خبر مرحلة الفلبينية .. يديعوت

الساعة 02:47 م|18 ديسمبر 2009

بقلم: ناحوم برنيع

اقتلوني الا انني مع ذلك ساقول انني لا افهم هذا التهجم على ايهود باراك في قضية توظيف العاملة الاجنبية الفلبينية في منزله. هذه العاملة التي اشتهرت حتى الان مثل كبار المسؤولين في الشاباك بالحرف الاول من اسمها فقط (د) كانت الشخص الصحيح في المكان الصحيح. ليس هناك من يعادل الفلبينيات عندما يتعلق الامر بالعناية باشخاص يحتاجون لهم. هن ناجعات هادئات بصورة مدهشة وغير مرئيات تقريبا. هن لا يشتكين ابدا حتى عندما يكون الشخص الذي يعتنين به مصابا بالبلبلة وتهائها وايضا عندما يعيش في عالمه الخاص بعيدا عن الواقع.

باراك وصل في مسيرته السياسية الى المرحلة الفلبينية. الادعاءات حول تأشيرة العمل التي كانت موجودة او لم تكن ليست اكثر من تعرض هابط وضيق الافق ونوعا من التركيز على صغائر الامور. هذه ليست حكاية حول الترف الذي يمارسه السياسيون. هو يستحق الفلبينية وليس هو وحده. نتنياهو يستحق ايضا فلبينية لخدمته يوميا. وجود الفلبينية الى جانبه سيوضح للناس بأن عليهم ان لا يطالبوا نتنياهو باتخاذ قرارات صعبة. ليس في ظل وضعه الذي يعيش به.

نفس الشيء ينطبق على باراك: كان هناك من تساؤلوا كيف يمكن لباراك ان يقول بأنه لم ينتبه لوجود العاملة الفلبينية فقد عملت عنده ثلاث سنوات او اكثر. بين الحين والاخر كان يقرأ في الصحف عن العمال الاجانب الذين انتهت تأشيرة عملهم وعن اقتحامات شرطة الهجرة لبيوت الاثرياء الذين يشغلون الفلبينيات بصورة مخالفة للقانون، الا انه لم ير الفلبينية التي تعمل في منزله من مسافة متر واحد.

ليس باراك ونتنياهو ووزرائهما وحدهم الذين يستحقون استئجار فلبينيات: حراسهم ايضا يستحقون ذلك. تتجول امرأة في محيط وزير الدفاع الداخلي وبامكانها ادخال الامور للداخل: عبوة ناسفة مثلا او سما في الطعام او مايكروفون بين الكتب او اخراج امور للخارج للمصور وللتسجيل والتنصت على المكالمات. مع ذلك هذا هو الشخص الثاني الاكثر حراسة في الدولة. ولكن حراسه غارقون في امورهم يتجاهلون وجودها وكأنها أثاث في البيت او حيوان اليف او عضوة كنيست مع حفظ الالقاب.

والان تدير الفلبينية من مكان اختبائها السري المفاوضات مع السلطات، اسقاط وزير الدفاع مقابل تأشيرة عمل، ولم يتبق لباراك الا الغاء الاتفاق مع معهد الحاخام ميلماد الديني، فربما يبعد عنه هذا الامر قصة الفلبينية، وان لم يسعف ذلك شيئا فقد يقوم باخلاء بؤرة استيطانية غير قانونية في السامرة.

عرسين

عندما عاد نتنياهو الى ديوان رئاسة الوزراء كان على قناعة بان فترته الرئاسية ستتبلور في ضوء المواجهة مع ايران، هذه المواجهة التي سيخرج منها مكللا بالغار. هذا الامر لم يحدث. ربما سيحدث لاحقا او  انه لن يحدث. من الصحيح دائما ابقاء فتحة ولكنه في الوقت الحالي يشبه الملاكم الذي صعد الى الحلبة مقررا احراز الفوز بالضربة القاضية الا انه في هذه الاثناء يخسر المباراة بالنقاط جولة بعد الاخرى.

انها المرة الاولى منذ رئاسة اسحاق شامير، التي تفقد فيها اسرائيل السيطرة على العملية السياسية. نتنياهو منقاد: تم اقتياده الى خطاب بار ايلان وكذلك اقتيد الى التجميد. الكلمة المركزية هي المبادرة. رؤساء وزراء مثل بيغن ورابين وبيرس وشارون واولمرت، اعتقدوا ان من الافضل لاسرائيل ان تسير باتجاه تنازلات مفرطة شريطة ان لا تفقد زمام المبادرة وان لا تفتح بوابتها للحلول القسرية. نتنياهو اغلق عينيه وترك المجال للاخرين حتى يقوده.

ضمن مفهوم معين يمكننا ان نتفهم نتنياهو. ليس هناك شريك حقيقي اليوم للتوقيع على الاتفاق. ابو مازن قال في هذا الاسبوع في مقابلة لصحيفة "هآرتس" بانه ان كان هناك تجميد مطلق في المستوطنات فستستأنف المفاوضات، وسيكون من الممكن التوقيع على اتفاق خلال نصف عام. هذه الكلمات هي ذر للرماد في العيون. ابو مازن الان يخضع لضغوط سعودية للعودة الى طاولة المفاوضات. والسعوديون كحالهم مستعدون للضغط الا انهم غير مستعدين لدفع الثمن خصوصا ان تعلق الامر في  العلاقات مع اسرائيل. ابو مازن لا يبحث عن تسوية: هو يبحث عن ذرائع.

ولكن مراوغة ابو مازن لا يمكنها ان تعفي نتنياهو من المسؤولية عن مصير اسرائيل. كان بامكانه ان يتوجه مثلا نحو خطوة جدية شاملة تعزز الفلسطينيين من الاسفل وليس بالصورة البطيئة المراوغة التي تتم فيها الامور اليوم. الرئيس اوباما قرر التوجه نحو خطوة مشابهة في  افغانستان. هو يعرف ان حكومة كرازاي فاسدة حتى جذورها ولكنه ان اراد اخراج قواته من هناك قبل الانتخابات الرئاسية القادمة فليس امامه خيار اخر.

السؤال هو ان كان نتنياهو يريد فعلا الانسحاب. هل يريد وزراء حكومته الخروج فعلا. انا لا اعرف الجواب ويبدو لي ان نتنياهو ايضا لا يعرفه.

في الاونة الاخيرة صدرت سيرة الملك حسين باللغة العبرية بتأليف آفي شلايم. هذا كتاب مثير. بعد ابعاد الضغينة المفرطة التي يبديها الكاتب لاسرائيل ولحكوماتها نحصل على صورة موثوقة جدا لفشل مساعي تسوية قضية الضفة منذ عام 1967. حكومات اسرائيل رغبت ولم ترغب بالاحتفاظ في المناطق، رغبت ولم ترغب بالسيطرة على مصير الفلسطينيين، رغبت ولم ترغب بايقاف الاحتلال. نتنياهو لا يختلف عن اغلبية اسلافه: هو يريد الرقص في عرسين في نفس الوقت.

المشكلة هي ان العالم قد تغير. هو متعب من اسرائيل ومن الاحتلال. ثناء كبير اغدق على خطاب اوباما في مراسيم استلام جائزة نوبل في بلدية اوسلو. اليمين الاسرائيلي الذي كان قلقا من ميول الرئيس الديمقراطي الليبرالية، استقبل بالترحاب اصرار اوباما واستعداده للدفاع عن استخدام القوة تحديدا في المراسيم التي منح فيها جائزة نوبل للسلام. هو ليس يساريا منظرا عند البوابة، وقال المحللون. اوباما شخص واقعي.

اسرائيل وحروبها لم تكن مسألة مطروحة في الخطاب. مع ذلك هناك مغزى ربما للمصطلحات التي استخدمها اوباما. هو كرر في خطابه كلمة "عدالة" 22 مرة ضمن سياقات مختلفة. اما كلمة "السلام" فقد حظيت بذكر اكبر من الكلمة الاولى وفي سياق ذلك بسبب كونها عنوانا للجائزة الممنوحة. اوباما يربط الواقعية بالعدالة وهو يسعى لان يكون شخصا واقعيا اخلاقيا.

ادارة اوباما عادت واوضحت ما الذي تعتبره تسوية عادلة في الشرق الاوسط وفقا لوجهة نظرها: اسرائيل في حدود 1967 مع اخذ الحقائق الناشئة منذئذ بالحسبان، ودولة فلسطينية مستقلة. هيلاري كلينتون استخدمت هذه الكلمات تماما في احد خطاباتها الاخيرة. هي لم تقل فقط، ان كان اكتراثها محصورا بالاحياء اليهودية في القدس ام ان ه يتضمن ايضا الكتل الاستيطانية.

اليمين الصارخ في حكومة نتنياهو يفكر بمصطلحات معاكسة. بيني بيغن يبرر تأييده لقرار التجميد بأمرين اثنين. الاول ان التجميد ليس حقيقيا وان البناء ما زال متواصلا (وهذا صحيح. في هذا الاسبوع قابلت عمالا فلسطينيين يبنون حيا جديدا في مستوطنة براخا المعزولة وعمالا يهودا يبنون على مسافة غير بعيدة من هناك في تفوح وغير ذلك بكثير).

تعليل بيغن الثاني اكثر اثارة. التجميد كما يقول بيغن اعاد تأكيد الكتل الاستيطانية بالمستوطنات المنفردة المعزولة. الضفة مجمدة كوحدة واحدة بما في ذلك مودعين عيليت وايتمار ومعاليه ادوميم ومعاليه ليفونا. هذا جيد لان المغزى السياسي للجدار الفاصل قد مات. ليس هناك مكان للتسوية: اما ان تمتلك اسرائيل كل الضفة او لا تمتلكها.

ليست هناك وسيلة لارضاء اوباما وبيغن والمستوطنين الذين ينظرون الى الضفة ليس من خلال خطابات مدروسة وانما من خلال بناء منزلهم او عدم بنائه وتوسيعه او عدم توسيعه – في نفس الوقت. ليست هناك طريقة لمعاقبة معهد جبل براخا الديني وضم المستوطنة في نفس الوقت الى مناطق الاولوية القومية الاولى والتجميد ولكن ليس الكامل في نفس الوقت، من اجل ارضاء الجميع والحفاظ على المصداقية – في آن واحد.

عضو الكنيست "كديما" آفي ديختر اعتاد الحديث عن لقاء شارك به عندما كان رئيسا للشاباك. اسرائيل طالبت باعتقال توفيق الطيراوي الذي كان ضالعا في اعمال ارهابية. الفلسطينيون كذبوا عليهم وقالوا انه معتقل. هل هو في السجن؟ سأل الاسرائيليون عرفات. عرفات وجه السؤال الى جبريل رجوب  الذي كان رئيسا لجهاز الامن في الضفة. "الرجوب عرف بأن الطيراوي ليس في السجن والاسوأ من ذلك بانه عرف بانني اعرف انه يعرف بان الطيراوي ليس في السجن. هو تردد في قوله وفي اخر المطاف قال: الطيراوي يعني في السجن" قال ديختر.

في هذه المرحلة رفع ديختر صوته. "يعني" هو يقول "هي كلمة موجودة عند العرب". الاستنتاج المترتب على ذلك: كلمة العرب ليست كلمة.

كلمة اليهود في المقابل هي دائما كلمة. "يعني".