خبر المقاومة إرادة.. المفاوضة ميزان قوى .. عصام نعمان

الساعة 09:49 ص|26 ديسمبر 2009

بقلم: عصام نعمان

مع زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لسوريا، تجدد الحديث عن استعداد تركيا لمعاودة التوسط في المفاوضات غير المباشرة بين سوريا و”إسرائيل”.

بالتزامن مع زيارة أردوغان، صرح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بأن وساطة بلاده بين سوريا و”إسرائيل” مطروحة دوماً، ملاحظاً ان تسوية النزاع بينهما لن تكون سهلة قبل معاودة المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية”.

محور التجاذب في المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية”، بحسب جريدة “هآرتس” المستقلة وبالاستناد الى مصادر مسؤولة “إسرائيلية” ومصرية، هو مسألة إبعاد الأسرى البارزين المفرج عنهم الى قطاع غزة أو إلى الخارج، وإن مجلس الوزراء “الإسرائيلي” سيبت الصفقة فور موافقة حركة “حماس” على قائمة الأسرى المطلوب إبعادهم.

لماذا المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” تمّت وأثمرت، أو كادت، بينما المفاوضات السورية “الإسرائيلية”، المباشرة وغير المباشرة، معلّقة الى أجل غير مسمى؟

ثمة أسباب عدة لهذه الظاهرة لعل أبرزها ميزان القوى المتوافر بين الطرفين. ذلك ان الطرف القوي يميل، غالباً، الى ولوج المفاوضات كي يملي شروطه على الطرف الضعيف، بينما يميل الطرف الضعيف الى تفادي المفاوضة إذا كان من شأنها فرض تنازلات مؤلمة عليه. مع العلم أن الطرف الضعيف يضطر أحياناً الى قبول المفاوضة إذا كان تفوق الطرف القوي عليه كاسحاً.

لعل أفضل المفاوضات وأكثرها فعالية وإنتاجية هي تلك التي تجري بين أطراف متكافئين في القوة او في.. الضعف. ذلك ان  أياً منهما لا يستطيع أن يفرض شروطه على الآخر. كما أن الطرفين يفضلان، في حال التكافؤ في القوة أو الضعف، أن يحترما الالتزامات  المتقابلة التي يكونا قد توصلا إليها في المفاوضات. أما إذا تطورت الظروف على نحو أصبح أحد الطرفين معه أقوى من الآخر بشكل حاسم، فإنه يميل غالباً الى نقض التزاماته الناشئة عن المفاوضات.

في الصراع العربي  “الإسرائيلي” كان ميزان القوى غالباً في مصلحة الكيان الصهيوني. ومع ذلك صمد العرب بعد حرب 1967 ولم يفاوضوا العدو لئلا يضطروا الى تقديم تنازلات مؤلمة. غير أن أنور السادات  شعر بعد حرب 1973 بأن مصر أصبحت في مركز تفاوضي أفضل، أو هكذا ظنّ، فدخل في مفاوضات مع العدو أدت إلى مصالحته بل إلى إخراج مصر من حلبة الصراع الإقليمي، الأمر الذي أضعفها على الصعيدين العربي والإسلامي.

الفلسطينيون دخلوا في مفاوضات مع “الإسرائيليين” سنة 399g رغم ميل ميزان القوى بشكل حاسم لمصلحة العدو. ظنّت قيادتهم آنذاك أن موافقة الكيان الصهيوني على مفاوضتهم وتسليمهم السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة يشكّلان نجاحاً نسبياً قابلاً للبناء عليه مستقبلاً. تقديراتهم لم تكن موفقة، إذ امتنعت “إسرائيل” لاحقاً عن تنفيذ بنود اتفاقات اوسلو، كما امتنعت عن إجراء مفاوضات حول قضايا الوضع النهائي، ما أدى الى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الاولى ثم الثانية من دون أن تحققا نتائج ملموسة.

غير أن الفلسطينيين عادوا الى محاورة “إسرائيل” بعدما لمسوا تحسناً في مركزهم التفاوضي عقب أسر الجندي جلعاد شاليت. صحيح أن ميزان القوى العسكري ما زال مائلاً بشكل واضح لمصلحة العدو الصهيوني، لكن ميزان التأثير والمناورة السياسيين تحسّن قليلاً لمصلحة “حماس” عقب فوزها في انتخابات المجلس التشريعي من جهة، وأسر شاليت وسيطرتها على قطاع غزة من جهة أخرى. ذلك دفعها الى محاولة توطيد وضعها السياسي في وجه أصحاب اتفاقات أوسلو الفاشلة بتأمين الإفراج، لقاء شاليت، عن مئات الاسرى وبعض القياديين الفلسطينيين المرموقين. القيادة السياسية “الإسرائيلية” يهمها جداً الإفراج عن شاليت لزيادة رصيدها في أوساط الجمهور، كما في صفوف العسكريين، لكنها تحاذر أن تنتهي صفقة تبادل الأسرى الى إلحاق أذى كبير بأركان السلطة الفلسطينية وبحزبها السياسي المتصارع مع الفصائل المؤيدة لخيار المقاومة. تخشى “إسرائيل”، مثلاً، أن يعود القادة المرموقون المفرج عنهم، كالبرغوثي وسعادات، إلى الضفة ومعاودة الكفاح ضدها وضد نهج محمود عباس ومن يؤيده من حركة “فتح” أيضا. لذلك يسعى بنيامين نتنياهو إلى زيادة عدد الأسرى المراد الإفراج عنهم مقابل إبعاد بعض الأسرى الى غزة وبعضهم الآخر الى دول إسلامية أو أوروبية توافق على استقبالهم و”الحرص” على بقائهم عندها إلى أبد الآبدين. الى ذلك، ثمة من يعتقد أن نتنياهو حريص هو الآخر على الإفراج عن شاليت ليوسع من هامش حرية العمل لديه، فيهاجم غزة، وربما لبنان أيضاً لضرب قوى المقاومة، وبالتالي إضعاف كلٍ من سوريا وإيران.

في المقابل، ليست سوريا في مركز تفاوضي قوي كي تستسيغ معاودة المفاوضات مع “إسرائيل”. ذلك أن العدو الصهيوني يحاول، عبر فرنسا وغيرها، الاحتفاظ بالجولان المحتل، أو معظمه، مقابل “منح” سوريا الأمن والسلام.  ميزان القوى عامل أساس في مباشرة الحرب أو في ولوج كواليس المفاوضات، لكنه ليس كذلك في اتخاذ قرار المقاومة. ذلك أن المقاومة إرادة، بالدرجة الاولى، وهي كثيراً ما تندلع وسط عدم تكافؤ مريع في ميزان القوى بين الدولة المحتلة وحركة المقاومة الثائرة. هكذا كان الوضع في كوبا وفيتنام والجزائر عندما اندلعت المقاومة ضد الوجود العسكري الأمريكي والفرنسي. بل هكذا كان الوضع في لبنان عندما تفجرت المقاومة ضد الاحتلال “الإسرائيلي” سنة 1982 إلى أن اضطرت قوات العدو الى الانسحاب، بل الى الهرب، من الشريط الحدودي المحتل سنة ،2000 وإلى الاندحار في حرب 2006.

المقاومة إرادة، وهي بالتالي ممكنة كلما توافرت الإرادة والعزيمة بصرف النظر عن ميزان القوى السائد. لكن المفاوضات تبقى مشروطة بموازين القوى. وهي غير مجدية البتة إذا كان المراد منها الانسحاب من بعض الأرض المحتلة من أجل الإحتفاظ ببعضها الآخر والأكبر. يتحصّل من مجمل ما تقدم بيانه أن المقاومة مستمرة في فلسطين سواء أفرج عن الأسرى أم لم يفرج، وأن المفاوضات متعذرة أو غير مجدية بين سوريا و”إسرائيل” سواء كانت بوساطة تركيا أو فرنسا.