خبر في ذكراها الـ 45..هل تكون الانطلاقة الثانية لفتح؟

الساعة 06:57 م|30 ديسمبر 2009

د. أسعد أبو شرخ

كاتب وأكاديمي

في ذكرى انطلاقتها الخامسة والأربعين، هل تفاجئنا فتح بانطلاقة إلى العلا تكسر القيود وتبدد الخمول وتفجر الينابيع، وتجرف في طريقها كل الطحالب فتكون السنة الجديدة 2010، كما كانت عام 1965 الفيصل بين مرحلتين تنقلنا من مرحة التبعية والخنوع إلى مرحلة العزة والشموخ، فتجدد حالها وسطوعها وتبدد كل أوهام المتوهمين!

هل تفاجئنا فتح بإعلان "انطلاقتها الثانية" على نهج القادة الشهداء أبو عمار، أبو علي إياد، والحمود، وأبو يوسف النجار وكمال عدوان، وأبو إياد وأبو جهاد وسعد صايل وخالد الحسن وصبحي أبو كرش وغيرهم، الذين رسخوا في الوعي العربي الفلسطيني أن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، ولهذا نبذوا التنظير والصالونات السياسية وجدالات وجدليات الترف، ففجروا الثورة بعبوة بدائية وضعت حداً لعصرين عصر ما قبل الثورة وهو عصر الذلة والمسكنة وعصر ما بعد الثورة وهو عصر العزة والكرامة.

فكان عام 1965 نقطة التحول الكبرى في التاريخ العربي الفلسطيني الذي أحال الشعب الفلسطيني كما قالت فتح حينئذ – من طوابير من اللاجئين إلى طوابير من المناضلين والمقاتلين في الطريق إلى تحرير الوطن الغالي – فلسطين من بحرها إلى نهرها!

هل تنطلق فتح وتعلن انطلاقتها الثانية بعد أن تيقنت الآن وتأكدت، وثبت لها بالدليل القاطع والعملي والملموس أن هذا العدو الصهيوني العنصري المتغطرس لا يريد سلاماً بل يريد فلسطين كل فلسطين خالية من مواطنيها الفلسطينيين ومن تبقى منهم، بعد عمليات التطهير العرقي، يعملون سقاءين وحطابين بلغة هيرتزل، أو خدماً له ووشاة وعبيداً لدى الأجهزة الأمنية الصهيونية بلغة شارون ونتنياهو وباراك وليبرمان وغيرهم.

أيعقل، أن تغير عصابات جيش الإجرام الصهيوني على وسط مدينة نابلس وتغتال بدم بارد ثلاثة من أبطال فتح أمام زوجاتهم وأطفالهم، وتكون الطريق ممهدة لهم لهذه المجزرة البشعة ولم تطلق ولو طلقة واحدة على قوات الإجرام الصهيوني وهم ذاهبون إلى التنفيذ أو وهم راجعون بعد المجزرة !

أين اختفت قوات الأمن الفلسطينية أم أن نابلس خالية منهم؟! ماذا جرى، ماذا جرى، ماذا جرى، وهل من رد؟!!!

هل غفل القوم عن أن اسم حركة فتح هو "حركة التحرير الوطني الفلسطيني" فهي حركة لأنها حركت جموع الناس ونظمتهم وعبأتهم باتجاه فلسطين وأخرجتهم من مخيمات اللجوء إلى خنادق القتال والنضال نحو فلسطين وهي حركة نفضت عنهم غيار المذلة والمسكنة وانتقلت بهم من أدبيات الشكوى والحسرة إلى أدبيات الانطلاق والتغني بالوطن والاستشهاد من أجله وانغماس المواطن في الوطن ورفع لواء العزة والكرامة.

وهي حركة تحرير، أي تحرير الإنسان الفلسطيني من ذل العبودية والوصاية والتبعية كخطوة أولى لتحرير فلسطين كل فلسطين، وهذا ما أكدته فتح في بياناتها الأولى وأدبياتها الكثيرة، ولهذا التفت جموع الشعب العربي الفلسطيني حولها لأنها كانت تقاتل، ثم تقاتل، ثم تقاتل، وتواصل القتال، ولم يخلو ملصق من ملصقاتها من صورة الفدائي وهو يقفز عالياً موجهاً سلاحه تجاه الأعداء الصهاينة في الطريق إلى التحرير. وكانت كلمة "التحرير" هي كلمة السر" التي التقى عليها المناضلون فهذا هو الهدف الذي أجمع عليه شعب بأكمله أطفاله ونساؤه، شيبة وشبابه.

ثم أنها حركة تحرير وطني، أي أن الهدف هو تحرير الوطن بكل أبعاد هذه الكلمة ومدلولاتها ومشتقاتها ورمزيتها، فالفلسطينيون لا يريدون سوى تحرير وطنهم الغالي، وكلمة "وطن" هنا تكتسب أهميتها من تمسك الشعب الفلسطيني بوطنه كل وطنه، وهذا لم يأتي رداً على الإيديولوجية التي أنتجت الحركة الصهيونية فحسب بل على وعد بلفور أيضاً الذي لم يعترف بوطننا فلسطين، بل لم يعترف أصلاً بأن لنا حقوق وطنية في فلسطين والحقوق الوطنية هي الحبل السُّري بين المواطن والوطن والمواطن هو العربي الفلسطيني والوطن هو فلسطين، ولهذا نرى أن هناك خبثاً مقصوداً ومغالطة مبيتة ومؤامرة خفية بل وخيانة أخلاقية وضميرية من أولئك اللذين صاغوا وعد بلفور وتحدثوا عن حقوق مدنية واقتصادية واغفلوا تماماً الحديث عن الحقوق الوطنية ... لأنهم اعتبروا أن الفلسطينيين ليسوا سوى تجمعات أو جاليات فحسب، وفي المقابل جرى الحديث عن "إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين أي أن الوطن لليهود أما الفلسطينيون فلا محل لهم من الإعراب في فلسطين!

ولهذا حينما تؤكد فتح على أنها حركة تحرير وطني فهي ترد بالأطروحة والقول والفعل والمقاومة على كل هذه الأكاذيب الصهيونية والغربية.

لكن للأسف، وفي لحظة فقدان التوازن في السياسة العربية والوضع الدولي التي أنتجت أوسلو، لم يرد أي حديث في اتفاقيات أوسلو ولا في أي مادة من مواده ولا تحت أي عنوان من العناوين أو الموضوعات الرئيسية أو الفرعية أو الملاحق أي حديث عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ولم ترد لغوياً مادة وطن أو مواطن أو وطني أو وطنية في أي من النصوص الواردة، ولكنه جرى الحديث عن حقوق سياسية أو حقوق مشروعة وهناك فرق كبير بين الحقوق الوطنية والحقوق السياسية أو المشروعة، لأن الحقوق الوطنية هي حقوقك في الوطن أي امتلاكك الوطن وأن هذا الوطن وطنك أنت، ولك كل الحقوق والميزات والامتيازات التي تربطك به جيلاً بعد جيل ماضياً وحاضراً ومستقبلاً وتحت كل الظروف.

ولهذا كانت إسرائيل هي التي تتحكم في كل شيء وتحدد المناطق للفلسطينيين واخترعت التقسيمات والتسميات فهذه منطقة A وتلك B وتلك C ... الخ

أدرك أبو عمار ذلك مبكراً ولهذا أطلق على "السلطة الفلسطينية" – تسمية "السلطة الوطنية الفلسطينية"، مضيفاً كلمة الوطنية ربما كي يثبت على أرض الواقع ما لم يستطع الحصول عليه في اتفاقيات أوسلو، وكي يجعل الناس يربطون بين السلطة والوطن، بيد أنه في المراسلات الرسمية لم تكن إسرائيل تقبل بهذه التسمية، ولهذا ففي المراسلات بين السلطة وإسرائيل حتى يومنا هذا ولحظتنا هذه توسم الرسائل باسم "السلطة الفلسطينية"، وفي ظننا أن إدراك أبو عمار لهذه الحقائق ومنها رفض إسرائيل الاعتراف بحقوقنا الوطنية والذي تجلى بكل بشاعة في كامب ديفيد 2000 هو الذي جعل أبو عمار يعود من كامب ديفيد، ويقلب الطاولة على رؤوس الجميع وتنطلق الانتفاضة الثانية التي مزقت أوراق أوسلو عملياً وعلى أرض الواقع، مفتتحاً مرحلة جديدة من النضال، التي انتهت باستشهاده قتلاً بالسم الصهيوني الأمريكي والعملاء الذين ساعدوهم على ذلك.

وحركة فتح هي حركة التحرير الوطني الفلسطيني فكلمة فلسطيني هنا ذات أهمية قصوى في ترتيب التسمية أي أن هدف التحرير الوطني هو فلسطين وطن الآباء والأجداد، وفلسطين هنا، كل فلسطين تاريخاً وجغرافية من رفح إلى رأس الناقورة، وهذا ما بنت حركة فتح عليه كل أدبياتها وتاريخها ونضالها منذ ارهاصات لحظة الانطلاقة الأولى.

منذ أيام إتصل بي أحد كبار قدماء مناضلين فتح وهو الذي شارك في معظم معاركها بالسلاح والقلم والفكرة والعرق والدم، وسألني أين فتح من فتح؟! كاد الرجل يبكي هو يتحدث عما جرى لأبطال فتح في نابلس من قتل بدم بارد يشتم من رائحته التواطؤ والسكون الذليل وأردف قائلاً حين انطلقنا كان في ذهننا أن نرفع عن شعبنا وطأة الذل والمسكنة والخنوع، وانتشلناه من قاع الضياع والتيه واللجوء والشماتة والمعايرة ... ما الذي يجري الآن، لماذا هذا الصمت صمت القبور ... أين فتح من فتح! لماذا يرضى المناضلون والمقاتلون بهذا الحال؟!!!

ثم تساءل بغضب كيف تصمت حركة التحرير الوطني الفلسطيني والتي أعطت نفسها اسماً مباركاً من القرآن وهو فتح الذي يعني القتال والجهاد المبارك من الله في سبيل الوطن، كيف تصمت وبعض قادتها يتحدثون عن عبثية المقاومة بل والانتفاضة !!!

ألم يتململ القادة الشهداء أبو يوسف النجار وكمال عدوان وأبو جهاد وأبو إياد وسعد صايل في قبورهم وهم يستمعون إلى هذه الأطروحات التي تسخف  النضال والمقاومة وترهن كل شيء برضا الأعداء الصهاينة والأمريكان!!

وذهب بعيداً في التمني! ماذا لو خرج الأبطال كمال عدوان وأبو يوسف النجار وأبو جهاد وأبو إياد وأبو عمار من قبورهم ورأوا الحال على ما هو عليه، ماذا سيفعلون وكيف سيتصرفون؟ وهل يشاهدون التنسيق والتعاون الأمني على أشده بين الجلاد الصهيوني وبين الضحية الفلسطيني بينما الوطن مازال محتلاً من أخمص القدم إلى أعلى الرأس!

أنهضي يا فتح واستنهضي، فالمناضل الكبير رفيق أبويوسف النجار وكمال عدوان يقول "لم يحرر وطن دون مقاومة بدون دماء ودون شهداء وقال مضيفاً هات لي وطناً تم تحريره عبر المفاوضات والاجتماعات ... وأضاف قائلاً أن هذا لم يحصل لا في التاريخ القديم ولا الحديث ولا المعاصر..

أنهضي يا فتح واستنهضي واقلبي الطاولة والمعادلة وانطلقي إلى ميادين القتال والجهاد قبل أن يطبق العدو عليكم من جميع الجهات ويكون حديثكم النادم أكلت يوم أكل الثور الأسود كما كان دوماً يردد القائد الشهيد خالد الحسن أبو السعيد أو يكون حالكم كحال أمير غرناطة عبدالله بين الأحمر الذي أخذ يبكي أمام أمه فنهرته قائلة أبك "كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال".

ولا سبيل لمواجهة العدو الصهيو الأمريكي إلا بالكل الوطني – الإسلامي الفلسطيني العربي والوحدة الوطنية الفلسطينية التي تؤكد على ثوابتنا الوطنية الفلسطينية كما جاء في أدبيات فتح الأولى وقادتها وروادها الأول، ومن هنا فعلى فتح كونها التنظيم الرائد في القتال والتي كانت تقول دوماً للجميع " ليكن الالتقاء على أرض المعركة" على فتح – قبل غيرها – يقع عبء التحرك لرأب الصدع والتغلب على الانقسام والاختلاف والخلاف تجسيداً وتأكيداً لمقولتها فليكن الالتقاء على أرض المعركة. وليس من منظور طاولة المباحثات العبثية كما يريد البعض "الفتحاوي بالصدقة".

في هذه الذكرى لتعد فتح إلى سيرتها الأولى وروايتها الأولى ومنطلقاتها الأولى، خاصة وأن الجميع، جميع التنظيمات حماس والجهاد والجبهة الشعبية والديمقراطية والقيادة العامة والصاعقة وكتائب المقاومة وكل التنظيمات الفلسطينية على استعداد بل هي منخرطة عملياً " في الالتقاء على أرض المعركة"، إذ لا سبيل للنهوض بفتح وإعادة الروح إليها والتفاف الناس من حولها إلا بالمقاومة وثقافة المقاومة وروح المقاومة والفعل المقاوم من ثقافة المقاطعة ووقف التطبيع والتنسيق الأمني إلى ثقافة الكفاح المسلح بكل معانيها ومبانيها فهل تثأر فتح لفتح وتعود ثورة – كما جاءت في أدبياتها – فلسطينية الوجه عربية القلب عالمية الامتداد".

هل يشهد عام 2010 الانطلاقة الثانية لفتح بقدها وقديدها كما حدث عام 1965 .

يا فتح انطلقي وانهضي واستنهضي يا فتح حددي نفسك، وحافظي على تراث شهداءك.

يا فتح إنك أنت التي قالت بوضوح أن القيادة لمن يقود في ميدان القتال ويدافع عن حقوق شعبه ويتمسك بثوابته وحقوقه الوطنية ولا يفرط في دماء شعبه. ألم تقولين أن "من يفرط بدماء الشهداء يمكن أن يبيع الأحياء"؟!

يا فتح أن "الفلسطيني الجديد" الذي جئت به عام 1965 فلسطيني العزة والكرامة، ليس هو الفلسطيني الجديد الذي اخترعه الجنرال الأمريكي دايتون كما ورد في محاضرته في معهد واشنطن، فالفلسطيني الجديد الفتحاوي هو الذي حدد عدوه من صديقه وذلك واضح في عقيدته القتالية والنضالية، وعليه فإن أعداءه هم الصهيونية والامبريالية والتبعية، وأن أصدقاءه هم المقاومة وقوى المقاومة والممانعة والنضال والمواجهة وحركات التحرير في العالم في مواجهة قوى الشر والطغيان أما الفلسطيني الجديد بمقاييس دايتون فهو على العكس من ذلك تماماً فأصدقاؤه بمعايير وثقافة وتربية وتعبئة دايتون هم الإسرائيليون والأمريكيون وأعداؤه هم قوى المقاومة سواء كانت وطنية أو إسلامية فلسطينية أو عربية أو عالمية التي "تسمونها إرهاباً" هكذا تنقلب المعايير والمفاهيم والمصطلحات والغايات والأهداف".

يا فتح لا يمكن أن نثق بمن قتل القائد الشهيد أبو عمار أو القادة أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر وأبطال نابلس الفتحاويين الميامين!

يا فتح عودي إلى فتح حيث يذوب الواحد في الكل والكل في الواحد كما كان يردد دوماً القائد الشهيد كمال عدوان.

أنهضي يا فتح واستنهضي

وليكن عام 2010 عام الثورة الفتحاوية والكفاح المسلح بامتياز وانطلاقتها الثانية المدوية والمجلجلة!