خبر صالح النعامي يكتب :اليسار الفلسطيني.. إذا لم تستح فافعل ما شئت

الساعة 08:29 م|01 يناير 2010

صالح النعامي يكتب :اليسار الفلسطيني.. إذا لم تستح فافعل ما شئت 

 

منذ زمن بعيد حطم اليسار الفلسطيني كل الأرقام القياسية في النفاق والازدواجية، في مسعًى رخيص وبائس للتغطية على حقيقة الدور الذي يلعبه في الساحة الفلسطينية، محكومًا باعتباراته الحزبية الضيقة ومصالح زعاماته الشخصية، والتي آخر ما تتقاطع معه المصلحة الوطنية. يفضح سلوك اليسار سقوطه المدوي في كل اختبار تتعرض له مصداقيته، ولولا أن السيل بلغ الزبى لما كان من المجدي تبديد الجهد في تعداد مظاهر سقوط اليسار، وهو الذي يصر على الظهور بمظهر الحريص على المصلحة الوطنية. ونحن هنا سنطرح بعض الأسئلة التي تعكس الإجابة عليها بعض سمات تهاوي اليسار الفلسطيني، وحقيقة دوره مدعومة بأدلة بإمكان أصغر طفل فلسطيني أن يتحقق منها.

 

ينسقون أمنيًا مع الاحتلال

 

ألا تشارك جميع قوى اليسار الفلسطيني في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي تعتبر المرجعية السياسية العليا لحكومة سلام فياض التي يشارك فيها أيضًا أربعٌ من قوى هذا اليسار. وإن كان المتحدثون باسم بعض قوى اليسار (ليس كلها) ينتقدون التنسيق الأمني مع الاحتلال، ألا يتم هذا بمعرفة وتفويض اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؟ كيف ينسجم تنديد بعض قوى اليسار بالتنسيق الأمني في الوقت الذي يواصل ممثلوها الجلوس في نفس المؤسسات التي تشرع التنسيق الأمني وتفوض أجهزة عباس الأمنية في مواصلته؟!

 

مؤخرًا برر ممثلو تنظيمات اليسار رفضهم الالتقاء بإسماعيل هنية (رئيس حكومة غزة)؛ على اعتبار أنه يتبوأ منصبه بفعل الانقسام الداخلي، في حين يجلس قادة هذه التنظيمات في اللجنة التنفيذية، والتي يدافع رئيسها محمود عباس عن التنسيق الأمني، ويتباهى في آخر مقابلة له مع صحيفة "هآرتس" بأن سلطته نجحت في وضع حد للمقاومة في الضفة الغربية، ليس هذا فحسب، بل يفتخر بأنه وضع حدًا للتحريض على إسرائيل في المساجد.

 

وكيف يجلس ممثلو اليسار إلى جانب عباس الذي لا يفوت فرصة إلا ويكرر فيها تعهده بضمان عدم اندلاع انتفاضة ثالثة؟، ولا يتمعَّر وجه قادة هذا اليسار وهم يسمعون عباس وهو يكيل الشتائم للمقاومة كمنهج وخيار، ولا داعي لسرد الأوصاف الممجوجة التي عكف عباس على خلعها على المقاومة.

 

يتباكى قادة اليسار على المقاومة في الوقت الذي يصمتون صمت مَن في القبور عندما يخرج إيهود براك، وزير الحرب الصهيوني، ليكيل المديح للدور الذي تؤديه الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة فياض في تقويض حالة المقاومة في الضفة الغربية.

 

إن وجود قادة اليسار في اللجنة التنفيذية وحكومة سلام فياض هو خيانة كبيرة للمناضل الكبير أحمد سعدات ورفاقه، حيث لا يختلف اثنان على الدور الذي لعبته أجهزة السلطة الأمنية التابعة للسلطة في اعتقالهم وتسليمهم لإسرائيل.

 

يتنازلون عن حق العودة

 

ما الذي يدفع ممثلي اليسار للجلوس على نفس الطاولة التي يجلس عليها ياسر عبد ربه؟، وكيف يقبلونه كأمين سر للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وهو الذي تنازل عن حق العودة في وثيقة "جنيف"؟ وهل تكفي التحفظات الخجولة على ما يقوم به ياسر عبد ربه؟.. إنه عندما يقوم صاحب ثاني أهم موقع في اللجنة التنفيذية بالتنازل عن حق العودة فإنه يقوم بذلك باسم زملائه في هذا النادي العفن الذي أصبح مقرًا لحبْك المؤامرات على الشعب وقضيته. إن كان قادة اليسار حريصين على الثوابت الوطنية وعلى رأسها حق العودة فإنه بإمكانهم توجيه إنذار: فإما نحن وإما ياسر عبد ربه..

 

هذا الإنذار لم يكن ولن يكون في المستقبل، لأن قادة اليسار معنيون بدفع ضريبة كلامية بين الفينة والأخرى؛ لأنهم يفزعون من سيناريو يفقدون فيه المزايا التي منحتهم إياها اتفاقية أوسلو التي يزعمون معارضتها. فعُضو اللجنة التنفيذية يتقاضى راتبًا لا يقل عن عشرة آلاف دولار، ولا يوجد سبب يدعو هؤلاء للتضحية بهذا المبلغ. ناهيك عن مئات المواقع الكبيرة التي تحتلها كوادر اليسار في سلك السلطة. لذا فإنه رغم معارضة قادة اليسار لاتفاقيات أوسلو إلا أنهم لم يتخذوا أي خطوة عملية لإضفاء صدقية على مواقفهم. من هنا لم يكن من المستهجن أن يحرص ممثلو اليسار في اللجنة التنفيذية على مرافقة عباس في جولاته العربية، في الوقت الذي يكرر فيه ذات المواقف من التسوية والمقاومة.

 

إن كان يمكن فهم الأسباب التي تدعو البعض لتجاوز الاتهامات الخطيرة التي وجهها القيادي في حركة "فتح" حاتم عبد القادر لقيادة السلطة بترك القدس للمخططات التهويدية، فلماذا يغض ممثلو اليسار في اللجنة التنفيذية وحكومة فياض الطرف عن هذه الاتهامات؟ أم أن القدس لم تعد تنتمي للثوابت الوطنية في عرف اليسار؟

 

تواطؤ في سحب تقرير "جودلستون"

 

لقد كان ممثلو اليسار من بين الذين انتقدوا قيام عباس بسحب تقرير "جولدستون" من التداول في مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وقد أسهمت الهبّة الجماهيرية العارمة في إجبار عباس على تشكيل لجنة للتحقيق برئاسة أحد قادة اليسار الفلسطيني، وبالفعل فقد أنهت اللجنة تحقيقها وأعدت تقريرًا، لكن هذا التقرير لم يُكشف النقاب عن فحواه، ولم يُعرض حتى على اللجنة التنفيذية، لأنه ببساطة يدين بشكل مباشر عباس ويحمّله المسؤولية المطلقة عن سحب التقرير. وإذا لم تكن الأمور كذلك، فلماذا لم يطلب ممثلو اليسار في اللجنة التنفيذية الاطلاع على نتائج التحقيق والإعلان عنه. هم لن يقدِموا على ذلك لأن هذا يعني تجدد المطالبات الشعبية بمحاسبة المسئولين عن هذه الجريمة، وآخر ما يعني اليسار البائس إحراج عباس وإغضابه.

 

المسئولية عن استمرار الانقسام

 

وبعكس الانطباع الذي يحاول اليسار أن يكرِّسَهُ، فإنه يلعب دورًا واضحًا في استمرار الانقسام؛ من خلال المساواة بين طرفي هذا الانقسام. لقد اتخذ اليسار تاريخ الانقسام لتحديد موقفه من كل من حماس وعباس، وهو بالتالي يتجاهل الفروق الموضوعية الهائلة بين الطرفين..

 

صحيح لقد ارتكبت حركة حماس الكثير من الأخطاء التي توجب انتقادها، والتي أشار إليها كاتب هذه السطور في مقالات عديدة، لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال المساواة بينها وبين عباس وزمرته. أي مستوًى أخلاقي يهبط إليه اليسار عندما يساوي بين حماس التي كانت هدفًا لأكبر حرب تعرض لها الفلسطينيون على مر تاريخهم، والتي اسشتهد فيها عدد كبير من قادة الحركة وكوادرها السياسيين والعسكريين، وبين عباس الذي تآمر على الشعب خلال هذه الحرب وتواطأ على غزة. والذي يثير التقزز في مواقف قوى اليسار أنها عمليًا تتبنى نفس مواقف عباس من الانقسام.

 

لقد أحسن المفكر الفلسطيني الكبير الدكتور عزمي بشارة صنعًا عندما شخّص حالة النفاق التي يغرق فيها اليسار الفلسطيني خلال كلمته في ذكرى انطلاق إحدى قوى اليسار عندما اعتبر أنه من العار المساواة بين من يدفع ضريبة تمسكه بالثوابت الوطنية وبين من ينسق أمنيًا مع الاحتلال ويتنازل عن الثوابت مقابل السراب.