خبر الشريك المحتمل بديلا عن العدو المحتمل .. عاطف الغمري

الساعة 09:15 ص|23 ديسمبر 2009

بقلم: عاطف الغمري

ليس أسهل من إحكام النظرة الي سياسة أمريكا الخارجية‏,‏ في إطار ماهو ثابت ومألوف علي مدي أكثر من خمسين عاما‏.‏ لكن ليس من الحكمة قراءة سياسة أوباما في نفس الاطار‏,‏ تعلقا بمقولة ان أمريكا دولة مؤسسات‏,‏ وأن سياستها الخارجية ثابتة لا تتغير‏,‏ بينما اكثر هذه المؤسسات قوة وتأثيرا انتهت الي أن التغيير أصبح الآن مصلحة أمن قومي للولايات المتحدة‏,‏ وهي نتيجة اتفقت عليها حتي من قبل ان يرفع أوباما علي حملته الانتخابية شعار التغيير‏.‏

ان فترة اوباما تشهد من أول يوم لدخوله البيت الأبيض‏,‏ صياغة تاريخ جديد للسياسة الخارجية‏,‏ يظهر جانبه الشكلي في أسلوب إدارة عملية اتخاذ القرار‏,‏ وجانبه الموضوعي في نهج متغير رؤيته للسياسة الخارجية‏,‏ ينحو نحو تغيير قواعد اللعبة‏,‏ التقليدية‏.‏

ومن ناحية الشكل‏,‏ فإن الفريق المعاون لأوباما من وزراء ومساعدين ومستشارين‏,‏ جاء تشكيله مخالفا لما هو متبع من الرؤساء‏,‏ الذي كان كل منهم يجمع حوله أصحاب الاتجاهات التي تتفق مع توجهه السياسي‏,‏ ومن داخل الحزب الذي ينتمي اليه في معظم الأحوال‏.‏

فالفريق المحيط بأوباما تتنوع اتجاهاته‏,‏ وإن جمعتهم مدرسة واحدة هي المدرسة الواقعية‏,‏ ومنهم جمهوريون وهو الديموقراطي‏,‏ ومنهم اصحاب آراء لم تكن تتفق مع فكر أوباما‏.‏

وعمليا فإن طريقة أوباما في ادارة اجتماعاته مع معاونيه‏,‏ تتميز بتركه لكل منهم طرح وجهة نظره في موضوعية المناقشة حتي وإن اختلف مع التوجه الغالب‏,‏ وشرح أسانيده‏.‏ وحين لاحظ أوباما ان أحدهم لا يشارك في المناقشة‏,‏ لا يتركه في سكوته‏,‏ بل يسأله رأيه‏,‏ ويثير حالة من الجدل‏,‏ قبل ان ينتهي الي قرار‏.‏

ومن الناحية الموضوعية‏,‏ فإن أوباما قد حسب ان فترة حكمه هي مرحلة إنتقالية‏,‏ الي عصر يتشكل فيه العالم بصورة مختلفة‏,‏ لن تكون أمريكا فيه القوة المحتكرة للنفوذ في العالم وادارة أزماته‏.‏

القاعدة الرئيسية التي أعاد عليها أوباما تشييد بناء السياسة الخارجية‏,‏ هي الارتباط مع الشركاء‏.‏

بمعني أن الشريك هو من يملك رؤية سياسية واضحة ومحددة‏,‏ واستراتيجية للحركة والتأثير‏,‏ ودور إقليمي محوري‏,‏ مادامت أن أمريكا حسب نص كلام أوباما‏,‏ وتقارير المؤسسات‏,‏ مقبلة علي عصر ستتقلص فيه قوتها النسبية‏,‏ ونفوذها العالمي‏,‏ وأنها لن تستطيع وحدها حل المشاكل والأزمات الدولية‏,‏ أو حتي التصدي منفردة للتحديات لأمنها القومي‏.‏

واتصالا بهذه القاعدة‏,‏ فإن توجهات أوباما ترمي الي تأكيد مبدأ الحوار‏,‏ حتي مع أشد الخصوم تشددا‏,‏ ونزع فتيل العداوات‏,‏ وتصفية قائمة الخصوم والاعداء إلي أقل عدد ممكن‏.‏

وهو بهذا يستبدل بمفهوم العدو المحتمل الذي كان ركنا أساسيا في استراتيجية السياسة الخارجية لبوش‏,‏ بمفهوم الشريك المحتمل‏,‏ وهو مادعا بعض الخبراء في واشنطن‏,‏ الي القول بأنه ليس مستبعدا ان تكون ايران في مرحلة ما‏,‏ ضمن قائمة الشريك المحتمل‏,‏ واذا كان هذا توقعا امريكيا‏,‏ فهو ليس أمرا مستبعدا كرغبة ايرانية‏,‏ تضع في حساباتها ان تصل المواجهة مع امريكا الي التوقف عند بداية التفاوض والحوار‏,‏ بأن تعترف لها أمريكا بدور إقليمي في الشرق الأوسط‏.‏

وحين ننظر الي توجهات أوباما نحو تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط‏,‏ فإن احتياجه للشريك‏,‏ يجعله يتوقف عن العمل بمبدأ إشعال الفوضي الإقليمية‏,‏ الذي طبقته إدارة بوش‏,‏ والاستبدال به نوعا من التهدئة للوصول الي توافق بين الأطراف‏.‏

وحسب ما يتناثر من معلومات في واشنطن‏,‏ فإن أوباما يجهز خطة لتسوية النزاع العربي الاسرائيلي‏,‏ يقدمها الي طرفي النزاع‏,‏ تضع في اعتبارها حدود قدرة كل طرف علي التأثير من أجل مطالبه‏,‏ وقدرته علي حشد أوراق ضغطه اقليميا‏,‏ وعلي أمريكا في داخلها‏.‏

ولا ننسي ان النظام السياسي في الولايات اللمتحدة‏,‏ يتيح أوسع الفرص للضغوط‏,‏ لتلعب دورها المؤثر علي قرار السياسة الخارجية‏..‏ هذه قاعدة مشروعة ومعترف بها‏.‏

وهذه الخطة ـ طبقا للمعلومات المتوافرة بشكل غير رسمي حتي الآن‏,‏ تقوم علي قيام دولة فلسطينية ذات سيادة بجوار اسرائيل‏,‏ عاصمتها القدس الشرقية‏,‏ وان تضم اسرائيل اليها الكتل الاستيطانية الرئيسية في الضفة الغربية‏,‏ في مقابل بديل من الأرض يضم للدولة الفلسطينية‏,‏ وان يتحقق هذا الهدف خلال ولايته الأولي‏.‏

لكن لاحظ الربط بين تفاصيل الخطة‏,‏ وإتاحة الفرصة للطرفين لكي يمارس كل منهم ضغوطه‏,‏ وبالطبع فإن الضغوط ـ عربيا ـ ليست عملا بالمصادفة أو فرديا‏,‏ لكنها حشد أكبر قدر من امكانات التأثير ـ في إطار رؤية واستراتيجية ـ تجعل الأمريكيين يشعرون بأن مصالحهم الاستراتيجية مع العالم العربي‏,‏ هي عملية تبادلية‏.‏

فهل يلحق العرب بهذه الفرصة التاريخية ؟

إن تاريخ العالم تعاد مراجعته وصياغته في مرحلتنا الراهنة‏,‏ والكل يتحرك بوعي ودراسة وتجهيز للمواقف‏,‏ انتهازا لهذه الفرصة‏,‏ والذي يتقاعس يكون قد أوقع نفسه تحت حساب التاريخ والشعوب‏.‏