خبر مفارقة الأسر .. هآرتس

الساعة 09:28 ص|23 ديسمبر 2009

بقلم: ألوف بن

ما أهم لأمن اسرائيل؟ اقصف المفاعل الذري ام اعادة جندي واحد الى الاسر؟ الخروج للحرب أم العنوان القادم للاسرى الفلسطينيين الذين سيطلقون عوض الاسير؟ أتحديد حدود الدولة أم سجن ارهابيين كبار؟

الجواب النظري واضح وهو ان قرارات الحروب والسلام اهم من تبادل الاسرى. لكن العلاقة في الواقع عكسية. فأسهل على رؤساء الحكومات ان يقسموا القدس او يهدموا بيروت من الموافقة على اطلاق عشرة ارهابيين فلسطينيين كبار الى الضفة الغربية عوض اعادة جلعاد شليت من غزة. ان المباحثات في صفقات الاسرى اكثر من كل قرار سياسي او امني اخر تجعل الساسة يشركون الجمهور في عذابهم وكأنهم انتخبوا للندب لا للقيادة.

يعد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو زعيما يصعب عليه القرار، يكثر من اشراك الاخرين ويقرأ استطلاعات الرأي قبل حسم الامر. فلا عجب انه يجمع "منتدى السبعة" ليلا ونهارا في تساؤلات جماعية في صفقة شليت. لكن سلفه ايهود اولمرت ايضا الذي افتخر بقدرته على "البت سريعا"، عانى تلك الترددات في قضية الجندي الاسير. خرج اولمرت لحرب لبنان الثانية، واقترح على محمود عباس تسوية دائمة وجدد المحادثات مع سورية بغير ان يشاور الاخرين تقريبا. لكنه دحرج اعادة شليت الى وريثه.

كان اسهل على شارون ان يقرر تبادل الاسرى. فقد أيد مبدأ انه لا يحل ابقاء يهودي اسير في ايدي العرب. لكن زعيما قويا مثله احتاج الى جهد كبير كي يجيز في حكومته "صفقة تيننباوم" مع حزب الله (اجيزت خريطة الطريق والانسحاب من غزة بأكثرية اكبر). ان شارون كورثته ايضا لف القرار بالقول انه "قليلة المرات التي واجهت فيها حكومة حيرات جد قيمية واخلاقية". بعد ذلك بست سنين نسي تيننباوم ولم يعد احد يهتم بمئات الفلسطينيين واللبنانيين الذين اطلقوا عوضا منه. تبدلت الاسماء وبقيت الحيرة كما كانت.

يصعب على الساسة ان يقرروا في صفقة شليت لان القرارات على تبادل الاسرى لها وجه. كذلك لاسيرنا ولاسراهم. في اللحظة التي يجوز فيها النقاش العام الى الشخصي يصبح عاطفيا. يستطيع كل واحد وواحدة ان يضعفا انفسهما او ابنهما بدل شليت وان يتخيلا معاناته الفظيعة. بالضبط كما يكون اسهل تجنيد تبرعات لطفلة واحدة تحتاج الى زرع مخ عظام من الف مريض مجهول.

ان اللغة الغامضة تسهل المباحثات في الشؤون الامنية. وان مصطلحات مثل "اعادة بناء الردع"، او "المس ببنى الارهاب التحتية" تعزل غرفة جلسات الحكومة عن المعاناة الانسانية التي تسببها قراراتها. ان الوزراء الذين اجازوا قبل سنة عملية "الرصاص المصبوب" من اجل "اعادة صورة الحياة الطبيعية الى الجنوب"، من المحقق انهم كانوا يصبحون اكثر ترددا لو شاهدوا صور ثلاث بنات الطبيب الغزي الدكتور عزالدين ابو عياش، وعلموا ان قرارهم سيعرض حياتهن للخطر.

من المحقق ان غولدا مئير كانت تزن رفضها اجراء محادثات سلام مع مصر قبل حرب يوم الغفران لو ان السؤال كان: "ماذا تفعلين لمنع حرب يقتل فيها آلاف المحاربين؟" او لو بينوا لها صور تخريج تلك السنة من الثانويات العامة، مع أطر سوداء حول اولئك الذين لن يعودوا. لكن النقاش في مطبخ غولدا تم بلغة تجريدية تكاد تكون بالرموز، وانحصر في مسألة كيف تخدع الحكومة والجمهور والامريكيون ويغطى على القرار الحقيقي.

حدث الشيء نفسه في صفقة شليت. فقد تم التفاوض سريعا ما ظلوا يتحدثون في الارقام، وعلق عندما انتقلوا الى الاسماء. يشتاق الساسة الى اقرار مبادىء لصفقات تبادل كهذه لاعفاء انفسهم من الحيرة الشخصية ولينقلوا النقاش من الاسماء والوجوه الى مفاهيم مجردة. لن يساعدهم هذا: فبعد ان تستكمل الصفقة الحالية ايضا ويعود شليت الى البيت سيثار النقاش نفسه من جديد اذا وقع اسرائيلي آخر في الاسر. وآنذاك اذن، ستشغل اعادته الرأي العام ورئيس الحكومة اكثر من مشكلات اساسية استراتيجية.