خبر عام الخزي.. هآرتس

الساعة 09:12 ص|27 ديسمبر 2009

بقلم: جدعون ليفي

التقويم السنوي يدعونا اليوم لمشاهدة احداث هزلية: صوم عاشوراء والذكرى السنوية الاولى لعملية "الرصاص المصبوب". مع حلول ذكرى ذلك الحصار الذي فرضه ملك بابل على القدس في الزمن الغابر هناك قلة من الاسرائيليين تفكر بغزة الخاضعة لحصار اسرائيلي معاكس باضعاف اضعاف ما كان في الماضي. وفي الذكرى السنوية للهجمة على غزة هناك قلة يفكرون بالتوازن الحقيقي والقوي الذي تمخضت عنه تلك العملية. على اية حال السنة التي مرت منذ 27 كانون الاول الماضي كانت سنة عار لاسرائيل، عارها الاكبر من كل الاوقات.

من المخجل ان يكون الواحد اسرائيليا اليوم، واكثر بكثير مما كان قبل عام. في ميزان تلك الحرب التي لم تكن حربا وانما هجمة وحشية، سيسجل الضرر الفادح الذي لحق بمكانة اسرائيل. وستنضم اليه اللامبالاة والعمى الشعبي ازاء ما حدث في غزة. حتى اولئك الذين ما زالوا يعتقدون بان الهجمة كانت مبررة وضرورة من ضرورات الواقع وان ايقاف صواريخ القسام لم يكن ليحدث من دون هجمة قوية الى هذا الحد – لايمكنهم تجاهل الثمن السياسي والاخلاقي الذي تدفعه اسرائيل مقابل العنف الذي مارسته. صورتها في نظر العالم وليس في نظر مواطنيها اقبح بكثير مما كانت عليه قبل عام.

اليوم اصبح من المخجل اكثر ان يكون الشخص اسرائيليا لان العالم خلافا للاسرائيليين شاهد الصور والاحداث. هو رأى آلاف الموتى والجرحى الفزعين الذين يتم نقلها في صناديق السيارات الخاصة الى شبه العيادات وشبه المستشفيات البدائية في منطقة جغرافية حبيسة ضعيفة وفقيرة تقع على مسافة ساعة سفر من تل ابيب المزدهرة المنتعشة حيث لم يكن للضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة هناك اي مكان يفرون اليه من وجه ترسانة السلاح الاسرائيلية. العالم رأى المدارس والمستشفيات ومطاحن القمح والمصانع الصغيرة وهي تقصف بلا رحمة وشاهد سحب الفوسفور الابيض تتعالى في السماء فوق رؤوس التجمعات السكانية وشاهد اجساد الاطفال المحترقة.

العالم لم يسارع في هذه المرة لقبول الاكاذيب والذارئع الدعاوية الاسرائيلية ولم يكن مستعدا للمساواة بين معاناة سديروت ومعاناة غزة، ولم يوافق على التصديق بأن استخدام الفوسفور الابيض يهدف الى حماية النفس وان قتل عشرات عناصر  الشرطة وهم في الطابور شرعي وان اعلام المواطنين الغزاويين عبر اجهزة الهاتف بان "القش على السطح" في نداء لاخلاء منازلهم – يعفي اسرائيل وينظفها من المسؤولية الاجرامية عن قصف منازلهم.

العالم شاهد جوليات الاسرائيلي وهو يضرب داود الفلسطيني بلا رحمة. هو شاهد توازن القتلى قتيل اسرائيلي مقابل مائة قتيل فلسطيني ورأى النظرية والنهج الاسرائيلي الجديد المفزع الذي ينص على ان من المسموح لهذا الجيش ان يفعل كل ما بوسعه تقريبا لمنع سقوط الضحايا في جانبه. العالم عرف بانها ديمقراطية تضرب منطقة جغرافية محرومة من حق تقرير المصير وسكانها يفتقدون للحقوق الانسانية الاساسية، لاجئون ابناء لاجئين يعيشون تحت الحصار، ولذلك شدد من موقفه ومعاملته لنا وعن حق ولم يقبل الصمت او الصفح.

العالم ايضا شاهد اسرائيل وهي تتلفع بلامبالاتها المريضة ازاء ما يحدث وشاهد ساحات المدينة الفارغة تقريبا من الحركات الاحتجاجية ومقاهي تل ابيب التي تغص بالمرتادين المترفين – وهذا في نفس الوقت الذي حصل فيه كل ما حصل. هو حتى شاهد العائلات الاسرائيلية التي تتوجه لزيارة التلال المحيطة الى غزة حتى تري اولادها اين تسقط القذائف وما الذي تتسبب به. بعد ذلك شاهد اسرائيل غير مستعدة حتى للتحقيق بما فعلته وارتكبته وبدلا من ذلك تهاجم كل من ينتقدونها برعونة وعربدة.

والعالم ايضا سارع للنسيان. بعد ذلك بعام حيث بقيت الاربعة مليارات ونصف دولار التي جمعت لاعمار غزة موضوعة في اقبية البنوك وبعد ان رفضت اسرائيل فتح بوابات غزة للامدادات – والعالم صامت تاركا غزة لمصيرها ولانقاضها. ولكن غزة لا تنسى جراحها وليس بامكانها ان تنساها. 325 الف مواطن غزاوي الذين تضررت بيوتهم و1300 عائلة ثكلى وآلاف الجرحى والمعاقين والمصابين بصدمات الخوف والفزع، كلهم ظلوا في غزة ولم تزل معاناتهم.

في الذكرى السنوية الاولى لعملية "الرصاص المصبوب" ومع ميزان سياسي سلبي الى هذا الحد وميزان اخلاقي خطير الى هذه الدرجة، كان على الاسرائيليين ان يسألوا انفسهم على الاقل ان كان كل هذا جديرا بالحصول. ولكن في الذكرى السنوية الاولى تنشغل اسرائيل بمصير عضو الكنيست ايلي افلالو السياسي اكثر من انشغالها بمصيرها السياسي والاخلاقي. عار او ليس عارا – المهم اننا نشعر اننا بحالة جيدة بيننا وبين انفسنا.