خبر نصيحة لـ « حماس » ..هاني المصري

الساعة 10:18 ص|22 ديسمبر 2009

نصيحة لـ "حماس" ..هاني المصري

 

ـ الأيام الفلسطينية 22/12/2009

رغم اقتناعي بأن شروط المصالحة الوطنية لم تنضج حتى الآن، فلسطينياً وعربياً وإقليمياً ودولياً (وإسرائيلياً)، ورغم أن الورقة المصرية على أهميتها لا تؤدي إلى المصالحة الوطنية حتى لو وقعت "حماس" وجميع الفصائل عليها، لأنها تشكل إدارة للانقسام وليس حلاً له، ونوعاً من إعلان النوايا والمبادئ وركزت على الجوانب الإجرائية والصلاحيات أكثر ما تناولت المضمون، إلا أنني أنصح "حماس" بالمسارعة الى توقيع الورقة المصرية لأن عدم إقدامها على ذلك يجعلها تتحمل المسؤولية عن عدم تحقق المصالحة. فـ "فتح" كانت أشطر من "حماس" بالتوقيع على الورقة رغم ملاحظاتها عليها والتي لا تقل عن ملاحظات "حماس".

يقول قادة "حماس" إن الورقة المصرية تغيرت وإن ملاحظات "حماس" عليها مهمة، والرد على ذلك بأن تعديل الورقة المصرية وفقاً لملاحظات "حماس" لا يعطيها ضماناً بأن الأمور ستسير على ما يرام. نعم إن الورقة المصرية ليست قرآناً لا يمكن تعديله، ولكن السياسة شطارة ومناورة وتكتيك وكل طرف يحاول أن يوقع خصمه بالفخ الذي ينصبه له.

فإن تصنيف "حماس" لكلمتي "التوافق الوطني" عند الحديث عن تشكيل لجنة الانتخابات العليا أو اللجنة الأمنية العليا، وكلمة "ملزمة" عند الإشارة الى تشكيل الاطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، لن يكون العصا السحرية التي تشق البحر وتفتح الطريق للمصالحة، وتجعل الورقة المصرية على أحسن ما يكون.

إن ما يضمن لـ "حماس" تحقيق ملاحظاتها أولاً إعلان المسؤولين المصريين على كل المستويات، بأن مصر ستأخذ ملاحظات "حماس" بالحسبان عند التطبيق، بمقدور خالد مشعل عندما يوقع على الورقة المصرية أن يكتب بعد توقيعه "شرط أن تؤخذ ملاحظات "حماس" بالحسبان عند التوقيع"، ثانياً وهذا هو الأهم، أن قوة "حماس" على الأرض خصوصاً سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة، ستمكنها من ضمان تطبيق الورقة المصرية، بما فيها ملاحظاتها عليها، وإذا لم يتم ذلك من خلال التطبيق المتبادل والمتزامن والمتوازي لجميع بنودها فإنها لا تطبق النقاط التي تعتبرها ضد مصالحها.

إن أهمية الورقة المصرية تكمن في أنها المدخل الوحيد المتاح لاستمرار الحوار وصولاً الى تحقيق المصالحة، ولو فيما بعد، وإن عدم التوقيع عليها، أدخل المصالحة الوطنية في الثلاجة، وجمد الحوار في وقت اشتدت الحاجة للمصالحة بعد وصول المفاوضات الى طريق مسدود، وتصعيد الحكومة الإسرائيلية لإجراءاتها العدوانية والاستيطانية والعنصرية، خصوصاً في القدس.

إن توقيع الورقة المصرية يتيح استمرار الحوار. واستمرار الحوار يمكن أن يفتح الطريق لبلورة استراتيجية جديدة وبديلة عن استراتيجية المفاوضات الثنائية كخيار وحيد، أي يفتح الطريق لما دعا إليه خالد مشعل وغيره من قادة "حماس" الى وضع برنامج انقاذ وطني. فالمطلوب إيجاد برنامج إنقاذ وطني وليس الحديث عن هذا البرنامج للتهرب من التوقيع على الورقة المصرية وخسارة إمكانية استمرار الحوار.

إن وضع برنامج إنقاذ وطني هو طريق الخلاص الوطني، برنامج يضع الأهداف الأساسية وأشكال النضال لتحقيقها وقواعد العمل السياسي والديمقراطي والاجتماعي، ويحدد موقفاً فلسطينياً من المفاوضات والمقاومة، ومن السلطة وضرورة إعادة صياغتها بحيث تكون فعلاً أداة من أدوات المنظمة والتي من المفترض إعادة تشكيلها وإصلاحها، ومرحلة على طريق إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس.

أخاطب قادة "حماس" بكل إخلاص ومسؤولية وأقول لهم : إذا كان عدم توقيع الورقة المصرية، يرجع الى أن "حماس" تعتقد أنها إذا انتظرت بعض الوقت ستستطيع أن تفرض مصالحة وطنية بشروطها، وبما يضمن لها قيادة الوضع الفلسطيني فهي مخطئة جداً. فإتمام صفقة تبادل الأسرى، مهم جداً، ولكنه لن يغير موازين القوى الداخلية لحركة حماس، وإنما سيحسن من شعبيتها لبعض الوقت، ولكنه لن يغير الموقف الإسرائيلي والعربي والدولي من حركة حماس بحيث يتم الاعتراف بها والتعامل معها.

كما أن إتمام صفقة تبادل الأسرى ما لم يسبقها أو يتبعها مصالحة لن يؤدي الى رفع الحصار عن قطاع غزة، ولا إعادة إعماره، فلدى الاحتلال من الذرائع ما يمكنه من تعطيل الجهود لرفع الحصار والإعمار، ولشن حرب جديدة على غزة، ولو بعد حين.

وإذا كانت "حماس" تراهن على أن خصمها الرئيسي "فتح" في وضع صعب مرشح للتفاقم أكثر مع وصول المفاوضات الى طريق مسدود، وإعلان ابو مازن عن عدم رغبته بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة ما يربك "فتح" ويدفع الصراع الى البحث عن البديل الى أقصاه قبل الأوان، فإن رهانها خاسر، لأن "فتح" لها جذور شعبية وتاريخ وعوامل قوة محلية وإقليمية ودولية تجعلها قادرة على الصمود وعدم الانهيار. كما ان "حماس" في وضع أصعب في ظل الحصار والعدوان وبعد الانباء عن جدار حديدي على الحدود المصرية - الفلسطينية.

إن استمرار الوصع الحالي لن يقود الى توفير فرصة أفضل لـ "حماس"، وإنما يعطي إسرائيل فرصة نموذجية لتوظيف الانقسام الفلسطيني، والتوهان الدولي، والغياب العربي لتطبيق مشاريعها الاحتلالية بسرعة أكبر وتكاليف أقل بحيث يصبح الحل الإسرائيلي أكثر وأكثر هو الحل الوحيد الممكن والمطروح عملياً.

إن الوحدة الوطنية ضرورة وليست خياراً أساسياً، وهي التي ستحمي "فتح" و"حماس" والفلسطينيين جميعاً. وعند لحظة ما، يمكن أن تكون بعد انتهاء مدة العشرة أشهر على مسرحية "تقليص الاستيطان الجزئي المؤقت" قد تعلن الحكومة الإسرائيلية، خشية من فرض حل دولي عليها، ومن خطر قيام دولة واحدة، عن عزمها على اتخاذ خطوات إسرائيلية أحادية الجانب، رداً على رفض الجانب الفلسطيني استئناف المفاوضات، ورداً على خطوات أحادية الجانب يلوح بها ابو مازن وسلام فياض وغيرهما من القيادات الفلسطينية.

إن هذا الواقع يقود الى حل واقعي، تنسحب إسرائيل بموجبه من أجزاء من الضفة (البقايا الآهلة بالسكان والأراضي التي لا تريدها) لتجبر الفلسطينيين على إقامة الدولة ذات الحدود المؤقتة (الدائمة فعلياً)، وتدعوهم للتفاوض معها (دولة مقابل دولة) ما يحول الصراع الى نزاع على الحدود بين دولتين، يمكن أن يستمر لعشرات السنين بدون أن يقلق العالم ويدفعه للتحرك للضغط على الطرفين للتوصل الى حل.

إن المصلحة الوطنية العليا، وليس بالضرورة مصلحة "حماس" الفئوية تقتضي توقيع الورقة المصرية، فهل تغلب "حماس" المصلحة الوطنية على مصالحها الفئوية؟