خبر من المحل الأول .. معاريف

الساعة 02:33 م|18 ديسمبر 2009

بقلم: غابي غولدمان

كي نفهم الاهتمام الذي تثيره الصين في الغرب، يجب ان نرجع ثلاثين سنة الى الوراء. بعد موت ماو سي تونغ، الزعيم المؤسس للصين، اختلفت القيادة الشيوعية في مسألة اي نهج يتبنى. كدرس من الثورة الثقافية ومن خطة "القفز الكبير الى الامام" الفاشلتين لماو، استقر الرأي على اخلاء طريق لتطوير اقتصادي عاجل. بقي ورثة ماو مخلصين للشيوعية كنهج سياسي، لكن الخطة الاقتصادية الجديدة التي ابدعوها، وهي الاشتراكية مع مميزات صينية، كانت عدولا واضحا عن النموذج السوفياتي في المجال الاقتصادي. يصعب ان نجادل الارقام: فمنذ موت ماو في 1976 ازداد الانتاج للفرج 17 ضعفا، ونما اقتصاد الصين بمعدل 9.9 في المائة كل سنة منذ اعلن الرئيس آنذاك دانغ شيئوبن اصلاحا وتحولا تدريجيا الى اقتصاد السوق. كانت المرحلة التالية بعد تحديث الاقتصاد وادخال تقنيات متقدمة، احداث قوانين تحمي الممتلكات والاعمال الخاصة، وبعدها الغاء تفضلات الضريبة على شركات اجنبية وانشاء نسبة ضريبة موحدة على المستثمرين الاجانب والمحليين. من قال رأسمالية ولم يحصل عليها؟

كان للنمو السريع للصين تأثير ملحوظ ايضا في النشاط الاقتصادي العالمي. ان اعتماد النمو الصيني على استيراد المواد الخام ومنتوجات الصناعة من اجل بناء مصانع انتاج وبنى تحتية افضى الى نمو سريع لدول غنية بالمواد الخام كدول الاوبك، وروسيا، والبرازيل، واستراليا ودول تنتج معدات صناعية.

كانت نتيجة كل ذلك انفتاح الصين، الدولة الشيوعية التي تنطوي على نفسها، لاسواق العالم. تأثير الصين الاقتصادي عظيم، وقد اصبحت مثالا ونموذجا لما يستطيع اقتصاد السوق الحرة فعله. ولكن – ويوجد لكن دائما – اقتصاد السوق المستعمل في الصين ومن الاشد قسوة في العالم. فسكان الصين لا يحظون برسوم بطالة، ويعيش نحو من 130 مليون صيني (نحو من عُشر السكان) يعيشون تحت خط الفقر الدولي. وتفضي سياسة خصخصة الادارة الى فقدان حقوق اجتماعية كالتأمين الصحي الذي يتمتع به المواطنون تحت الحكم الشيوعي. تطورت المناطق الساحلية اسرع كثيرا من المناطق في داخل الدولة، والمجتمع الزراعي يصبح صناعيا والقرى تهجر الى المدينة، حيث تنشأ طبقة عمال مدنية جديدة، وفي مقابلتها ايضا ظواهر واسعة من استعباد الاولاد.

اقتصاد الصين اليوم هو ا لثالث في الكبر في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان. بحسب تقديرات خبراء اقتصاد، قد تحتل الصين مكان اليابان لتكون ثاني اقتصاد في كبره في العالم في السنة المقبلة اي قبل التنبؤات بخمس سنين. على حسب قول اولئك الخبراء ستتخلف الولايات المتحدة ايضا حتى سنة 2030 وسيكون اقتصاد الصين هو الاكبر في العالم.

برغم، وربما بفضل، التطوير الاقتصادي السريع، ما يزال الحزب الشيوعي الصيني يحافظ على هيمنته. برغم آمال غربية ساذجة ان تفضي استضافة الالعاب الاولمبية في بكين في 2008 الى شيء قليل من تخفيف اضطهاد سكانها، فان الصين فعلت كل شيء لتبين للعالم ان الكامل اكبر كثيرا من مجموع اجزائه. صرف الفقراء عن الشوارع وارسلوا الى معسكرات، وتمت الرقابة على دخول الانترنت حتى للصحفيين الاجانب، وكل محاولة لثورة الاقليات قمعت بقسوة، وبغير تشويش من عدسات تصوير غربية.

بازاء المس بحقوق الانسان والمس بحرية التعبير، صدرت عن الغرب وتصدر تنديدات متلعثمة في احسن الحالات، فالصين هي القوة الاقتصادية الصاعدة وهي في طريقها الى ان تصبح الفضلى والكبرى والمحل الاول. فالحال في الرأسمالية كما هي الحال في الرأسمالية لا يطرد من الصف الطالب الانجح في النهج. لا يوجد اي جديد في الغرب.