خبر بلال الحسن يكتب : المجلس المركزي الفلسطيني.. هل هو مرجعية حقا؟

الساعة 10:04 ص|20 ديسمبر 2009

بلال الحسن يكتب : المجلس المركزي الفلسطيني.. هل هو مرجعية حقا؟

 

ـ الشرق الأوسط

تواجه السلطة الفلسطينية في رام الله، برئاسة محمود عباس، إشكالا سياسيا وآخر قانونيا. الإشكال السياسي يتلخص في انقضاء المدة القانونية على تشكيلاتها السلطوية: الحكومة، المجلس التشريعي، الرئاسة، من دون القدرة على إجراء انتخابات أو تعيينات حسب الأصول الدستورية. أما الإشكال القانوني فيتلخص في أن ما لدى السلطة من نظم وقوانين و«دساتير» لا يتيح لها الحق في استصدار قرارات أو قوانين تعالج المشكلات التي تواجهها، وكان من نتيجة ذلك أن السلطة الفلسطينية أصبحت، وبحكم نصوص القوانين، سلطة غير شرعية.

تعرف السلطة الفلسطينية هذه المشكلة أكثر من غيرها. وهي حين واجهتها، لجأت في مواجهتها إلى أمرين:

الأمر الأول: تعطيل القانون والاستعاضة عنه بمراسيم يصدرها الرئيس محمود عباس.

الأمر الثاني: اللجوء إلى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، لاستصدار قرارات منها، تعالج المسائل التي لا يمكن معالجتها بمرسوم، مثل انتهاء مدة رئيس سلطة، ثم استصدار قرار بالتمديد له، أو انتهاء مدة المجلس التشريعي، واستصدار قرار بالتمديد له.

لقد تم استحداث هذا الأمر (الثاني)، بناء على العرف الفلسطيني، الذي يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية هي المصدر الأساسي للتشريع، ومن خلال المجلس الوطني الفلسطيني. وكذلك بناء على العرف الفلسطيني الذي يعتبر منظمة التحرير أعلى من السلطة الفلسطينية، وأن المنظمة هي التي أوجدت السلطة، وهي بالتالي مسؤولة عنها. ولكن ما هو مهم، وما هو جديد، وما هو خطر، أنه في ظل عدم الرغبة لدى السلطة الفلسطينية بانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، فقد لجأت إلى اعتماد (المجلس المركزي الفلسطيني) كمؤسسة وكمرجعية توازي في صلاحياتها (المجلس الوطني الفلسطيني)، بل وتستطيع أن تنوب عنه في أي وقت تشاء. فإذا تكرر الأمر وشاع، أصبح المجلس المركزي بديلا عن المجلس الوطني، بل ويمكن القول إنه لا يعود هناك لزوم لانعقاد المجلس الوطني أصلا، ما دامت هناك هيئة تشريعية (!!) فعالة (!!) تستطيع القيام بمهامه بصورة أسلس (!!) وأقل فعالية (!!).

هكذا كان الحال مع انتخاب محمود عباس رئيسا لمنظمة التحرير. وهكذا كان الحال مع انتخابه رئيسا لدولة فلسطين. وهكذا كان الحال مع انعقاد لقاء طارئ في إطار منظمة التحرير لانتخاب أعضاء جدد في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير (بدل الأعضاء الستة المتوفين). وهكذا هو الحال الآن مع محمود عباس، حيث اجتمع المجلس المركزي الفلسطيني واتخذ قرارا بتمديد ولاية عباس، وتمديد مدة عمل المجلس التشريعي، إلى حين حلول موعد إجراء انتخابات جديدة في منتصف العام المقبل.

ويطرح هذا الأمر سؤالا طالما تم تجاوزه من قبل المسؤولين في السلطة الفلسطينية. هل يجوز اعتماد المجلس المركزي الفلسطيني كبديل عن المجلس الوطني الفلسطيني؟ هل يستطيع المجلس المركزي أن ينوب عن المجلس الوطني في عمله؟ هل يملك المجلس المركزي حق التشريع أو حق التقرير في الأمور المستجدة، كما هو الحال مع المجلس الوطني؟

الجواب هو (لا) واضحة وقوية حول كل هذه الأسئلة، استنادا إلى النظم والقوانين المقررة في منظمة التحرير الفلسطينية وحول صلاحيات المجلس المركزي بالذات، وهي كلها تقول وتؤكد أنه لا يحق للمجلس المركزي أن يلعب هذا الدور البديل للمجلس الوطني، بل هو يمارس دور المشرف على تنفيذ قرارات المجلس الوطني، من دون أن يستطيع تخطيها أو تجاوزها أو إقرار بديل لها. وهذه هي النصوص التي تؤكد ذلك:

ـ في قرار إنشاء المجلس المركزي الصادر عن المجلس الوطني، جاء في المادة (3) ما يلي: يختص المجلس المركزي بما يلي:

رقم (2): اتخاذ القرارات في إطار مقررات المجلس الوطني.

رقم (4): من مهام المجلس المركزي: متابعة تنفيذ اللجنة التنفيذية لقرارات المجلس الوطني.

وفي توضيح اختصاصات المجلس الوطني جاء ما يلي:

ـ يجب أن تكون قرارات المجلس المركزي منسجمة مع الميثاق الوطني، والنظام الأساسي، وقرارات المجلس الوطني.

ـ وبعد الدورة السابعة عشرة للمجلس تم تحديد اختصاصات المجلس المركزي في المادة (6) كما يلي:

ـ يلتزم المجلس المركزي في ممارسة اختصاصاته، وفي أعماله بوجه عام بقرارات المجلس الوطني، ولا يجوز له تعديلها، أو إلغاؤها، أو تعطيلها، أو اتخاذ قرارات تتناقض معها، أو تتجاوزها، وتكون جميع قراراته في إطار مقررات المجلس الوطني التي هي الفيصل الوحيد الذي يحتكم إليه في هذا الشأن.

هذه هي قرارات المجلس الوطني الفلسطيني حول صلاحيات المجلس المركزي، فهل فيها ما يشير إلى صلاحيته أو إلى حقه في الاجتماع، والبحث في قضايا تخص السلطة (ولا تخص منظمة التحرير)؟ وفي قضايا لم يتخذ فيها المجلس الوطني قرارا سابقا ليقوم هو بمتابعته؟

مرة أخرى نقول إن الجواب هو (لا) قاطعة، ويترتب على ذلك أن نقول أيضا إن ما جرى هو عمل غير قانوني، حين يكون معنى القانون هو أن نحتكم إلى النصوص، كما يحدث في الدول المستقلة والمستقرة والهادئة.

وحين نقول إن ما جرى هو عمل غير قانوني، فليس ذلك من باب الهجوم أو الإساءة أو الإدانة أو..... أو..... للسلطة الفلسطينية أو لرئيسها.

نحن نقول ذلك من أجل التأكيد على أمرين:

الأمر الأول: أن القانون يضعه البشر، من أجل أن يخدم مصلحة البشر، وهو لذلك يمكن إلغاؤه، ويمكن تجميده، ويمكن استبداله إذا وجد أن مصلحة الناس تقتضي ذلك. وإذا كان الفلسطينيون قد وصلوا في الضفة الغربية، إلى مأزق واقعي يمنع تطبيق القانون في ما يتعلق بالانتخابات أو بالتجديد للرئيس، فلا بأس من الاعتراف بذلك، ولا بأس من إيقاف عمل القانون، ولا بأس من ابتكار أسلوب يمكن الناس من حل مشاكلهم.

الأمر الثاني: إن الفلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال. والقانون الذي يطبق عليهم فعليا هو قانون الاحتلال، ولذلك فليس هناك من معنى حقيقي لأي كلام يقال عن القوانين في ظل الاحتلال. لا يعني ذلك أن «نهرب» من أنفسنا لنعيش من دون قانون، إنما يعني أن نواجه أنفسنا بالحقيقة، حقيقة حياتنا، لنبحث عن وسيلة تستطيع أن تحل محل القانون في تنظيم شؤون حياتنا، وأمور يومنا وغدنا. والوسيلة الممكنة هنا هي وسيلة مجربة من قبل، جربتها الشعوب المستعمرة (ونحن منهم) ونجحت فيها. وخلاصتها بندان:

البند الأول: الإقرار بأننا نعيش تحت الاحتلال، وفي ظل قوانين الاحتلال، ولا لزوم أمام ذلك لاصطناع هيئات وهمية، ثم نصر على أن نعمل حسب أصولها.

البند الثاني: إن وحدة الشعب الوطنية هي أكبر حام له في الأزمات. وحين يكون الشعب منقسما، كما هو حال الشعب الفلسطيني الآن في الضفة وغزة، فإن مهمة أساسية من مهماته هي السعي لتجاوز الانقسام لتحقيق الوحدة الوطنية. وعلى قاعدة الاعتراف بواقع الاحتلال وقوانينه، والاعتراف بحالة الانقسام، والسعي لتجاوزها نحو حالة من الوحدة الوطنية، يمكن أن تلتقي القوى الوطنية الفاعلة، لتشكل هيئة، أو لجنة، أو مبادرة، أو مجلسا ثوريا، يتولى شؤون التشريع، وتطبيق القوانين، إنما القوانين التي تقتضيها المصلحة، وفي ظل توافق اجتماعي وشعبي ووطني. وآنئذ لا نعود ملزمين باختراع هياكل لا دور واقعيا لها، ولا نعود مجبرين على سن أنظمة نحن عاجزين عن تطبيقها. وإلا فإن كل قرار يصبح عرضة للطعن، وبعد الطعن هناك الاختلاف، وهناك بعد الاختلاف الصدام، الذي لا نريده أبدا.

إن المسؤولية هنا كبيرة، وتحتاج إلى وقفة جريئة مع النفس، منها مثلا أن يعلن محمود عباس أنه قرر حذف كل ما ورد في خطابه من إساءات لحركة حماس ونواياها وصلتها بشعبها من أجل أن ينفتح باب الوحدة الوطنية. ومنها مثلا أن يعلن الرجل الوقور والمحترم سليم الزعنون، أنه قرر حذف فقرة من تصريحه الصحافي مجافية للحقيقة، وهي الفقرة التي تقول «إن المجلس المركزي الفلسطيني، وفقا لصلاحياته المنصوص عليها في نظام منظمة التحرير، يعتبر صاحب الاختصاص الأصيل في تولي المسؤولية الوطنية». فسليم الزعنون يعرف أكثر من غيره أن هذا التوصيف ليس في محله.

إن المطلوب هو مرجعية نضالية ثورية، تتجاوز مرجعية قانونية ينقضها الاحتلال يوميا، ثم هي لا تحل مشاكلنا، بل تزيدها في كل مرة مشكلة.