خبر إسرائيل ترتبك ـ ولا تستسلم ـ أمام توقعات علاقاتها مع تركيا ..أنطوان شلحت

الساعة 10:17 ص|22 ديسمبر 2009

إسرائيل ترتبك ـ ولا تستسلم ـ أمام توقعات علاقاتها مع تركيا ..أنطوان شلحت

 

ـ النهار اللبنانية 22/12/2009

التزمت إسرائيل جانب التواضع، كي لا نقول التعتيم، في تغطية نتائج زيارة رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، إلى واشنطن، والتي تُوّجت بعقد لقاء قمة مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في 7 كانون الأول 2009. ويبدو أن هذا التواضع له ما يبرّره، في وقائع الحالة الراهنة للعلاقات الإسرائيلية - التركية، من جهة، والعلاقات الإسرائيلية - الأميركية، من جهة أخرى.

ولتوضيح بعض القصد من ذلك نشير إلى أن مهمة أردوغان في واشنطن ارتبطت، في نظر إسرائيل، وبحسب ما أبرزت وسائل إعلامها، بمحاولة تركيا دفع حل ديبلوماسي للملف النووي الإيراني قدمًا، وهو ما تخشاه الحكومة الإسرائيلية الحالية وتتحسب منه، بل وتعمل على عرقلته.

ووفقًا للمحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، فإن هذا الملف كان الدافع لأن تكون توقعات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، الجنرال عاموس يادلين، والتي كشف عنها خلال المؤتمر السنوي لـ "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب يوم 15 كانون الأول 2009، أكثر تشاؤماً من توقعاته في مؤتمر العام الفائت، والذي عقد في تشرين الثاني 2008. وبموجب ما قاله، فإنه على الرغم من أن قوة الردع الإسرائيلية هي الآن في أفضل حالاتها (وهذا هو السبب برأيه وراء الهدوء الأمني في مقابل "حزب الله" و"حماس") إلا أن هناك في الأفق مخاطر أخرى أكثر تعقيدًا. وبطبيعة الحال فإن إيران تقف في رأس المخاطر، التي يتحدث عنها يادلين. ويمكن القول إن الوضع ازداد خطورة، في نظر إسرائيل، بسبب نضوج المشروع النووي الإيراني. وما يعكس ذلك هو توكيد رئيس شعبة الاستخبارات أن عقارب الساعة التكنولوجية الإيرانية "توشك أن تكمل دورانها"، وذلك لأن الإيرانيين أصبحوا مسيطرين على تكنولوجيا تخصيب الأورانيوم بأكملها، فضلاً عن تراكم كمية كبيرة من الأورانيوم المخصب بمستوى منخفض، خلال العام الفائت، تعتبر كافية من أجل إنتاج قنبلة نووية واحدة.ومع أن يادلين لم يطرح أي تقويم يتعلق بالجهود الديبلوماسية إزاء الموضوع، إلا أنه حرص على إبداء تفاؤله بشأن احتمالات نجاح العقوبات الدولية القاسية، في حال فرضها على إيران، في إشارة صريحة للغاية إلى الرغبة الخفية لدى مؤسسته.  في موازاة هذا العامل، لا يمكن التغاضي عما يعتمل في داخل "النفوس الفاعلة" في إسرائيل، التي قارنت بين الاستقبال الحار، الذي حظي أردوغان به في واشنطن، والفتور الذي كان من نصيب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته للولايات المتحدة في الأسبوع الثاني من تشرين الثاني الفائت، من أجل المشاركة في المؤتمر العام للجاليات اليهودية في أميركا الشمالية، وأدّى إلى توجيه الدعوة إليه للقاء الرئيس أوباما وهو على سلم الطائرة، ما اعتبره البعض دليلاً على كونه ضيفاً غير مرغوب فيه.

لكن أهم ما يستتر، في خلفية إشاحة إسرائيل وجهها عن هذه الزيارة، هو استمرار الأزمة المخيمة على العلاقات الثنائية بين الجانبين، وخاصة منذ الحرب الإسرائيلية على غزة في أواخر العام الفائت. وقد عادت تركيا لاحتلال صدارة المشهد الإعلامي الإسرائيلي، إثر اللقاء الذي عقده الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريس، مع نظيره التركي، عبد الله غول، على هامش قمة المناخ العالمية في كوبنهاغن، يوم 18 كانون الأول 2009. وسارعت وسائل الإعلام في إسرائيل إلى اعتباره مؤشراً إلى "احتمال عودة الدفء للعلاقات بين الدولتين"، خاصة أنه يأتي بعد زيارة قام بها وزير الصناعة والتجارة والتشغيل الإسرائيلي، بنيامين بن اليعازار لتركيا الشهر الفائت، وبعد توجيه دعوة رسمية إلى وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، لزيارة أنقرة في الشهر المقبل. غير أن التحليلات الإسرائيلية الإستراتيجية الأخيرة لا تتوقع أن تعود العلاقات الإسرائيلية- التركية إلى سابق عهدها، وإن كانت لا تتوقع في الوقت نفسه أن تتدهور إلى قاع أدنى من الحضيض الذي تقبع فيه حالياً. وقد بلغ الأمر بأحد كبار المحللين الإستراتيجيين، وهو الجنرال في الاحتياط يعقوب عميدرور، إلى اعتبار أن تركيا لم تعد حليفاً إستراتيجياً لإسرائيل. وأكد أيضًا أن تخفيف حدّة اللهجة الإسرائيلية إزاء أنقرة، على أمل أن يدفع ذلك المسؤولين فيها إلى إعادة حساباتهم، لن يغيّر الواقع قيد أنملة، ولا يجوز العيش في الوهم كما لو أن الأزمة المتفاقمة منذ الحرب على غزة هي مجرّد سحابة صيف سرعان ما تنقشع. وفي قراءة هذا المحلل فإن التغيير في مواقف تركيا ناجم عن تفاعل تيارات إيديولوجية عميقة ومستقرة تجعلها أقرب إلى العالم الإسلامي وأكثر نأياً من إسرائيل. وقد زاد على ما يقوله غيره من المحللين عاملين آخرين يقفان وراء هذا التغيير: الأول، أن الجيش التركي، الذي يُعدّ الحليف الرئيسي لإسرائيل، بات غير مؤثر في عملية اتخاذ القرارات؛ والثاني، أن إيديولوجيا حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) الحاكم لا تختلف عن إيديولوجيا حركة "حماس" لكنها لا تشمل عنصر "الإرهاب". تجدر الإشارة إلى أنه بالتزامن مع انتهاء الحرب على غزة وصف خبير إسرائيلي آخر، هو الدكتور ألون ليئيـل، الذي تقلد سابقًا منصب السفير الإسرائيلي في تركيا ومنصب مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، الأزمة بين إسرائيل وتركيا، بأنها أزمة حادة وربما تكون لها إحالات في المستقبل، وذلك خلافًا لما يعتقد كثيرون. وفي رأيه فإنه إذا لم تتقدّم الحكومة الإسرائيلية إلى الأمام في موضوع "عملية السلام" مع الفلسطينيين فسيؤدي ذلك إلى تفريخ أزمات جديدة أخرى في المستقبل.

وأضاف أن تركيا، وعلى الرغم من كونها حليفل=اً إستراتيجياً مهماً لإسرائيل منذ ستين عاماً (حيث أن تاريخ بدء العلاقات الديبلوماسية بين الطرفين يعود إلى شباط 1949)، دأبت على رهن علاقاتها الثنائية بالموضوع الفلسطيني- العربي أيضاً. وقد عادت اخيراً، وتحديداً منذ عام 2002 عقب تسلم "حزب العدالة والتنمية" سدة الحكم، إلى هذه المقاربة، التي كانت قد تراجعت كثيرًا خلال تسعينيات القرن العشرين كلها، بالتزامن مع حدوث تقدّم معين في عملية السلام الشرق الأوسطية (ارتباطـاً بما يلي: انعقاد مؤتمر مدريد للسلام؛ توقيع اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية؛ التوصل إلى اتفاق السلام مع الأردن؛ انطلاق مفاوضات السلام مع سوريا). وحتى في عام 2005 شهدت العلاقات الثنائية دفئًا خاصًا على خلفية خطة الانفصال عن غزة (خلال فترة حكومة أرييل شارون الثانية)، والتي عنت في قراءة تركيا تنفيذ انسحاب إسرائيلي من القطاع. وقد جاءت الحرب على غزة أخيرًا لتخلط الأوراق من جديد. ولفت ليئيل الأنظار إلى أن مستقبل العلاقات مع تركيا سيبقى عرضة للمدّ والجزر على خلفية ما تقدّم، وذلك في ضوء حقيقتين ساطعتين برأيه هما: الأولى - أن القيادة السياسية التركية الحالية (الإسلاميـة) ستبقى فترة طويلة في سدّة الحكم، سواء في رئاسة الجمهورية أو في رئاسة الحكومة؛ الثانيـة - أن هناك روابط عقائدية تجمع بين الحزب الحاكم في تركيا، وحركة "حماس"، وليس في إمكان إسرائيل أن تعوّل على تباعد الطرفين.  ولا تزال أصداء قيام تركيا، في تشرين الأول الفائت، بإلغاء مناورات عسكرية تقليدية مع إسرائيل وإعلانها عن إجراء تمرينات مشتركة مع سوريا، تتردّد في إسرائيل. وفي غمرة ذلك رأى المحللون السياسيون والعسكريون، في معظمهم، أن هذه الخطوة، وأساساً بما تعنيه من تقارب بين أنقرة ودمشق، تشكل الذروة في سياسة حزب العدالة والتنمية. وقد أبرزت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تقويمات دافيد شنكر، رئيس قسم السياسة العربية في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، التي رأت أن هذه السياسة تغدو إشكالية أكثر فأكثر إزاء إسرائيل، على الرغم من محاولات هذه الأخيرة أن تحدث انعطافًا حادًا فيها.

أمّا بالنسبة إلى المستقبل فليس من الصعب تلمس أن التحليلات الإسرائيلية تراوح بين حدين متناقضين:

الأول، مطالبة إسرائيل بأن تعتاد على واقع انفراط عقد التحالف الإستراتيجي بينها وبين تركيا من الآن فصاعداً، والتفكير بكيفية تدبّر الأمور، التي كانت معالجتها مرهونة بهذا التحالف، بمفردها، مع الاستمرار في محاولات تسكين أي لدغة قد تصيب إسرائيل ترتباً على إشكالية السياسة التركية الإقليمية. وقد دعا الديبلوماسي الإسرائيلي السابق تسيفي مازال إلى تأليب الدول الغربية لجهة رؤية الخطورة الكامنة في التقارب التركي- السوري، والذي قد يؤدي إلى قيام أنقرة، في آخر المطاف، بنقل تكنولوجيا عسكرية اكتسبتها بفضل عضويتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وبحكم علاقاتها الخاصة مع إسرائيل، إلى سوريا، التي ستنقلها حتماً برأيه إلى إيران و"حزب الله" و"حماس"؛ الثاني، عدم تسليم إسرائيل بأن أوان إعادة عجلة مواقف تركيا إلى الوراء قد فات، وتصعيد الجهود الرامية إلى الحفاظ على العلاقات الثنائية الوثيقة، باعتبارها رصيدًا إستراتيجياً مهماً للدولة العبرية وأمنها القومي. وفي هذا الشأن يجب الإشارة إلى فحوى إجمال الدكتور عوديد عيران، الذي تولى سابقًا منصب السفير الإسرائيلي في الاتحاد الأوروبي، هذه الأزمة، والذي اشتمل على ما يلي:

- أدّت الحرب على غزة إلى اندلاع أزمة في العلاقات الثنائية الإسرائيلية - التركية، على خلفية الحرب نفسها وترتباً على أسباب أخرى عداها، غير أنها لا تهدّد بالخطر مستقبل التحالف الإستراتيجي، العسكري - السياسي، بين الدولتين، الذي من المتوقع أن يبقى متيناً وراسخاً.

-  إن تركيـا كانت وستبقى حليفاً مهماً لإسرائيل على أكثر من مستوى. وفي هذا المجـال لا بُدّ من أن نشير أيضاً إلى المساعدات القيمة، التي قدمتها من أجل هجرة يهود سوريا إلى إسرائيل.

- يتعين على إسرائيل، تبعاً لذلك، أن تضاعف جهودها الرامية إلى قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وربما حان الوقت لأن تدرج هذا الموضوع في صلب حوارها الإستراتيجي مع أوروبـا، حتى لو أدى ذلك إلى إثارة الحنق الأوروبي عليها.