خبر الجدار.. قراءة فولاذية ..بقلم: عامر أبو شباب

الساعة 09:44 م|28 ديسمبر 2009

الجدار.. قراءة فولاذية ..بقلم: عامر أبو شباب

تعددت القراءات و التفسيرات حول الجدار الفولاذي الذي تنوي مصر إقامته على حدودها مع قطاع غزة، بين مؤيد مستفيد أو معارض متضرر وثالث يأخذ موقف غير بارد وغير حار على اعتبار أنه لا مستفيد ولا متضرر بشكل مباشر ولا يريد أن يدخل معركة "مواقف محسوبة ومسجلة" لا حصان له فيها ولا حمار من جهة، و عدم إغضاب القيادة المصرية التي تخفي غضبها من الفلسطينيين - وتحديدا حركة حماس- على طريقة الأخ الكبير من جهة أخرى.

 

لكن من خلال ما يدور إعلاميا أو بين كلمات وجمل تصريحات المسئولين نستشف شيء أخطر من الكلام عن قضية حماية حدود بالنسبة للمصريين أو مسألة حصار لحكومة حماس، لذلك يقفز التساؤل التالي: هل هذا أو ذاك مبرر حقيقي لإنشاء الجدار المكلف والذي تم أقراره بشكل عاجل وكأن شيء ما قد يحدث غدا.

 

لذلك من حقنا التفكير بصوت مرتفع لمحاولة فهم الأسباب والدوافع خلف هذا التطور وربطه بجملة التطورات الإقليمية المتسارعة، لنضع عدد من الفرضيات والاحتمالات التي استطاعت أن تقنع النظام المصري بضرورة إقامة هذا الجدار الغير مسبوق على صعيد الحدود الصناعية بين الدول وأشكالها من حيث درجة حزمه والمعدات المستخدمة.

أول هذه الاحتمالات هو تأكد النظام المصري أن المصالحة التي تؤدي إلى وحدة الحالة الفلسطينية أصبحت مستحيلة وأن الانشطار السياسي سيستمر إلى أمد طويل والشق الثاني من هذا الاحتمال هو الوصول إلى قناعة سياسية أن إسرائيل تريد إلقاء غزة في الحضن المصري وتحميلها مسؤولية القطاع على الأقل أمنيا واقتصاديا، لذلك قررت مصر إنهاء وضع التنفيس الاقتصادي عن قطاع غزة من خلال إقامة الجدار تحت الأرض وزيادة قدرات السيطرة والتحكم فوق الأرض وبذلك تعيد قطاع غزة إلى المسؤولية الإسرائيلية بصفته إقليم محتل حسب الفهم المصري.

الاحتمال الثاني يتمثل في أن قراءة مصر للواقع السياسي للمنطقة توصلت إلى أن الحرب القادمة على إيران ستؤدي إلى حالة توتر في كل المواقع التي يتواجد فيها أصحاب المذهب الشيعي أو القوى الحليفة لطهران مما سيؤدي إلى وجود جيوب توتر متعددة في جنوب لبنان وصعدة وبعض دول الخليج وكذلك قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، وأن مصر قد ينتقل إليها مجموعات أو أنشطة تحاول استهدافها في إطار الصراع الذي سينتج عن ضرب إيران وهذا أكدته عدة تصريحات لمسئولين مصريين رأوا أن إيران أصبحت على حدودهم في إشارة لحركة حماس، وهنا يمكن الاستدلال بتصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل أثناء تواجده في ضيافة الجمهورية الإسلامية وقوله أن حركة حماس لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تلقت إيران ضربات عسكرية، كما أن الأجهزة الأمنية لديها سابقة خلية حزب الله، وحسب تصورها عندما تصبح الحرب على النظام الإيراني واقع ستتحرك القوى الصديقة له لتخفيف الضغط وفتح جبهات جديدة ونشر الفوضى في كل المنطقة، فطهران ليست بغداد ونجاد ليس صدام، ومصر ستكون متهمة بالمشاركة في الحرب أرادت أم كرهت وان لم يحدث ذلك، فإسرائيل بالتأكيد ستكون رأس الحربة في استهداف إيران لذلك المنطقة مقبلة على تدهور " والشاطر يؤمن حدوده".

 

الاحتمال الثالث قد ترى الحكومة المصرية أن منطقة سيناء التي شهدت عمليات استهداف متنامية ضد أجهزة الأمن المصرية قد تذهب إلى مزيد من الاستعصاء الأمني يليه تمرد سياسي تقوم به أو تشجعه مجموعات تابعة للقاعدة وقد تدعمه الحكومة الإسرائيلية بطريقة ما التي يوجد بها حزب ليبرمان المتطرف والذي يرى أن القاهرة هي أشد خصوم إسرائيل مستقبلا مما يعني خلق حالة مشابهة للمناطق الحدودية المتمردة في باكستان أو تشابه من حيث الشكل مع ما يحدث في صعدة اليمن لإيجاد وضع استنزاف للدولة المصرية يرهقها ويجبرها على الدخول في مسارات سياسية معينة.

 

لذلك منطقيا ليس من المعقول الإبقاء على  ظاهرة الأنفاق الاستثنائية كواقع وحل دائم لمعالجة الوضع القائم والاستمرار فيه من اجل الاستمرار دون حل جذر الأزمة.

 

مما سبق يمكن القول أن وحدة الموقف الفلسطيني أصبحت ضرورة فلسطينية ومصرية عربية في ضوء التغيرات الإستراتيجية التي ستشهدها المنطقة، فليس من المعقول استمرار استنزاف القضية الفلسطينية في صراعات داخلية وخارجية لن تجلب إلا الخسارة والوهن للقضية الفلسطينية ووضعها مقيدة أمام محاولات التصفية.