خبر غزة: عامٌ على العدوان ومشاهد الدماء والدمار لم تُمحَ من الذاكرة

الساعة 09:23 ص|26 ديسمبر 2009

فلسطين اليوم : غزة

في الذكرى السنوية الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ما زالت ذكريات الموت تنكأ جراح ذوي ضحايا الحرب، إذ تلتصق في مخيلتهم مشاهد الدماء التي سالت على الأرض، والأشلاء التي مزقتها صواريخ الطائرات لتتناثر على ركام المنازل المدمرة، بينما يحتفظ كثيرون في ذاكرتهم بمشاهد جثث الشهداء وهي ملقاةٌ على جوانب الطرقات لأيام متتالية دون أن توارى الثرى.

ويستذكر المواطن خالد عبد ربه (32 عاماً) ساعات الموت المتواصل التي عاشتها عائلته خلال الحرب، وفقد خلالها طفلتيه أمل (عامان) وسعاد (7 أعوام) أمام ناظريه قبل عام من هذا التاريخ.

وقال وهو يصطحبنا إلى المكان الذي سالت فيه دماء ابنتيه في عزبة عبد ربه شمال قطاع غزة: "هنا أطلق جنود الاحتلال النار علينا جميعاً من مسافة لا تزيد عن 10 أمتار، ومنعوني من الخروج لإسعاف بناتي الثلاثة قبل أن تفارق اثنتين منهما الحياة وأمي التي ظلت تنزف لساعات قبل أن أنقلها على عربة كارو التي استشهد صاحبها وقتل الحصان".

وأوضح أنه "لا يستطيع أن يمحو من ذاكرته تلك الأيام الصعبة، لأنها أصبحت جزءاً أساسياً من ماضيه وحاضره"، مشيراً إلى "الأوضاع الصعبة التي يعيشها مع عائلته بعد تدمير قوات الاحتلال لمنزله أسوة بآلاف المنازل التي تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي خلال العدوان.

ولم تستطع الأم حبس دموعها وهي تعود بذاكرتها إلى الوراء لتتحدث عن تفاصيل مشهد الموت الذي رأته بأم عينها، وقالت: "كانتا تسيران بجانبي لحظة إطلاق النار ولم يكن أي مسلح في المكان، بل رفعتا معنا الرايات البيضاء لنحصل جميعاً على الأمان، فما كان من هؤلاء المجرمين إلا أن أطلقوا النار باتجاهنا".

وتابعت حديثها وهي تحتضن ملابس ابنتيها: "كل الذكريات الحلوة التي عشتها في حياتي أزالتها صورة استشهاد أمل وسعاد، ولا أعتقد أن الاحتلال سيتركنا في حالنا حتى بعد كل الدمار الذي أحدثه".

وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي شنت قبل عام عدواناً واسع النطاق على قطاع غزة استمر 22 يوماً، واستخدمت خلاله مختلف أنواع الأسلحة البرية والجوية والبحرية، وأدت العمليات العسكرية إلى استشهاد 1409 مواطناً خلال الحرب وتبعاتها، منهم 355 طفلاً و211 من النساء.

أما أكثر ما يؤلم المواطن محمد شراب (64 عاماً) الذي فقد ولديه كساب (28 عاماً) وإبراهيم (18 عاماً) برصاص الجيش الإسرائيلي في مشهد استمر أكثر من 20 ساعة في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، هو أن القتلة ما زالوا أحراراً من دون محاكمة أو عقاب، رغم أن أدلة الجريمة واضحة ولا يمكن إخفاؤها.

وأوضح أن "الذكرى الأولى للحرب تمر عليه كما تمر على أي أب فلسطيني فقد فلذات كبده أمام عينيه، "فلا الحزن أو الألم أو البكاء قادر على التعبير على مرارة الشعور الذي أمر به هذه الأيام، خصوصاً عندما أسير بجانب موقع الجريمة واستذكر ما حدث لحظة بلحظة".

وأضاف شراب مصوباً نظره نحو صورة لولديه على جدران الحائط،: "شابان في مقتبل العمر استشهدا وأنا احتضنهما، لن أستطيع نسيان ذلك لأن يدي وجسدي وعيني وكل شيء سيذكرني بهما حتى ألقى ربي".

أما عائلة بعلوشة، فتتساءل عن الذنب الذي اقترفته حتى تفقد خمسة من بناتها في عملية قصف جوي لمسجد الشهيد عماد عقل في جباليا شمال قطاع غزة، :"ألا يعد ذلك جريمة بحق الإنسانية يجب أن يعاقب من اقترفوها؟ أم أن ميزان العدالة في هذا العالم معوج"؟

ورغم مرور عام على الحرب، إلا أن والدي الشهيدات الخمس (تحرير وإكرام وسمر ودينا وجواهر) (17، 15، 13، 8 ، 4 أعوام) لا يزالان يعيشان مشاعر الحزن، لدرجة أن الأم لا تنام قبل أن تقبل صورة جماعية لبناتها اللواتي استشهدن بعد أن هدم المنزل فوق رؤوسهن.

وتقول: "لم تجلب لنا هذه الحرب إلى الدمار والخراب، ولا يمكننا نسيان الجراح التي أصابتنا جراء اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي ليس بعد مرور عام فقط ولكن بعد مرور كل الأعوام".

وأضافت: "كان الاحتلال يتحدث عن استهدافه للمسلحين، لكن في واقع الحال أكد أن الأبرياء هم من سقطوا خلال العدوان".

حدثت الحرب وانتهت فصولها، لكن تفاصيل الحزن والألم لم تغادر قلوب وعقول آلاف الفلسطينيين الذين فقدوا أحباءهم من دون ذنب، سوى أنهم كانوا يعيشون على أرض تسمى قطاع غزة.