة مع خسارتها لأبنائها.

وبعد مضي عام بدأ والد الشهيدين بسرد ما حدث في ذلك اليوم.

مقتل الابن الأصغر

شاهد إياد الأسطل، البالغ من العمر (33 عاماً) والد الطفلين محمد وعبد ربه، طائرة إسرائيلية قبل دقائق قليلة من وقوع الهجوم. "كان ذلك قبل صلاة العصر وكانت زوجتي تعد لنا الشاي على نار الحطب حيث لا يوجد غاز ولا كهرباء خلال الحرب. لاحظت وجود طائرة استطلاع في السماء وكانت منخفضة بصورة غير معتادة. ذهبت لأتوضأ ثم سمعت صوت الناس يصرخون "صاروخ !! صاروخ!!". كان أخر شيء توقعته أن يكون الصاروخ قد استهدف الأطفال. جاء إلي أخي إبراهيم وهمس في أذني وقال لي " إن حماك وابنه قتلا". لم أعرف بماذا أخبر زوجتي. وشاهدتها كان يبدو  عليها القلق. خرجت خارج المنزل لأرى ماذا حدث، سرت لمسافة قصيرة تقدر بحوالي (20) متر ورأيت أخي إبراهيم يتجه نحوي مرة أخرى. وقال لي" إن طفليك قتلا". ذهبت إلى موقع الاستهداف ولكن كانت الجثث قد نقلت إلى مستشفى ناصر. وعندما ذهبت إلى المستشفى كانت الجثث في ثلاجة الموتى.".

يعمل وليد الاسطل (والد عبد الستار) مزارعا وكان خارج منزله عندما سمع صوت الانفجار. "سمعت صوت الانفجار ولكني واصلت المشي. لم أعرف ما الذي حدث. ثم اتصل بي صديق وأخبرني بأن ثلاثة أطفال من عائلة الأسطل قد قتلوا. ثم اتصل بي شخص أخر وسألني ماذا كان يرتدي أطفالك سألني عن لون ملابسهم. في هذه اللحظة أدركت أن أطفالي كانوا ضحية هذا الانفجار. كان الأطفال مشوهين حتى أنهم لم يستطيعوا التعرف عليهم وكانت الطريقة الوحيدة للتعرف عليهم هي التعرف من خلال ملابسهم. أردت أن أراهم عندما أحضروهم من المستشفى وعادوا بهم إلى المنزل ليتم دفنهم. لكن الجميع رفض. أصرَّيت على ذلك ولكنهم استمروا في الرفض. وأمام إلحاحي عليهم سمحوا لي برؤية وجه أحد الأطفال وكان ذلك وجه أحد أبناء إياد. فطلبت منهم مرة أخرى أن أرى ابني ولكنهم رفضوا قالوا "نرجوك بلاش". ثم سألتهم إذا كان رأسه قد قطع عن جسده فقالوا لي لا. وقالوا لي " يوجد أطفال هنا أرجوك لا ترفع الغطاء وتنظر" فاستسلمت لطلبهم.

 

ووفقا لأقوال الأقارب الذين وصلوا إلى مكان الاستهداف فان الأطفال الثلاثة تحولت أجسادهم إلى أشلاء . في يناير 2009 اخبر الميزان بأنه "رأيت واحدا منهم بدون رأس.. كان عبد الستار.. أما محمد فقد أصيب في أنحاء مختلفة من جسمه وخاصة في الرأس. أما عبد ربه فقد تقطع جسده إلى أشلاء. كان الدم يغطي المكان.". عبد الستار كان يقضي ذلك اليوم مع والده "أردت أن أخذه معي إلى الحقل ولكني رايته يخبئ الكرات الصغيرة (الجلول) في يده. لقد كان يحب اللعب بالكرات الرخامية الصغيرة. عرفت وقتها كم أراد أن يلعب لذلك تركته ليلعب مع الآخرين" قال وليد.

حزن يعم الجميع

لقد تأثر المجتمع بأكمله بما حدث" يقول إياد. " حذيفة وهو احد أصدقاء الأطفال كان معهم في ذلك اليوم ولكن محمد طلب منه أن يغادر المكان ولا أعرف لماذا فعل ذلك. حذيفة لا يزال تحت تأثير الصدمة حتى الآن ويغمى عليه ويحلم بالأطفال أثناء نومه. ويستيقظ وهو يصرخ. إن أبنائي الآخرين لا يزالون صغار وتخبرهم أمهم بان إخوتهم في الجنة. هكذا تشرح الأم لأبنائها غياب إخوتهم عنهم. ابني خالد، الذي يبلغ من العمر (4) سنوات يطلب مني أن أعيد إخوته. وهذا ما لا أستطيع تحمله". تحاول جواهر زوجة إياد، البالغة من العمر (30 عاماً) مساعدة الأطفال على التأقلم " أخبئ ملابس الأولاد و دفاترهم لكي لا يراها إخوتهم الصغار ولكنهم ينظرون إلى صور إخوتهم ويسألوني إذا ممكن نذهب لرؤية إخوتي." قالت جواهر.

وتقول انشراح (زوجة وليد) البالغة من العمر (44 عاماً) بأن ابنها ياسين، البالغ من العمر (3) سنوات لا يزال لا يفهم "فهو ينظر إلى صورة عبد الستار ويطلب منه أن يأتي ويأكل معنا, وطلب مني أن أسمح لعبد الستار بأن يأتي ويقضي يوماً معنا.

 

لم يكن من الواضح لنا أنهم سيستهدفون الأطفال. اعتقدنا أن أطفال أكبر سنا من أولادي قد يتم استهدافهم وليس الأطفال الصغار جدا.". إن وليد لا يزال يصارع مع خسارته. "أنا لا اصدق أن عاماً قد مضى على مقتلهم. وفي الثلاثة أشهر الأولى بعد الحدث كنت أرى عبد الستار. كنت أراه وأنا مستيقظة وحاولت أن أتكلم معه.

نحن أشخاص عاديون نعيش في أرضنا. ألا يستطيع أولئك الأشخاص الذين يتحكمون بطائرات الاستطلاع أن يتحققوا من أن هؤلاء أطفال؟؟ إنهم يعرفون أنهم كانوا أطفال".

 

استشهدت قوات الاحتلال الإسرائيلي على الأقل 514 شخص عن طريق صواريخ أطلقتها طائرات الاستطلاع ومن بينهم 116 طفل فلسطيني.

ويؤمن الميزان الحقوقي بان الغالبية العظمى للحوادث تشكل قتلا عمد وجريمة حرب وفقا للقانون الدولي وذلك بناء على دقة صواريخ طائرات الاستطلاع و وضوح تصوريها للأهداف وان الجنود الذين يتحكمون بتلك الطائرات يستطيعون رؤية الأهداف بكل وضوح.