خبر كيف تصدت « إذاعة صوت القدس » لدعاية الاحتلال إبان الحرب على غزة؟!

الساعة 04:36 م|27 ديسمبر 2009

فلسطين اليوم : غزة ( وسام المقوسي)

شكلت إذاعة صوت القدس واحدةً من عدة إذاعات كانت شاهدة على عدوان غزة, فقد غطت الأحداث لحظةً بلحظةٍ مع مراسليها ومصادرها المنتشرين على امتداد القطاع كما و لعبت دوراً تعبوياً مميزاً عزز صمود شعبنا والتفافه حول نهج المقاومة.

فلم يكن "صوت القدس" لساناً إعلامياً يقتصر على بث خبر هنا أو خبر هناك, بل كان صاحب منهجية في الأداء, وقد جسد ومارس مقاومة واضحة ضد العدو, حيث عمل على ضد ماكنة الإعلام الإسرائيلية التي دأبت على تشويه الحقائق والنيل من الروح المعنوية التي تمتع بها الشعب.

                                شريان ضخ للمعنويات 

فقد أكد المهندس رائد عبيد مدير البرامج في إذاعة القدس اتخاذ الإذاعة إجراءات احتياطية قبل العدوان الأخير, تخوفاً من إقدام العدو على قصف مبني الإذاعة في أي لحظة, موضحاً "أنه وفور وقوع القصف الجوي على القطاع  قمنا باتخاذ خطوات سريعة لتأمين سلامة طاقم الإذاعة ووضعنا بدائل تحفظ الاستمرارية في العمل".

وأشار عبيد إلى أن الإذاعة قامت بوضع خطة بديلة في حال تعرض مبني الإذاعة للخطر، وقال: "لقد قمنا على الفور بإخراج جميع الأجهزة المهمة داخل الإذاعة والعمل على مد شبكات خارجية لأجهزة البث والحصول على كميات كبيرة من السولار الخاص بالمولد الكهربائي تحسبً لفقدان التيار الكهربائي, علماً بأن غزة عاشت على مدار أيام العدوان بدون كهرباء".

وأضاف المهندس عبيد :"بالرغم من خروجنا من الإذاعة ونقل جميع الأجهزة من الإذاعة إلا أننا حافظنا على نقاء وجودة عالية للصوت ووصوله لجميع المناطق بشكل واضح".

وتابع عبيد قائلاً:" لقد شعرنا جميعاً بالمسؤولية تجاه أبناء شعبنا، وقررنا ألا نترك الإذاعة لأنها تعتبر بمثابة الشريان الرئيسي لضخ المعنويات لدى الناس, وغيابها يعني غياب الحقيقة وهبوط في همم الناس".

ونوه عبيد إلى أن الإذاعة عملت على تقديم برنامج مباشر لذوي الأسري في الأسبوع الأخير للعدوان ولمدة ساعتين يتم من خلاله التواصل مع أبنائهم خلال الحرب بعد أن فقد الأسرى في سجون الاحتلال أي وسيلة لمعرفة مصير أهلهم بعد أن جعلتهم في حيرة وقلق دائم.

وفي نهاية حديثه شكر المهندس عبيد الزملاء جميع الأقسام الذين تواجدوا خلال أيام الحرب, بعد تركهم لأسرهم وأبنائهم وأهليهم لساعات طويلة, مفتخراً بأدائهم وحرصهم الكبير على مواصلة العمل وتحمل الضغط المتواصل, رغم الخطر الذي كان يحيط بالجميع.

 

                             تعبئة الجماهير لدعم المقاومة  

أما الزميل الصحفي عبد الناصر أبو عون رئيس قسم المذيعين في إذاعة القدس فيروي تجربته خلال العمل، قائلاً:" كانت تجربة أليمة وقاسية واستثنائية لما شاهدناه من حجم وهول المشاهد والمجازر والجرائم البشعة بحق الفلسطينيين العزل".

ولفت أبو عون النظر إلى أن "العمل الصحفي كان يتطلب العمل الجاد والمسؤول لكشف الجرائم المتتالية، والتي فاقت تصوراتنا لكبر حجمها، واتساع رقعة الدمار والخراب، فكنا لا نعرف الراحة ولا النوم إلا اليسر القليل من أجل مواصلة العمل لنقل كل المآسي والآلام لشعبنا الصامد".

وتطرق مدير قسم المذيعين في إذاعة صوت القدس للحديث عن دور الإذاعة في التعبئة الجماهيرية نحو دعم المقاومة وشحذ الهمم أمام الحرب النفسية، التي كانت تمارسها دولة الكيان على الفلسطينيين.

وأضاف "انه وبالرغم من الإرهاق والتعب إلا أننا نؤمن بخدمة شعبنا وإيصال رسالتنا الإعلامية وفضح ما يدور على أرض الواقع في غزة".

                               مواقف صعبة

بدوره، استذكر عماد نور المذيع في صوت القدس أيام الحرب الصعبة قائلاً: "لقد كنت أسير على الأقدام لمسافات طويلة متوجهاً إلى مبنى الإذاعة رغم الخطر المحدق بي كوني اسكن في المناطق الشرقية للقطاع التي تشهد توغلاً إسرائيلياً".

وأضاف :"بالرغم من ذلك لم أتوان لحظة في مشاركة أبناء شعبي همومهم, حتى لو بكلمة أرسلها لهم عبر الإذاعة تعزز من صمودهم في وجهه هذا العدو المتغطرس كون الإعلام جزء مهم في حياة الناس".

وتابع يقول:" كانت أيام لا تنسى من ذاكرتي أبداً،  كنت أودع زوجتي وأبنائي عند خروجي للعمل, وأنا على يقين أنني ربما لا أعود إليهم".

وأوضح نور أنه لم يكن يتوقع أن يقدم هذا العدو على مثل تلك الحماقة في إبادة شعب وقتله بالفسفور رغم الحصار المفروض والمطبق على جميع مناحي الحياة في غزة, واصفاً الحال الذي وصل إليه شعبا بالمأساوي حيث قال:" لقد تعرضنا أثناء العمل لمواقف صعبه وقاسية من الأهالي وهم يناشدوننا بالبحث عن أبنائهم المفقودين والمشردين منهم والشهداء".

ولفت الصحفي نور في معرض حديثه إلى أنه كنا نجلس في مكان بمساحة ثلاثة أمتار طولاً ومتراً واحداً عرضاً مدة عشرين يوماً على التوالي, لحين انتهاء الحرب الأمر الذي جعلنا في حالة من الضغط والتوتر الدائم, كوننا لم نتعرض لأجواء عدوان بهذا الحجم.

وفيما يتعلق بالداعية والحرب النفسية التي قادها الإعلام الإسرائيلي قال نور:" إن الإذاعة مارست المقاومة الإعلامية المضادة للحرب النفسية التي كان ينتهجها الاحتلال", مشيراً إلى أن العدو قام باختراق شبكات الاتصال والدخول علي موجة الإذاعات المحلية وبث مواد دعائية ومطالبة الأهالي بالبلاغ عن أماكن تواجد الأسلحة ورجال المقاومة.

 

 

                              الظروف لم تقطع التواصل

 من جانبه، وصف الصحفي أكرم دلول، المذيع في صوت القدس العمل خلال الحرب بالقول: "لم نتوقع حرباً بهذا الشكل ولم نمر بتلك التجربة من قبل، فقد كان العمل مجهد ومرهق للغاية مع استمرار العدوان والقصف في كل مكان وعلى مدار الساعة".

وأضاف دلول "أن الأمور ازدادت تعقيداً وصعوبة عندما انقطع الاتصال بعائلتي التي تقطن الحي فخيَّم عليَّ القلق والتوتر, حتى ُفجعت بعد أيام قليله وأنا أمارس عملي بنبأ استشهاد ابن عمي وابن خالي وإصابة شقيقي إصابة خطيرة أدت لبتر في ساقيه, ما دفعني لترك العمل والسفر مع شقيقي إلي خارج الوطن للعلاج".

وأشار إلى أنه و برغم من ذلك لم ينقطع عن نقل معاناة أبناء شعبنا، حيث قال:" كنت في تواصل دائم في نقل المعاناة من قلب المستشفيات المصرية والتي كانت تستقبل عشرات الجرحى المصابين خلال العدوان وكنت انقل رسائلهم علي الهواء مباشرة".

                               أدوارٌ فرضتها الحرب

وعمَّا كسبه من تجربة الحرب، يقول الصحفي يوسف أبو كويك، من قسم الأخبار:" اعتقد أن فترة الحرب صقلت مواهب جديدة لدينا في إذاعة صوت القدس، نظراً لأننا قمنا بدور لم يكن يوكل لنا في الأوضاع العادية".

وتحدث يوسف عن تجربته كمذيع خلال الحرب:" أنا محرر أخبار في الإذاعة إلا أن الظروف الصعبة فرضت عليَّ أن أكون مذيعاً"، مضيفاً:" من أصعب ما واجهناه من مواقف استماعه لمناشدات المواطنين لاسيما الأطفال منهم".

ويوضِّح "اذكر في يوم أنني بكيت وأنا أتحدث مع فتاة كانت تناشدنا بضرورة وصول سيارة إسعاف إلى مكان تواجدهم حيث كان جرحى داخل البيت، فأنا كمذيع لا استطيع إلا أن أسل مناشدة للصليب الأحمر مع علمي المسبق أن وصول طواقمه للمكان كان صعباً للغاية كونه مكان يشهد توغلاً".

ويتفق الصحفي فادي عبيد من قسم الأخبار في الإذاعة مع زميله يوسف فيما قال، ويتحدث عبيد عن اللحظات الأولى للغارات على القطاع والتي خرج فيها في أول خبر عاجل حينما قصف مقر الجوازات بمدينة غزة.

ويضيف عبيد:" لم أكن أتوقع وأنا أذيع الخبر الأول القصف مقدمة لحرب تستمر اثنين وعشرين يوماً، وبعد أن علمت لاحقاً أن الغارات الإسرائيلية استهدفت معظم المقار الأمنية في قطاع غزة ساعتها أيقنت أننا بالفعل أمام حرب مجهولة المعالم والتفاصيل".

ويتابع:" وبالفعل كانت توقعاتي في محلها، فالحرب الإسرائيلية خلفت ضحايا ودمار فاق كل الحدود والوصف".

 

                              التجربة عززت ثقتنا بأنفسنا

المهندس ناصر حرارة، رئيس قسم الهندسة الإذاعية بصوت القدس، تحدث عن الإجراءات التي اتخذها طاقمه لاستمرار العمل أياً كانت الظروف، حيث قال:" في اليوم الأول عملت جدول طوارئ لقسم الهندسة الإذاعية وتم توزيع المهام على جميع الزملاء".

وتابع:" وفي اليوم الثاني عملنا آلية جديدة لنقل البث إلى مكانٍ ما خارج الإذاعة خشية تعرضنا للقصف .. بحمد الله قمنا خلال ساعتين بعمل أستوديو خارجي ضمن الإمكانات المتاحة وبدأنا البث حرصاً منا على سلامة الزملاء من جهة واستمرارية تغطية الأحداث والتطورات من جهةٍ أخرى".

وبيَّن حرارة أن أبرز الصعوبات التي واجهت عمل قسمه إبان الحرب، "الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، وتعذر التواصل عبر شبكات الهاتف والجوال".

ويختتم حديثه بالقول:" الحرب عززت ثقتنا بأنفسنا لاسيما وأننا عملنا تحت ظروف صعبة مصحوبة بجوٍ من الآلام والأحزان على ما يحدث ضد أبناء شعبنا، وهذه التجربة التي خضناها بإصرار وتقدم صقلت قدراتنا وطاقاتنا".

                                 مساعدة المحاصرين  

من ناحيته، قال خميس أبو حصيرة من قسم التنفيذ والمتابعة: "كنا نستقبل عشرات الاتصالات على الإذاعة على مدار الساعة تطلب منا المساعدة, لكن كان الأمر صعب وقاسي حيث وضعتنا في مسؤولية كبيرة تجاه أبناء شعبنا".

وأضاف: "كنا نعمل جاهدين على تقديم أي مساعدة للمحاصرين في مناطق الاجتياح وذلك بعد صعوبة وصول المنقذين لهم"، موضحاً "كنا حلقة وصل بين الأهالي والصليب الأحمر وسيارات الدفاع المدني والإسعاف والعمل على توجيههم للأماكن التي يتواجد فيها مصابون ومحاصرون".

ولفت أبو حصيرة إلى أن إذاعة القدس أعلنت عبر الموجات المفتوحة التي كانت تقدم خلال العدوان, عن البدء بحملات خيرية لتقديم المساعدات للمحاصرين.       

   

وبيَّن أن هذا الأمر لقي ترحيباً جماهيرياً كبيراً من خلال التفاعل مع تلك الحملات و قيام المواطنين في المناطق الأقل احتكاك مع العدو في مد يد العون وتقديم المواد الغذائية والأدوية وحليب الأطفال والملابس والأغطية للمشردين الذي لجؤوا إلى مدارس وكالة الغوث وفقدوا بيوتهم وأمتعتهم.