خبر الموت لأمريكا، الموت للعرب../ د.عبد الستار قاسم

الساعة 09:38 ص|17 ديسمبر 2009

الموت لأمريكا، الموت للعرب د.عبد الستار قاسم

 

أمريكا غاضبة على بعض الفضائيات العربية، وبالتحديد المنار والأقصى والرافدين والزوراء، بسبب ما تسميه التحريض على قتل الأمريكيين، وتفكر في اتخاذ إجراءات ضد ممتلكي الأقمار الصناعية الذين يبيعون الترددات لهذه القنوات. لقد صوت مجلس النواب الأمريكي لصالح هذا التوجه، وما زال المشروع يبحث في القنوات التشريعية. على أغلب احتمال، ستتم بلورة قرار لمحاصرة هذه الفضائيات، وستعمل إدارة أوباما على تنفيذه.

 

أشد ما يزعج أمريكا هو شعار الموت لأمريكا، والذي يتردد في هتاف الجماهير الإيرانية، ومهرجانات حزب الله وأحيانا مهرجانات حماس. وهي منزعجة أيضا من مواقف فضائيات أخرى بسبب تأييدها المطلق للمقاومة العراقية والفلسطينية وهي قنوات الرافدين والرأي والزوراء. تعتبر أمريكا هذه القنوات محرضة بصورة واضحة على قتل الأمريكيين، وهي بالتالي تثير الذعر والرعب ضد الأمريكيين، وتهدد حياة الجنود الأمريكيين في المنطقة، وتؤثر سلبا على مصالح أمريكا في المنطقة العربية-الإسلامية.

 

تعتبر أمريكا هذا التهديد إرهابا لأنه يهدد المدنيين وغير المدنيين من أجل الظفر بمكاسب سياسية. وفق التعريف الأمريكي، الإرهاب هو الهجوم على المدنيين من قبل فئات وتنظيمات واستعمال آلامهم وأحزانهم من أجل تحقيق مكاسب سياسية. وهي بهذا التعريف تستثني الدول بغرض إخراج إسرائيل وإخراج نفسها هي من تهمة الإرهاب، وتستعين بتعبير اسمه الدول الداعمة للإرهاب لتتهم الدول التي لا تتمشى معها، ولا تستكين لسياساتها. أي أن حزب الله وحماس والمقاومة العراقية، والمقاومة الأفغانية عبارة عن منظمات إرهابية، بينما سوريا وإيران السودان عبارة عن دول داعمة للإرهاب.

 

أمريكا غاضبة بسبب شعار قد يؤدي إلى قتل أمريكيين وقد لا يؤدي، لكنها لا تعير انتباها لقتل العرب والمسلمين بالفعل تحت شعار الديمقراطية والحرية. أمريكا لا تطلق الشعارات ضد العرب والمسلمين، وإنما تكلمهم بلطف وروية، وتبكي على أحوال الحرية والديمقراطية في بلادهم، لكنها تقتلهم بوحشية بمختلف أنواع الأسلحة، وهي لا تتردد في تجربة آخر ما تنتجه ترسانتها العسكرية من الأسلحة، ولا تتردد في قتل الأبرياء في أفغانستان وباكستان والعراق، ومحاصرة الأبرياء في قطاع غزة، ولا تتردد في دعم إسرايل لقتل الأبرياء في لبنان وفلسطين. رقاب ودماء العرب والمسلمين عبارة عن حقل خصب للعدوان الوحشي الهمجي الأمريكي، وهو الأسلوب الأمريكي الفاعل في تعليم العرب والمسلمين الديمقراطية.

 

إذا كان بعض العرب والمسلمين يطلقون شعارا عنوانه الموت لأمركا، فإن أمريكا تمارس عدوانا فعليا متواصلا عنوانه الموت للعرب المسلمين. الأمريكيون يسمعون الشعار ضدهم لفظا، ونحن نعاني من الشعار ضدنا عملا حقيقيا يتمثل بالمجازر وهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها. فمن هو الإرهابي؟ أمريكا تقتل العرب والمسلمين منذ عشرات السنين إما بصورة مباشرة، أو عبر وسطاء مثل إسرائيل وبعض الأنظمة العربية. وإذا كان العرب قد ردوا العدوان مرة، فإن أمريكا لم تتوقف، ولا تتوقف عن إعمال السيف في حناجر العرب. وإذا كان العرب قد قتلوا ألفا من الأمريكيين، فإن أمريكا قتلت عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف، بصورة مباشرة وغير مباشرة.

 

ربما تتخذ أمريكا إجراءات ضد من يملكون الأقمار الصناعية، ومن الوارد أنها ستضغط عليهم من أجل إغلاق ترددات هذه القنوات المغضوب عليها. لكن هل سيساعد هذا أمريكا في كسب محبة العرب والمسلمين، وتحسين صورتها؟ لا، بل ستكون الثمار رديئة تماما مثل القرار أو الضغط. إنها ستسيء لنفسها بالمزيد، وستسيء للأنظمة التي ستخضع للضغط لتصبح مستهدفة بالمزيد من قبل الذين يناهضون أمريكا.

 

أمريكا ترفض أن تفكر بعقلها، وتفضل دائما التفكير بقرونها. هذه هي مشكلة الأقوياء الذين لا يجدون من يردعهم، إنهم يتغطرسون ويتمادون، فيقعون في النهاية بسوء أعمالهم. ما زالت أمريكا تفكر بأنها تستطيع إخضاع المنطقة العربية-الإسلامية بالقوة، وغطرستها هذه هي التي تجلب عليها المتاعب بصورة متزايدة. الناس ليسوا مجرد حشرات لا يصلح معهم إلا المبيد، وما دامت أمريكا أسيرة ظنونها فإن المزيد من العداء والمتاعب في انتظارها.

 

على مدى سنوات طويلة، لم أسمع مسؤولا أمريكيا يتحدث بطريقة عقلانية فيما يخص المنطقة، ولم أسمعه يعطي التحليل السياسي الصحيح. كل المسؤولين الأمريكيين يمتدحون الحكام الاستبداديين الذي يسمونهم معتدلين، ويمتدحون صديقتهم المجرمة إسرائيل، ويدعون من يسمون بالمتطرفين إلى تبني ما يسمى بالعقلانية والاعتدال. لم أسمع مسؤولا أمريكيا يقف مفسرا الأسباب التي تجعل أمريكا مكروهة في المنطقة. أغلب ما يقولونه عبارة عن هروب من الحقيقة مثل القول إن العرب والمسلمين يكرهون الحرية والديمقراطية، أو إن العرب والمسلمين يحقدون على أهل الغرب بسبب تقدمهم في مختلف مجالات الحياة. تسبيب تافه لا يهدف إلا إلى الهروب من الحقيقة، وتبرير الحروب التي تحرق الأخضر واليابس في المنطقة.

 

الأمر سهل: إذا توقف الأمريكيون عن دعم إسرائيل والأنظمة العربية والإسلامية الاستبدادية، وتوقفوا عن نهب الثروات والتدخل في الشؤون الداخلية، وتوقفوا عن قل العرب والمسلمين فإن من يسمون بالمحرضين سيتوقفون عن التحريض.