خبر الصاروخ الطويل .. هآرتس

الساعة 02:38 م|18 ديسمبر 2009

بقلم: ألوف بن وعاموس هرئيل

قبل بضع سنوات كان يمكن اغلب الظن حل مشكلة البرنامج النووي الايراني والحاق ضرر شديد به بالحد الادنى من المخاطرة. فالبرنامج النووي كان متعلقا في حينه بمنشأة وحيدة مصنع تحويل اليورانيوم في أصفهان. لو قصف المصنع، لفقدت ايران كميات كبيرة من المواد الخام لتخصيب اليورانيوم ولتأخر برنامجها النووي عدة سنوات. ولكن شيئا لم يتم والايرانيون تقدموا ونثروا المنشآت والمواد في أقبية تحت ارضية محصنة الهجوم عليها معقد اكثر بكثير.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعد بعمل كل شيء لمنع الايرانيين من الحصول على قدرة نووية عسكرية، ولكن اذا ما فشل، فان بوسعه أن يعلق التهمة على سابقيه – الذين تخوفوا ولم يفعلوا شيئا. ولعل هذا ما قصده مستشار الامن القومي عوزي اراد حين اتهم الحكومات السابقة بابقاء "ارض محروقة" لنتنياهو في  التصدي للتهديد الايراني.

أناس تحدثوا مع نتنياهو بعد الانتخابات وقبل تسلمه مهام منصبه، اخذوا الانطباع بانه مصمم على العمل ضد ايران وانه لهذا الغرض عاد الى الحكم. ووصف نتنياهو في حينه البرنامج النووي الايراني بانه تهديد وجودي على اسرائيل والكارثة الثانية للشعب اليهودي في ضوء اللامبالاة الدولية. ولكن في الاشهر الاخيرة، نجده يكثر من الثناء العلني على الرئيس الامريكي براك اوباما، لخطواته الدبلوماسية لاحباط التهديد الايراني ويتحدث عن اهمية تشجيع معارضي النظام ومواقع الانترنت في ايران. اما حديثه عن الكارثة فقد اعتدلت حدة.

وزير الدفاع ايهود باراك يحرص على التشديد في كل تناول علني له للتهديد الايراني بان "كل الخيارات تبقى على الطاولة".

باراك عرض موقفا فاعلا في الحكومة السابقة ايضا. رئيس الوزراء في حينه، ايهود اولمرت، اعتمد على رئيس الموساد، مئير داغان، الذي يترأس "محفل الاحباط السياسي للبرنامج النووي الايراني". وقدر اولمرت وداغان بانه يمكن تأخير القنبلة الايرانية بعدة سنوات، بوسائل دبلوماسية وغيرها دون المخاطرة الهائلة التي تنطوي على حرب. وبالمقابل، سعى باراك الى تطوير خيار في مجال مسؤوليته.

لدى زيارة الرئيس الامريكي جورج بوش الى القدس في ايار 2008، التقاه باراك واولمرت في منزل رئيس الوزراء. ودخنوا السيجار وتحدثوا عن التهديد الايراني. باراك فاجأ اولمرت الذي كانت علاقاته معه مهزوزة وطلب من بوش ان يستكمل الاحتياطيات العسكرية. فقاطعه بوش فورا بالرفض. وبعد وقت، حين التقى باراك في واشنطن قال له: "أذعرتني كنزيه" (الصيغة كانت اقل دبلوماسية).

مع تسلم نتنياهو لمهام منصبه، اكثرت محافل اسرائيلية من الاستعراضات والتسريبات بوسائل الاعلام الاجنبية عن الهجوم الذي على الطريق. باراك ورئيس الاركان، الفريق غابي اشكنازي، يعتقدان بان على اسرائيل أن تبني قدرة لكل سيناريو. موقفهما يفترضه منصبيهما ويفسر ايضا باعتبارات صراعات القوى والنفوذ. جهاز الامن نال علاوة ميزانية كبيرة للاستعداد حيال ايران، وكي يستثمر المال في الجيش الاسرائيلي وليس في اماكن اخرى، على الجيش أن يقنع القيادة السياسية بان في وسعه تنفيذ المهمة. اذا كان لا يمكن التصدي لايران، فخسارة على المال ومن الافضل استثماره في عمليات سرية.

هذا صراع بين الاجهزة: اذا كان النووي الايراني يعتبر في كل مكان، بما في ذلك في محاضرة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء عاموس يدلين هذا الاسبوع في معهد بحوث الامن القومي كتهديد رقم واحد على اسرائيل، فمن المهم جدا من يقود بلورة الجواب الاسرائيلي على المشكلة. من اللحظة التي يعرض فيها الجيش خطة لحل التهديد – فان اشكنازي في اللعبة ايضا وليس فقط داغان، الذي علاقات رئيس الاركان معه اصبحت معادية في السنة الاخيرة.

لرئيس الاركان يوجد واجب مهني لاعداد الجيش الاسرائيلي، على افضل ما في قدراته، لامكانية ان يكون مطالبا بمهاجمة النووي في ايران. في المحافل العسكرية قيل غير مرة ان "التاريخ لن يغفر له" اذا ما جاء السياسيون وطلبوا من الجيش الاسرائيلي ردا على التهديد وتبين أن هيئة الاركان العامة لم تعد كما ينبغي فروضها المنزلية.

ولكن في استعدادات كهذه يكمن فخ بنيوي. فقد سبق أن حصل غير مرة ان قرارات ذات اهمية استراتيجية اتخذت اساسا لان جهاز الامن عرض حلا عملياتيا مقنعا، اشعل خيال القادة السياسيين. نماذج بارزة هي تصفية المخرب من فتح رائد كرمي في 2002، اغتيال امين عام حزب الله، عباس موسوي في 1992، وخطة اغتيال الرئيس العراقي صدام حسين، في ذات السنة، والتي توقفت اساسا بسبب مصيبة "تساليم ب" (في الحالتين الاخيرتين، بالمناسبة، كان اسم رئيس الاركان ايهود باراك).

من الصعب التجاهل ايضا لدور اللوبي الجوي، طياري سلاح الجو في الحاضر والماضي، في ممارسة الضغط باتجاه النشاط العملياتي. طيارون غير قليلين يميلون الى عقلية "Can Do". اذا كانت هناك قنابل، وكان مسلك وكانت اهداف فكل ما يحتاجون عمله هو نقل السلاح من النقطة أ الى النقطة ب. الحماسة وقدرة الاقناع لديهم يمكن ان تكون معدية.

للاستعدادات في اسرائيل توجد مرآة في ايران، التي جربت هذا الاسبوع صاروخ بعيد المدى ووقعت على اتفاق دفاع مع سوريا. مرة كل بضعة اسابيع يهدد مسؤول ايراني برد آليم ومدمر اذا ما تجرأت اسرائيل على الهجوم.

شروط هجومية

ولكن رغم التوتر المتزايد من الطرفين، يقدر خبراء كبار في الامن والاستراتيجية في العالم بان احتمال هجوم اسرائيلي ليس كبيرا. ففي احاديث لغير الاقتباس، يقول الخبراء ان اسرائيل لا يمكنها أن تعمل دون ضوء اخضر من البيت الابيض. هجوم اسرائيلي في ايران يضع في الخطر مصالح استراتيجية هامة للولايات المتحدة – تواجده العسكري في العراق حتى نهاية 2011، تزويد النفط، استقرار الانظمة في الخليج – وعليه ستكون حاجة الى إذن اقلاع من اوباما. مشكوك جدا أن يتمكن نتنياهو او يرغب في العمل لوحده، فيما يترك اسرائيل مكشوفة اما الرد الشديد من ايران دون مظلة حماية عسكرية وسياسية من امريكا.

اللواء احتياط غيورا ايلند الذي كان رئيس مجلس الامن القومي، قدر هذا الاسبوع بان اسرائيل ستكون مطالبة بان تقرر في السنة القريبة القادمة اذا كانت ستهاجم ام لا. "مسألة الحسم في الهجوم على القدرة النووية في ايران من شأنها ان تكون جد غير نظرية بل جد عملية في العام 2010"، قال ايلند في محاضرة القاها في مؤتمر تحدث فيه يدلين ايضا. وبرأيه، فان الهجوم الاسرائيلي يحتمل فقط في حالة وقوع أزمة في المحادثات النووية بين ايران والقوى العظمى، وتوقف المحادثات وفشل الولايات المتحدة في بلورة ائتلاف دولي حيال الايرانيين.

اللواء احتياط البروفيسور اسحق بن اسرائيل، الذي كان نائبا عن كديما في الكنيست السابقة ومستشارا لاولمرت في شؤون الامن، قدر في ذات المؤتمر بانه "اذا لم يكن مفر، فان بوسع اسرائيل أن تمس بمسيرة النووي الايراني". ايران ستهاجم ردا على ذلك اسرائيل بصواريخ "شهاب". بن يسرائيل، الذي اختص في البحث في اداء سلاح الجو وشارك في تخطيط الهجوم على المفاعل في العراق في 1981، قدر بان اسرائيل ستصاب بنحو 80 صاروخ ايراني ضعف ما اطلقه صدام حسين على تل أبيب، حيفا وديمونا في حرب الخليج في 1991.

وبرأي بن يسرائيل، سيستخدم الايرانيون حزب الله ايضا، لردع اسرائيل من الهجوم على المنشآت النووية. "لحزب الله توجد صواريخ اكثر مما كان لهم في حرب لبنان الثانية، ولكن عدد الصواريخ التي ستطلق على اسرائيل لن يكون اكثر بكثير مما كان في حينه" (في 2006 سقط في اسرائيل نحو 4.200 صاروخ ومقذوفة صاروخية من حزب الله، اودت بحياة 54 شخصا).

حتى لو وافق اوباما على هجوم اسرائيلي، فان المعضلة الحقيقية التي سيقف امامها نتنياهو، رفاقه في "السباعية" وقادة الجيش واسرة الاستخبارات، ستكون في تقويم المنفعة حيال الضرر. اسرائيل ستنجو من هجوم صاروخي من ايران ومطر مقذوفات صاروخية من لبنان. ولكن للهجوم ايضا اثمانا استراتيجية، ستتفاقم فقط اذا لم تنجح العملية: فاسرائيل ستشجب في العالم كدولة كفاحية وعدوانية، اسعار النفط سترتفع عاليا، امريكا وحلفاؤها في الخليج قد يتضررون، والاسوأ، ايران ستظهر كضحية للعدوان الاسرائيلي وتحظى بشرعية دولية لاستئناف برنامجها النووي الذي دمر. كما أنه سيتعين على اسرائيل أن تغامر، اذا ما انضم الرئيس السوري بشار الاسد الى الحرب الى جانب ايران ام سيجلس جانبا على عادته.

مسألة حرجة تتعلق بجودة الاستعداد في الجبهة الداخلية الاسرائيلية. في اعقاب حرب لبنان الثانية يفهمون في القيادة السياسية والعسكرية كم ان السكان المدنيين مكشوفون امام هجوم مكثف بالصواريخ والمقذوفات الصاروخية. فقد تقرر صيف 2010 منذ الان في الجيش كتاريخ هدف مبدئي لسد ثغرات حيوية في الجبهة الداخلية. ولكن رغم التغطية الاعلامية الهائلة التي يتلقاها جهاز الدفاع متعدد الطبقات في وجه الصواريخ من المجدي رغم ذلك الذكر بان معظم عناصره لا تزال توجد اساسا على الورق. في كل سيناريو قتالي في السنوات القريبة القادمة، سينزل على الاراضي الاسرائيلية اعداد أكبر بكثير من الصواريخ التي لن تنجح منظومة مضادات الصواريخ في اعتراضها.

أمام كل الاضرار والمخاطر هذه، ماذا ستربح اسرائيل من الهجوم؟ ثلاث حتى خمس سنوات تأخير في القنبلة الايرانية، حسب التقدير المتفائل. فهل هذا يستحق الثمن المؤكد والمخاطرة التي تنطوي عليها عملية جوية معقدة على مسافة بعيدة جدا من الوطن؟ هل نتنياهو وبارام مبنيان لاتخاذ مثل هذا القرار؟ ليس مؤكدا.

الشك يحمل الخبراء على التقدير بان اسرائيل ستتردد وستتحدث عن الهجوم ولكنها لن تفعل شيئا. في نظرهم من المعقول اكثر ان تواصل امريكا وايران الحوار، مع أزمات مدروسة بين الحين والاخر. وطالما حرص اوباما على الا تشعر اسرائيل بانها منعزلة ومسيبة امام التهديد الايراني، فان نتنياهو لن يتجرأ على الهجوم.

اوباما يفهم هذا، وعليه فقد بعث الى اسرائيل بـ 1.500 جندي امريكي للتدرب على الدفاع ضد الصواريخ، قبل نحو شهرين وهو يواصل استخدام الرادار الانذاري المتطور الذي نصبه بوش في النقب. اوباما يفضل تهدئة روع اسرائيل في الجبهة الايرانية وجباية تنازلات من نتنياهو في الجبهة الفلسطينية. المسألة التي على ما يبدو لا تبحث الان بين القدس وواشنطن هي في أي مرحلة من البرنامج النووي لايران ستختار التوقف تحت الضغط الدولي: فهل ستكون "دولة حافة" نووية توجد على مسافة قرار من القنبلة ام لعلها تغامر وتجتاز كل الطريق. في حينه ايضا، من المعقول الافتراض، سيكون في الادارة وفي معاهد البحث الامريكية ما يكفي من الخبراء الذين سيوصون اسرائيل بأخذ نفس عميق والتكيف. وعلى حد تعبير العنوان الفرعي الخالد لفيلم  "د. سترينغلاف" – التعلم كيف تتوقف عن الخوف وتبدأ في محبة القنبلة.

رغم تقديرات الخبراء ومثلما ألمح هذا الاسبوع اللواء يدلين، فان ايا من السيناريوهات لا يضمن أن تكون السنة القادمة هادئة ومطمئنة. معظم الحروب في الماضي نشبت بالمفاجأة، بسبب تقدير مغلوط للمخاطر او تعهد سياسي من الصعب التراجع عنه. هذا من شأنه أن يحصل بين اسرائيل وايران ايضا.

لا مكان للغباء

البروفيسور يهوشع هركابي كان رئيسا لشعبة الاستخبارات في النصف الثاني من الخمسينيات. في هيئة الاركان الحالية ايضا هناك ضباط يرون في كتب هركابي وعلى رأسها "الحرب والاستراتيجية" و "القرارات الحاسمة المصيرية" مرشدا راهنا. من الفصل الاخير في "قرارات مصيرية حاسمة" بعنوان "هيا نذهب" اقتبسوا هذا الاسبوع عدة امور ذات صلة.

"الخاص في وضعنا في اسرائيل هو أننا لا يمكننا ان نسمح لانفسنا بعملية تعلم من خلال التجربة"، كتب هركابي في 1986. "لا يمكننا ان نسمح لانفسنا بانفلات عقال سياسي مغلوط خشية ألا نتمكن من التراجع والبدء من جديد. ضعفنا الكبير هو الشك الكبير في أن يكون بوسعنا التراجع عن طريق مغلوط... دول عديدة في العالم يمكنها ان تتخذ سياسات غبية وستعاني منها، ولكن دون ان يقع لها ضر كبير فيما أن هامش الخطأ المسموح لنا ضيق". ويقتبس هركابي عن المؤرخ العسكري البريطاني بزيل ليدل – هارت: "الفارق الهام بين حملة عسكرية وعملية جراحية (بالانجليزية، كلاهما Operation) هو أن المريض ليس مربوطا بمكانه. كان هذا خطأ العديد من الجنرالات الذين لم يعترفوا بذلك".