خبر قوة العقل.. معاريف

الساعة 09:46 ص|29 ديسمبر 2009

بقلم: شلومو غزيت

رئيس شعبة الاستخبارات الاسبق

بالصدفة وقعت في يدي مؤخرا وثيقتان توثيقيتان: كراس "معرخوت" مكرس لسبعين سنة على صدور العدد الاول للمجلة، وكتاب العميد (احتياط) عوزي عيلام – "قوس عيلام" الذي يستعرض تطور محافل التخطيط، التطوير والانتاج لوسائلنا القتالية. في المجالين يعود حق الصدارة الى دافيد بن غوريون. المرة تلو الاخرى يطرح السؤال كيف نجحت حاضرة يهودية صغيرة، كانت تعد اكثر بقليل من 600 الف نسمة، في الانتصار في حرب على حاضرة عربية كانت اكبر منها بضعفين، وبعد عدة اشهر، في ايار 48، الجيوش العربية المرسلة التي اجتاحت بلاد اسرائيل مع نهاية الانتداب البريطاني، جيوش خمس دول عربية – مصر، شرقي الاردن، سوريا، لبنان والعراق – ومتطوعين اخرين كثيرين من دول عربية اخرى.

المؤرخون "الجدد" يثبتون بأنه لم يكن هذا حسم اقلية مقابل اكثرية. الحاضرة اليهودية الصغيرة وضعت مقاتلين في ساحات القتال لم يقلوا عدديا عن العدو الذي وقف امامهم، وفي حالات عديدة كانوا اكثر منهم. ومع ذلك، ليس هناك من ينكر المعطيات الاساس – حجم صغير للحاضرة اليهودية امام كتلة عربية من عشرات الملايين. الجواب واضح ومعروف – الانتصار العسكري كان نتيجة مباشرة لاعداد مسبق، تنظيم جيد وتحكم مركزي سمح بحشد القوة المرة تلو الاخرى في نقاط الحسم.

قادة الجيش  الاسرائيلي في الحرب – ابتداء من رئيس الاركان يعقوب دوري، رئيس شعبة العمليات يغئال يدين، قائدي الجبهتين البارزتين المتميزين يغئال الون وموشيه كرمل – كانوا ذوي تعليم عسكري لدورة قادة سرايا في الهجانا فقط. هؤلاء، الى جانب من اصبحوا في غضون واسابيع واشهر قادة كتائب والوية، كانوا مطالبين بأن يقيموا في ظل القتال الاطر العسكرية الكبرى، وبالتوازي، ان يستوعبوا وسائل قتالية جديدة وغير معروفة. كيف فعلوا ذلك؟

الجواب مزدوج. من جهة، الدورات العسكرية لمنظمة الهجانا – دورة قادة حظائر ودورة قادة سرايا – لم تكن دورات فنية. صحيح انها كانت دورات قصيرة نسبيا، ولكنها دورات شددت على اكساب المفاهيم الاساس للتفكير العسكري، المفاهيم التي لا تتغير بسبب حجم القوة المستخدمة. ومن جهة اخرى كانت هذه مبادرة دافيد بن غوريون الذي في 1923 بشراء مختارات من الادبيات العسكرية العالمية ووضعها تحت تصرف اعضاء الهجانا، وبعد ذلك في ايلول 39 بادر الى اقامة مجلة "معرخوت" التي اتاحت لقادة الهجانا القراءة والتعرف على العلم، التفكير والتجربة العسكرية العالمية.

السر الثاني – هو التشديد الذي طرحه بن غوريون على طرح المعرفة والتكنولوجيا تحت تصرف قوتنا الامنية. فمنذ حزيران 47، اصدر تعليمات مفصلة لقادة الهجانا – "مادتنا البشرية"، كتب يقول، "لا تقلوا عنها في اي بلاد اخرى. هذا هو تفوقنا الاساس وحاليا شبه الوحيد. يجب ملاءمة مبناها مع الظروف الجديدة، انطلاقا من استغلال كل المعلومات والتقنيات لاغراض الدفاع عن انفسنا". بهذه القوة قام سلاح العلوم في منظمة هجانا، وربط به افضل العلماء الذين في البلاد بل وجند وارسل طلاب شباب للدراسة والى الدورات في خارج البلاد. قراءة صحيحة للواقع، فهم الاحتياجات والاستعدادات في الموعد المناسب هي سر قوتنا في حينه واليوم. كان هذا مثال رائع عن "نهاية الفعل تكون بالتفكير المسبق".