خبر « رحلتي إلى أرض العزة » .. كتاب يقص حكاية طبيب دانمركي خلال الحرب

الساعة 06:02 ص|16 ديسمبر 2009

فلسطين اليوم : وكالات

"رحلتي إلى أرض العزة"، هو عنوان كتاب استثنائي بكلّ المقاييس، فكلماته مستلّة من تجربة إنسانية عميقة، حافلة بالتأثر، ومؤهلة لأن تبكي قارئها مراراً لعمق ملامستها الوجدان، وقدرتها الفائقة على تحريك المشاعر.

صدر الكتاب في كوبنهاغن، باللغة العربية، عن المجلس الإسلامي الدانمركي، وهو يقع في نحو مائة وسبعين صفحة من القطع الكبير، وهو معزّز بالصور الميدانية، وبمواد توثيقية عدّة، تجعله بمثابة معالجة استثنائية، من خلال أهميّة التجربة التي خاضها جراح الحوادث القادم من اسكندنافيا، وبخصوصية الموقف الذي تصدّى للقيام بمهمته الإنسانية في خضمِّه.

وتأتي الشهادات التي يفيض بها هذا الكتاب؛ بمثابة لوحات تمتزج بها المشاعر الإنسانية العميقة، الكفيلة باستدرار دموع القارئ بلا توقف، والأبعاد السردية التي تضع المرء في قلب الحدث الغزِّيّ زماناً ومكاناً.

بداية القصة

فالكتاب يرحل بقارئه إلى اسكندنافيا ابتداءً، حيث يقيم جراح الحوادث الدانمركي من أصل عربي الدكتور جهاد عبد العليم الفرّا، ففي ليالي الشتاء التي تحققت معها الانعطافة من عام 2008 إلى عام 2009، أخذ دويّ القصف المتلاحق بغزة، يًُحدِث أصداءه في وجدان الطبيب، الذي أدرك أنّ واجبه الإنساني، والتزامه المهني، ووازعه الديني والأخلاقي، كلها تحتم عليه أن ينتقل إلى القطاع المحاصر الذي أخذت آلة الحرب الإسرائيلية العاتية تسحقه سحقاً.

يشرح المؤلف كيف تواردت أنباء العدوان الحربي الإسرائيلي، فأقضّت مضجعه، وآلمت قلبه، فسعى بكلّ السبل للتحرّك صوب غزة، غير آبه بسلامته الشخصية.

ويضع الكتابُ القارئَ في ضوء المساعي الحثيثة التي أخذ يبذلها هذا الطبيب ذو الأصل السوري، والذي يعيش في كوبنهاغن، عبر اتصالات مع المنظمات الإنسانية الدولية، كالصليب الأحمر و"أطباء بلا حدود"، بغية وفائه بعهد قطعه على نفسه، بمداواة الجرحى وإنقاذ المصابين، تحت الحمم التي تنهال عليهم في قطاع غزة، لكنّ المسارات لم تكن سالكة، فكان لا بدّ من السعي عبر خيارات أخرى، مثل تجمّع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا، واتحاد الأطباء العرب، وهو ما حقّق أمنية عزيزة على نفسه، بأن تطأ قدما هذا الطبيب أرض غزة، وإن كانت الصعوبات والعراقيل وفيرة في طريقه ذاك.

الصورة من الداخل

ويشرح المؤلف، ما عايشه داخل القطاع، عبر خدمته التطوّعية في المشفى الأهلي العربي، وفي مجمع الشفاء الطبي، وكذلك في مشفى الوفاء الواقع على خطوط التماس بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال الحرب الضارية على غزة، حيث كان يتنقل على مدار الساعة من هذا المشفى إلى ذاك، ليجري العمليات والخدمات الطبية تحت ضغط شديد يفوق الطاقة الاستيعابية للبنية الصحية التحتية في هذه الرقعة المحاصرة من الأرض.

ويعيد المؤلف نسج المواقف التي عايشها، والتي لا يمكن للمرء أن ينساها ما حيي؛ من معايشاته آلام الجرحى، واستقباله إصابات بالغة البشاعة جراء الأسلحة الإسرائيلية المحظورة دولياً، وصولاً إلى ما لمسه من مشاعر العزّة والكرامة والتجلّد والاحتساب لدى الأطفال والأمهات وكبار السنّ، علاوة على الشباب الفلسطيني الذي لم يأبه ما أصابه، وهو ما جعله يصف قطاع غزة بأنه "أرض العزّة".

وينقل الكتاب أصداء غزة تحت الحرب، التي صنعها على مدار الساعة دويّ القصف الإسرائيلي جوّاً وبرّاً وبحراً، وصدى اشتباكات المقاومة التي لاحظ أنها استبسلت في مواجهة واحد من أعتى جيوش العالم، وأزيز "الزنانة" -الطائرات بدون طيّار- التي كانت تحوم في الأجواء بلا توقف راصدة المشهد على الأرض إيذاناً بالقصف الجديد، علاوة على التفجيرات التي كانت تجري في مناطق التماس في أرجاء القطاع المحاصَر.