خبر الإعلان الواقعي .. هآرتس

الساعة 10:49 ص|16 ديسمبر 2009

بقلم: ألوف بن

تستحق خطبة براك اوباما في المراسم التي حصل فيها على جائزة نوبل للسلام ان تسمى "الاعلان الواقعي". فقد خلص رئيس الولايات المتحدة فيها تصوره السياسي بست كلمات: "انا اواجه العالم كما هو". ليس مسيحا ولا نبيا ولا حالما، بل زعيما يعرف حدود الطبيعة الانسانية ويرى السياسة لعبة قوة. انه زعيم يسعى الى مثل رفيعة، لكنه يدرك انه لا يمكن احرازها بقوة الارادة الاقناع فقط. زعيم يؤمن بالتطور، ولا يتلقى الهاما الهيا لاجراءات سياسية كسلفه جورج بوش.

عندما انتخب اوباما، وصفه انصاره بأنه تأليف بين النبي اشعياء، والام تريز واوري افنيري. فهو يبشر بآخر الزمان، ويساعد المساكين والمضطهدين، ومحارب سلام شجاع ايضا. ان خطبته في اوسلو كاجراءاته ايضا منذ تولى الحكم تبين انه ليس كذلك. لكن واقعيته واعترافه بأن  الحرب صحبت البشرية منذ فجر ايامنا، وان احراز الامن يقتضي من الشعوب ان تخرج للحروب – لا تفضي به الى اليأس البتة. بل العكس. فانه يرى انه يمكن احداث تغيير اذا حصرنا العناية في المهم والممكن.

يقيم اوباما عدة اهداف: محاربة القاعدة، وكف جماح السلاح الذري، وتأييد معارضي الطغيان، والتطوير الاقتصادي. عندما نحل اهدافه الى خطط عمل ندرك ان اوباما يرى من قريب ويأخذ في الحسبان ميزان القوى. فليست هذه "محاربة شاملة للارهاب"، بل علاجا مركزا لمنظمة هدمت برجي التوأمين؛ وليست فرضا للديمقراطية بل نضالا للطغاة. يؤيد اوباما التدخل في مواجهة نظم حكم تقسو على مواطنيها، ويهتم بضحايا مذبحة الشعب في دارفور، والاغتصاب الجمعي في الكونغو والاضطهاد في بورما – لكنه لا يتحدث عن حقوق الانسان في الصين او السعودية او مصر. يسهل انتقاد دول فقيرة معزولة في اعماق العالم الثالث. لكنه من المبالغ فيه الثورة على قوة عظمى او حكام اصدقاء في الشرق الاوسط.

يؤمن اوباما بالدبلوماسية وبالوسائل غير العنيفة مثل العقوبات، اداة ضغط لتغيير سلوك الدول ذات الاشكال. ونموذجه هو رحلة الرئيس نيكسون الى الصين في 1972 في أوج "الثورة الثقافية" الوحشية. مثال مد اليد للخصم التي شجعته على التغير – وغيرت بمرة واحدة ميزان القوى العالمي. يمكن ان نتخيل اوباما يخطط لرحلة مشابهة الى طهران. لكنه يوجد حد لانفتاحه. فهو لا يجد داعيا لمحادثة اسامة بن لادن. تبين خطبة اوباما عدة دروس مهمة لاسرائيل.

الاول هو انه لا يرى اسرائيل حليفا مهما، مثل بوش الذي رأها شريكة في الحرب العالمية للارهاب. كذلك يؤمن اوباما بالخير والشر لكن عالمه ملون بألوان اخرى سوى الاسود والابيض. والثاني ان اوباما يرى النزاع الاسرائيلي – العربي صراعا على هوية عرقية، وقبلية ودينية فوق كل شيء. فهو يراه "نزاعا بين العرب واليهود"، يزداد فقط، وليس مواجهة سياسية واستراتيجية. والثالث انه لا يرفض الخروج من طرف واحد الى حروب دفاعية، لكنه يحرص على الحفاظ على قوانين الحرب وميثاق جنيف. يصعب ان نراه يؤيد عمليات مثل حرب لبنان الثانية، او عملية "الرصاص المصبوب" اللتين سببتا اصابات شديدة للمواطنين.

والرابع، وهو الاهم، ان اوباما يميل الى مسيرة سلمية تدريجية يشعر بنتائجها من الفور، والا يؤجل كل شيء الى ان تحل جميع المشكلات. في الجدل الداخلي في اسرائيل، يزعم انصار التسوية الدائمة انه يحسن انهاء النزاع بمرة واحدة، وان التوجه المرحلي سيطيل فقط المعاناة ويلقى معارضة فلسطينية. يذكر موقفهم بالمقامرين في اللوتو: الجائزة الكبرى عظيمة لكن يصعب جدا الفوز بها، وفي الطريق اليها يخسرون مالا كثيرا على بطاقات لا طائل منها. ان ترقب التسوية الدائمة لا يجري في مختبر بل في واقع تنشأ فيه حقائق ويزداد الاحتلال عمقا. يفهم اوباما ذلك، ويفضل خطوات جزئية على انتظار الانفجار الكبير الذي ربما لا يأتي. لهذا أصر على تجميد المستوطنات لكن لا على نحو مطلق. لهذا سيؤيد السلام الاقتصادي وانسحابات اخرى من الضفة، ولن يقف كل ذلك حتى انهاء النزاع. واذا بقي مخلصا لاعلانه الواقعي، فمن المحقق ان يؤيد محادثة حماس.