خبر إيران، الصين و « العصا » الإسرائيلية .. يورم عفرون

الساعة 09:27 ص|28 ديسمبر 2009

بقلم: يورم عفرون

محاضر في دائرة دراسات آسيا في جامعة حيفا

وباحث في معهد بحوث الامن القومي

في لقاء الرئيس الامريكي والرئيس الصيني الشهر الماضي في بيجين، حذر الرئيس اوباما من أنه لم يعد بوسعه ان يصب لزمن طويل هجوما اسرائيليا في ايران اذا لم يطرأ تقدم في صد المشروع النووي. ويرمي هذا التحذير الى اقناع الصين بضرورة مزيد من العقوبات على ايران، وان كان ليس واضحا اذا كان هذا سيحقق هدفه فانه يثير اسئلة عن المصالح الصينية في ايران وفي الشرق الاوسط بشكل  عام، عن مكان اسرائيل فيها، وعن وسائل التأثير التي للقدس بالنسبة لبيجين.

منذ زمن غير بعيد كان واردا الافتراض بان المصلحة الصينية للشرق الاوسط، وهكذا ايضا بالنسبة لايران تتلخص في ضمان توريد مصادر الطاقة.  فالنمو الهائل الحجوم للاقتصاد الصيني خلق تعلقا متزايد بمصادر طاقة مستوردة، وصحيح حتى العام 2000 اصبحت مستوردة النفط الثالثة في حجمها في العالم. ومن اصل اجمالي مصادر النفط الخارجية للصين، يحتل الشرق الاوسط مكانا مركزيا ونحو نصف النفط المستورد يصل منه. في ضوء الارتفاع المتوقع في الطلب على النفط من الصين والهزال المتوقع لحقوق النفط في اماكن اخرى في العالم، فان اهمية الشرق الاوسط لاقتصاد الطاقة الصيني من المتوقع أن يزداد أكثر فأكثر. هذا الوضع يمكنه أن يشرح المصلحة الصينية في تطوير علاقات مع منتجات النفط الاساس في الشرق الاوسط، وكذا تخوفها من كل خطوة تضعضع الاستقرار السياسي والعسكري في المنطقة.

وعلى الرغم من ذلك، فانه ليس في هذا التخوف ما يشرح وحده اصرار الصين على حماية ايران من تشديد الخطوات الدولية ضدها، وذلك لانه كما علم رفضت الصين اقتراحا سعوديا بتزويدها بثمن زهيد لكل احتياجاتها النفطية كبديل على النفط الايراني عند الحاجة. لو كان النفط وحده يقف على رأس اهتمام الصين فانه سيان بالنسبة لها اذا كان مصدر النفط هو ايران او العربية السعودية. وعليه، فينبغي فحص مصلحة اضافية توجد للصين في ايران وفي المنطقة، وبشكل عام يمكن أن نحصي اربع مصالح كهذه. الاولى، هي ترسيخ مكانتها الدولية كقوة عظمى تقترح جدول أعمال ومنظومة قيم بديلة لتلك الخاصة بالولايات المتحدة. كجزء من ذلك تحاول الصين ان تكتسب عطف الدول النامية الخاضعة في كثير منها لضغط امريكي لتغيير سلوكها الداخلي والخارجي وذلك من خلال الاعراب عن معارضتها للتدخل الخارجي في شؤونها الداخلية.. من هذه الناحية، موافقة صينية على فرض عقوبات على ايران مثلها مثل الخضوع لجدول الاعمال الامريكي وترك حلفائها المحتملين لحالهم.

ثانيا، كجزء من مساعيها لتنويع مصادرها من الطاقة، تستثمر الصين مليارات الدولارات في تطوير بنى تحتية نفطية في دول مختلفة مقابل توريد مستقبلي مضمون لحجوم نفط كبيرة. استثمارات من هذا النوع نفذت الصين في ايران ايضا، وبالتالي توجد لها مصلحة في مواصلة علاقات طيبة مع النظام الايراني الذي وقعت معه على العقود.

ثالثا، في ضوء توقعها بان تعلقها بنفط الشرق الاوسط سيزداد وفي ضوء تطلعاتها لزيادة نفوذها السياسي الدولي، تفهم الصين بانها لن يكون بوسعها الامتناع عن زيادة تدخلها في الشرق الاوسط. وبالفعل، رغم حقيقة أن الصين مالت (واغلب الظن لا تزال تميل) لان ترى في الشرق الاوسط "مقبرة للقوى العظمى"، يبدو أنها في السنوات الاخيرة تنوع وتوثق علاقاتها في المنطقة: فهي توثق علاقاتها الدبلوماسية معع الحكام المختلفين، تزيد استثماراتها الاقتصادية وعلاقاتها التجارية مع دول المنطقة، وهناك مؤشرات على أنها توثق ايضا علاقاتها العسكرية مع دول مختلفة بما فيها ايران. دورها المتزايد في المنطقة كفيل بان يضعها في المستقبل غير البعيد في جبهة حيال الولايات المتحدة وعليه فمن الافضل لها أن تتخذ صورة من يخضع لاملاءاتها.

هذا الموضوع يقودنا الى المصلحة الرابعة للصين في المنطقة، الا وهي اضعاف التواجد العسكري الامريكي. احدى المخاوف التي تعبر عنها محافل صينية باستمرار هي سيطرة امريكية بحكم الامر الواقع على مصادر وقنوات توريد الطاقة العالمية بشكل يسمح للولايات المتحدة بمنع تصدير النفط والغاز الى الصين في وضع تعلق فيها علاقاتهما في ازمة خطيرة. في هذا السياق، فان تثبيت التواجد العسكري للولايات المتحدة في الشرق الاوسط وفي وسط آسيا (الخليج الفارسي، الباكستان، افغانستان) يعتبر في الصين كتهديد صريح لمصالحها، وهي معنية في أن تصد ذلك قدر الامكان. من زاوية النظر هذه، فان ابقاء ايران خارج دائرة النفوذ والتواجد العسكري الامريكي يخدم الصين جيدا. فضلا عن ذلك اذا ما حان اليوم واخلت الولايات المتحدة قواتها من افغانستان، كما تريد الصين – ستفتح الصين قناة برية مباشرة الى الخليج الفارسي.

جملة الاسباب هذه تشرح جيدا معارضة الصين لفرض عقوبات دولية – بقيادة الولايات المتحدة – على ايران، ولكن في نفس الوقت يمكن أن تستخلص منها ان هجوما عسكريا على ايران سيمس بالمصالح الصينية اكثر من ذلك. ليس فقط سيؤدي مثل هذا الهجوم الى احداث هزة، على المدى القصير على الاقل، في سوق النفط العالمية بل انه سيعرض اهمال الصين امام دول المنطقة والعالم بأسره في كل ما يتعلق في اقرار الخطوات الدولية. كما أنها ستعرض للخطر استثماراتها في ايران بل من شأن هذا الهجوم أن ينتهي بمرابطة قوات امريكية – بشكل كهذا او ذاك – في نطاق ايران.

في ضوء ذلك، فان "العصا" الاسرائيلية التي لوح بها اوباما بالفعل ذات صلة، وذلك شريطة أن تقتنع الصين بان اسرائيل مصممة بما فيه الكفاية لتنفيذ خطوة كهذه وان الولايات المتحدة ستسمح لها بالفعل بالعمل. وكدولة معتادة منذ أجيال عديدة على سياقات دبلوماسية معقدة، من المعقول الافتراض بانه ستكون حاجة الى خطوات مختلفة لاقناعها بذلك. وبكل الاحوال، مهما كان تأثير هذا التهديد فمجرد اطلاقه نستوجب تناولا لنقطة اخرى: مكان اسرائيل في جملة المصالح الصينية. باستثناء فترة قصيرة في تاريخ الدولتين، حيث بدا فيها أن علاقاتهما العسكرية وخطوات اسرائيل في واشنطن تمنح القدس قدرة تأثير ما على بيجين فان موقف الصين من اسرائيل تقرر دوما وفقا لاعتبارات دولية اوسع. والسبب في ذلك هو انه اغلب الظن ليس لدى اسرائيل ذخائر ذات اهمية كافية بالنسبة للصين، ولا سيما كتلك التي يمكنها أن ترجح الكفة حيال ذخائر النفط في العالم الاسلامي. في ضوء ذلك يحتمل أن يكون الرئيس اوباما قدم لاسرائيل خدمة هامة في انه اشار لها الى الطريق الانجع للوصول الى قلب بيجين – وذلك في زمن حرج تعمل فيه الصين على زيادة نفوذها في المنطقة: بدلا من التركيز على البحث عن ذخائر ومصالح مشتركة بواسطتها يكون ربما ممكنا التأثير على سياسة الصين، فان على اسرائيل أن توظف مساعي اكبر في فهم جملة المصالح المركبة للصين وطرق عملها – وعلى أساس هذا الفهم العثور على سبل مباشرة وغير مباشرة للتأثير على أعمالها.