خبر « بدي أروح ألعب كمبيوتر.. والأم تصرخ: »أنقـــذوني"

الساعة 10:25 ص|24 ديسمبر 2009

"بدي أروح ألعب كمبيوتر.. والأم تصرخ: "أنقـــذوني"

فلسطين اليوم- غزة (تقرير خاص)

عاد محمد عابد (13 عاماً) من مدرسته إلى المنزل التهم لقيمات صغيرة من طعامه وهرع إلى محل الألعاب المقابل لمنزلهم، حجز لنفسه جهاز كمبيوتر سيجلس عليه في حال قام سابقه، وما إن جاء دوره حتى تمرس أمام الجهاز وبدأ يستعيد ذهنه وقواه العقلية ليركز في لعبته المفضلة كاونتر سترايك ( counter strike).

 

أخذ عابد دور (الشرطي) وبدأ يلاحق (الحرامي) وقد استخدم كل ما تسمح له من أسلحةٍ لتحرير الرهائن حسب قوانين اللعب، وقد علا صوته وكبر كلما استطاع تحقيق هدفه، وعندما يخسر يكون في أسوأ حالاته، ليصرخ عالياً ويضم صوته لأصوات أقرانه من الأطفال في المحل.

 

عابد كغيره من الأطفال، اعتاد على الذهاب إلى محل الألعاب ليمارس لعبته المفضلة، يمضي فيه ليس أقل من أربع ساعات تفاوتت في عددها مابين يوم ويوم، وعندما يشترك في مجموعة لعب فلا يتذكر كم ساعة يمضي في المحل.

 

عابد يؤكد لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، أنه اعتاد على زيارة المحل واللعب فيه، مع أصدقائه خالد وعبد الله الذين شكلوا مجموعة للتنافس في هذه الألعاب، ولا يكترثون للوقت الذي قد يمضوه في المحل.

 

خالد يوافق أصدقائه في أنه يشعر بمتعة عالية في استخدام الألعاب الحربية التي تشعره بأنه شجاع وقوي، خاصةً عندما يحرر أو يحمي الرهائن، أو استخدام السيوف في إحدى الألعاب، كما أنه يستخدم السلاح المتطور في هذه الألعاب.

 

صديقهم عبد الله لا يجد في زهابه للمحل مشكلة تؤثر على دراسته، حيث أنه يواضب على ارتياد المحل في وقت فراغه وعندما ينتهي من واجباته المنزلية، وعلى الرغم من وجود جهاز حاسوب في منزله ولكنه يحرص على الذهاب للمحل ليشعر بالمتعة مع أصدقائه.

 

متعة وإثارة

ويضيف عابد، أن اللعب مع الأصدقاء في المحل يعطيهم متعة وإثارة أكثر، من اللعب وحده في المنزل، خاصةً أن أجهزة الحاسوب في المحلات تكون أكثر تطوراً من الموجودة في بعض المنازل.

 

حسين أو لحية يبلغ من العمر (15 عاماً) تواجد في المحل وقد تسمر أمام أحد الأجهزة، واكتفى بالرد على السؤال وهو يركز في لعبته، ليؤكد أنه هذه الألعاب تساعده على التفكير العالي، والذكاء والقوة.

 

يقول أبو لحية:" بحس حالي شجاع وقوي، وفي ألعاب بنتصر فيها، وبحقق فيها اللي مابقدر أحققه على أرض الواقع زي لعبة تحرير الرهائن، بحس حالي طلعت كل الأسرى من سجون الاحتلال، حاولي جربيها ماراح تزهقي منها..!!".

 

ولم يعد فتح محل ألعاب صعباً حيث يكلف الأمر، عدداً من أجهزة كمبيوتر التي تضاعفت أعدادها ورخص ثمنها، وطاولات خشبية، ومحل تجاري يتم استئجاره، أو يمكن فتحه في داخل المنزل إذا وجد المكان المناسب له.

 

صبر واعتياد على السهر

يقول أحمد عواد صاحب أحد محلات الألعاب:"البطالة التي يعاني منها الشباب دفعهم للتفكير في أي مجال للعمل، وقد أصبحت هذه المحلات رائجة ومشروعاً مربحاً نظراً للإقبال الشديد عليها من قبل الأطفال، حتى أن بعضهم لا يهمه أن يدفع 3 شيكل مقابل ساعة من اللعب، حيث أن هناك أطفال يمضون أكثر من خمس ساعات في المحل".

 

ويشير عواد، إلى أن الألعاب التي يمارسها الأطفال هي الألعاب الحربية أو الرياضية كالبلياردو والشطرنج والسيوف والمحارب والطاولة وبالطبع Half life، و counter strike، مضيفاً أن المحل لا يخلو من الأصوات العالية والصراخ حسب طبيعة اللعبة.

 

يضاف إلى هذا أن بعض المحلات تظل مفتوحة لساعات طويلة تصل أحياناً للساعة الثانية فجراً، وحسب العديد من أصحاب هذه المحلات فعلى العامل فيها أن يكون لديه قدرة عالية على السهر والتعامل مع الأطفال، والفض بين المشكلات التي تفتعل بيهم بين الحين والآخر ويكون لعبة ما أو حجز جهاز الحاسوب بالطبع السبب في هذه المشكلة.

 

مكلفة وأطفال سوء

أم أيمن فرج الله التي تعاني من هذه الألعاب، حيث أن أطفالها الأربعة اعتادوا عليها سواء في المنزل أو في المحلات المكتظة في المنطقة، قالت لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، إن مصروف هذه الألعاب أصبح متزايداً في ظل الأوضاع الصعبة.

 

وتضيف فرج الله، أن أحد أطفالها لا يتمتع في ممارسة هذه الألعاب سوى في محل مخصص للعب، حيث يبرر ذلك لها بأن الجهاز الوحيد في المنزل لا يمكنه أن يقوم باشتراك مع عدد من أصدقائه في اللعب، أما المحلل فيحقق له ذلك.

 

ولم تخف مخاوفها من أن ارتياد هذه المحلات سيعلم أطفالها سلوكيات خاطئة، أو التعارف على أطفال تكون أخلاقهم سيئة، مما يجعلها دائمة القلق عليهم، وتحاول بكل الإمكان منعهم من الذهاب لهذه المحلات والإكتفاء باللعب داخل المنزل، فضلاً عن أن هذه الألعاب تلهيهم عن دراستهم خاصةً في الوقت الذي يستعد فيه الطلبة لامتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول.

 

تفريغ نفسي

سمير زقوت الأخصائي النفسي في برنامج الصحة النفسية أكد لـ""وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، أن إقبال الأطفال الفلسطينيين الذين عاشوا الحرب الأخيرة على قطاع غزة والدمار الشامل الذي حل بهم، دائماً يحاولون التوحد بلا وعي مع المعتدي باستخدام أدواته وأساليب القتال، وهي تعد حيلة نفسية حيث يحاول من خلال هذه الألعاب أن يدافع عن نفسه وحمايتها في وقت عجز خلال الحرب أن يحميها.

 

وأضاف زقوت، أن الأطفال أصبحوا أكثر ميلاً للعدوانية والقتل ويستخدمون في ألعابهم أدوات العنف، حتى في أعيادهم فإنهم يستخدمون الأسلحة "والدمدم" الذي يصيب الإنسان ويسبب له إصابات بالغة، وبالرغم من ذلك يمارس هذه الألعاب.

 

واعتبر زقوت، هذه الألعاب، بأنها تفريغ نفسي انفعالي نتيجة الظروف التي يعيشها أطفالنا، حيث اعتادوا على العنف.

 

وعن سبل تعامل الأمهات مع أطفالهن وانزعاجهن من اعتيادهم على هذه المحلات، أوضح زقوت أن الأم لا يمكنها مراقبة طفلها حيث أنه يضطر للذهاب لمحلات وأماكن عامة لممارسة ألعابه المفضلة، لذا عليها أن تقدم له نوعاً آخر من الألعاب.

 

وبين، على أولياء الأمور أن يتحدثوا مع أطفالهم لما يحدث ذلك، وأن يفهموا أطفالهم كل مايحدث من حولنا، وأن العدو الإسرائيلي قد احتل أرضنا، وهناك معناً للقتال وهو المقاومة، وذلك من أجل تخفيف حدة التوتر لدى الأطفال.