خبر سنة 2010: حروب سياسية ودينية ..بقلم سليم نصار

الساعة 12:45 م|19 ديسمبر 2009

سنة 2010: حروب سياسية ودينية ..بقلم سليم نصار

 

ـ النهار اللبنانية 19/12/2009

سأل مرة مندوب صحيفة "نيويورك تايمز" الرئيس باراك أوباما عن توقعاته المستقبلية بالنسبة للأزمة المالية الخانقة، وما اذا كان الانفراج الذي يبشر به سيحل في نهاية 2009.

وأجابه الرئيس الاميركي على الفور بأنه لا يملك كرة بلورية ساحرة تعينه على استكشاف المستقبل ورصد المناخ الاقتصادي في الولايات المتحدة.

واختصر تنبؤاته بالحديث عن المأزق الذي تعانيه ادارته في افغانستان والشرق الاوسط وباكستان والعراق، متوقعاً ان تكون سنة 2010 هي سنة الاستحقاق والحسم.

والثابت ان اختبارات أوباما خلال السنة الاولى من ولايته، قد اقنعته بأن الوعود الانتخابية شيء... وتحقيق هذه الوعود شيء آخر. لذلك بقي محاذراً في جوابه لأنه لا يملك الرؤية السياسية الصحيحة لحل أزمات العالم.

في كتابه الواسع الانتشار وعنوانه "الأوزة السوداء"، حذر الخبير الاقتصادي اللبناني نسيم نجيب طالب من مخاطر التخمين والمضاربات في التجارة والبورصة لأن المفاجآت قد تفسد كل الحسابات. واعتبر ان تاريخ البشرية صنعته أحداث غير متوقعة مثل حادث 11 ايلول الذي بدّل سياسة الولايات المتحدة وجعل تفاعلات العنف المضاد تصل الى العراق وأفغانستان وسيري لانكا والفيليبين وغيرها من دول آسيا والشرق الاوسط.

وأعطى نسيم طالب أمثلة مختلفة على وقوع أحداث مفاجئة غيّرت وجه التاريخ، الامر الذي وصفه نائب الرئيس الاميركي السابق ديك تشيني بجهل المجهول.

تبعاً لهذه النظرية أصبح التنبؤ بمستقبل الاحداث أمراً صعباً، إلا انه لا بد من إجراء بعض المحاولات، خصوصاً ان سنة 2010 تمثل مرحلة العبور من وضع يسوده الغموض الى وضع أكثر وضوحاً وشفافية.

بالنسبة الى الولايات المتحدة فإن الاجراءات الاخيرة التي اتخذها الرئيس أوباما يتعذر معرفة نتائجها قبل مرور أربعة أشهر على مراحل التطبيق. ذلك انه شجع المستهلكين والشركات على الاقتراض بهدف تخفيف أزمة البطالة وتحريك عجلة الاستثمار واسترداد عافية الاقتصاد.

ومع ان الاستراتيجية التي اعتمدها في أفغانستان تبدو أكثر عقلانية من استراتيجية بوش، الا أن الواقع العملي لا ينبئ بالخير. والسبب أن تركيبة المجتمع الافغاني تختلف عن تركيبة المجتمع العراقي الذي برهن عن استعداده لعقد اتفاقات سياسية، بخلاف المجتمع الافغاني القبلي الذي يبدّل ولاءاته بتبدل الظروف. صحيح ان الكونغرس الاميركي وافق على منح أفغانستان مساعدات اقتصادية لمحاربة الفقر وانعاش التنمية (1,2 مليار دولار)... ولكن الصحيح ايضاً انه في غياب المؤسسات الرسمية ستكون هذه المساعدات من نصيب زعماء العشائر والقبائل. وسيُتهم الرئيس كرزاي بأنه يشجع الفساد والمفسدين.

الخطة العسكرية المعقدة التي أقلقت الرئيس أوباما، تقضي ببسط سيطرة القوات الاميركية على الولايات الافغانية وطرد "طالبان" منها. ويرى المراقبون ان واشنطن تتحاشى تكرار ورطة فيتنام في افغانستان، الامر الذي يضطرها للانسحاب الى قواعد عسكرية آمنة في قيرغيزيا وطاجيكستان واوزبكستان. ومن المؤكد ان هذا التوسع سيعكّر علاقات اميركا بالصين وروسيا باعتبار أن آسيا الوسطى تُعتبر منطقة مصالح حيوية لهاتين الدولتين.

المأزق الآخر الذي تواجهه ادارة أوباما في تلك المنطقة يتمثل في محاولة فرض عقوبات على ايران او الاشتراك في ضربة عسكرية ضد منشآتها النووية. ومن المؤكد ان طهران ستسعى الى عرقلة تنفيذ الاستراتيجية العسكرية الاميركية في العراق وافغانستان لكونها تتعارض مع مصالحها ونفوذها.

عندما زار وزير خارجية اسرائيل افيغدور ليبرمان موسكو هذا الشهر، أخبره رئيس الوزراء فلاديمير بوتين انه سيزور اسرائيل خلال 2010. ومع أن هذه الزيارة ستغضب ايران وأصدقاء روسيا في المنطقة، إلا أن العمليات الارهابية التي قام بها الشيشان أخيراً، أثارت مخاوف بوتين من أن تكون اسرائيل والولايات المتحدة قد بعثتا هذه الاعمال النائمة منذ مدة طويلة. ويستنتج من طبيعة المحادثات التي أجراها ليبرمان في موسكو، أنه شدد على إقناع الرئيس بوتين بضرورة الغاء صفقة الصواريخ لايران، أي الصواريخ التي يصل مداها الى اسرائيل (طراز ا س 300) والتي هدد الرئيس احمدي نجاد باستعمالها في حال قامت الطائرات الاسرائيلية بمهاجمة المنشآت النووية. ولما سئل ليبرمان من قبل مذيع قناة "روسيا اليوم" عما اذا كانت بلاده ستضرب هذه المنشآت، أجاب بأن كل الخيارات مطروحة، بما فيها الخيار العسكري. وفي سبيل منع هذا التصعيد، أعلنت موسكو عن خشيتها من بيع هذه الصواريخ لطهران، الامر الذي دفع الرئيس نجاد الى التهديد بمقاضاة روسيا اذا تخلفت عن تسليمها.

واللافت ان حكومة بوتين عملت السنة الماضية، على الغاء نظام التأشيرات مع اسرائيل. وقد سهل هذا الاجراء انتقال عدد كبير من اليهود الروس الى ارض الميعاد. كما سهّل تدفق السياح بين البلدين.

القضية الفلسطينية ستظل تراوح مكانها في ظل التعنت الاسرائيلي والعجز الاميركي. ولكن سنة 2010 قد تسمح للاوروبيين او الروس باستثمار الوقت الضائع، وتوفير حل قد يرضى به نتنياهو. والسبب ان "حماس" تستعد لاطلاق الانتفاضة الثالثة اذا فشلت المساعي الدولية في ايجاد التسوية... او اذا قررت حكومة نتنياهو تنفيذ وعدها ببناء جدار يفصل غزة عن سيناء. وهذا معناه محاصرة أهل غزة من الجنوب ودفعهم الى التوجه شمالا او شرقا.

الاسبوع الماضي اكدت مصادر مصرية ان اسرائيل باشرت في بناء جدار فولاذي ضخم على امتداد حدود قطاع غزة (محور فيلادلفيا) يزيد طوله على تسعة كيلومترات. وقد صنع الجدار من الفولاذ بحيث يصعب اختراقه او صهره. كما سيكون من الصعب حفر الانفاق التي تستخدم لنقل الاسلحة والبضائع المهربة الى داخل القطاع من مصر. والمعروف في هذا المجال ان حراس الحدود المصريين يشددون الرقابة على الانفاق بحيث انهم يقومون بتدميرها او ضخ الغاز في داخلها من اجل اخراج العاملين.

وربما يكون الاقتراح الذي قدمه الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي، من اسلم الحلول العملية، واكثرها ارتباطا بواقع ازمة الثقة. قال: يجب ان تقتنع "فتح" بوقف احتكارها وهيمنتها على القرار الفلسطيني. كما يجب ان تقتنع "حماس" بأن القوة لا تعطي الشرعية، وان هيمنتها العسكرية على القطاع لا تمنحها شرعية استئصال الآخرين". وهذا ما وصفه بتنظيم الخلاف لايمانه بأن سياسة الفريقين تمنعهما من التحالف، ولكنها لا تمنعهما من التصالح من اجل تحقيق هدف واحد.

هذا، وكانت الكنيست صوتت على مشروع قانون يقضي باجراء استفتاء عام حول اي قرار حكومي يقضي بـ"التنازل" عن اراض تخضع للسيادة الاسرائيلية شريطة مصادقة 80 نائباً على اجرائه. ونقلت صحيفة "يديعوت احرونوت" عن نتنياهو قوله انه مستعد لتأييد قانون الاستفتاء الشعبي على الانسحاب من القدس الشرقية والجولان، في حال التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين او مع الحكومة السورية.

ويتوقع ان تصوت رئيسة "كاديما" تسيبي ليفني ضد القانون، بعدما اعلنت انه يتم انتخاب الحكومة من اجل اتخاذ القرارات، وليس من اجل ان تعيد القرارات الى الشعب كي يقرر.

ويرجح ان يتغيب وزراء "حزب العمل" عن جلسات التصويت لأن ايهود باراك، وزير الدفاع، عبّر عن معارضته المطلقة للقانون.

ويذكر ان سوريا قامت بتعليق مفاوضات السلام غير المباشرة مع اسرائيل بواسطة تركيا في اعقاب العدوان على غزة. كما وضعت سلسلة شروط لاستئنافها منها اعلان اسرائيل استعدادها للانسحاب الى خط الرابع من حزيران سنة 1967.

المراسلون في بغداد متخوفون من عمليات العنف، ويتوقعون ان يزداد عددها كلما اقترب موعد الانتخابات في آذار المقبل. وقد كتب بعضهم الكثير عن اعمال عنف استهدفت الكنائس ومنازل المسيحيين الذين رفضوا مغادرة العراق. علما بأن عهد صدام حسين وفّر لهم الحماية والامان، ولم يسمح باضطهادهم او تهجيرهم كما يحدث في عهد المالكي. وقد وصل عددهم الى اكثر من مليون ونصف مليون نسمة قبل الحرب، بينما تضاءل هذا العدد الى النصف بسبب عدم تأمين الحماية والرعاية من قبل جيش المحتل او الشرطة المحلية.

وتشير ارقام الاحصاء الى ان اكثر من الف عائلة مسيحية من مدينة الموصل قد هربت وتعرض خمسون من ابنائها للذبح ضمن حملات اغتيالات مبرمجة. لذلك نظمت الكنائس في الموصل حيث يعيش 750 الف مسيحي، قوافل ترحيل تضم الكلدان والسريان والارثوذكس والكاثوليك والاشوريين. والمسيحيون في مدينة الموصل يعيشون منذ 1743م بينما شيدت كنائسهم في القرن الثالث عشر. وقد حاول زعماؤهم قبل الحرب زيادة نسبة تمثيلهم في البرلمان عن خمسة مقاعد ولكنهم لم يوفقوا.

ويبدو ان خلاف الكنيسة مع الحكومة ليس وقفاً على العراق بدليل ان الفاتيكان عبّر عن خلافه مع الحكومة الاسرائيلية بسبب مصادرتها املاك الكنيسة. ويقع 19 من مواقع الخلاف في الضفة الغربية، فيما يقع 28 موقعا منها في القدس الشرقية المحتلة.

وكان نائب وزير الخارجية الاسرائيلية داني ايالون قد زار الفاتيكان هذا الشهر على رأس وفد رسمي بهدف تسوية النزاع القائم. ويقوم هذا النزاع اساسا حول ملكية الكنيسة اراض وعقارات ومبان دينية ترفض اسرائيل اعادتها. والاماكن الستة المقدسة المطلوبة للفاتيكان هي: كنيسة البشارة في الناصرة، وجبل السعادة شمال بحيرة طبرية، وكنيسة الخبز والسمك شمال غربي طبرية والكنائس في كفرناحوم وجبل طبور وغات.

تجدر الاشارة الى ان هذا الخلاف انفجر قبل حوالى ستة اشهر حينما اعلنت الحاخامية الكبرى وجوب عدم القبول بمطالب البابا الذي اشترط نقل الاماكن المسيحية المقدسة الى سيطرة الفاتيكان قبل زيارته المرتقبة. ورد الحاخام الاكبر ان الشريعة اليهودية تحظر على اي شخص او هيئة تسهيل عملية تسليم جزء من ارض اسرائيل الى الفاتيكان. والمؤكد ان هذا الخطر مرتبط بقرار الغاء كل المواقع المسيحية في فلسطين كمدخل لالغاء المسيحية والمسيح. وبما ان المطلب الاخير القاضي باعلان دولة اليهود، اصبح قاعدة للتسوية مع العرب، فان ازالة كل الديانات الاخرى – مسيحية كانت ام اسلامية- اصبحت هدفا اساسيا للاستيلاء على كل ارض يهودا والسامرة".

وهذا معناه ان سنة 2010 لن تشهد على عنف المعارك السياسية والعسكرية في افغانستان وباكستان والعراق فقط، بل هي مرشحة لأن تكون سنة صدام الديانات ايضا.